بنفسج

د.أميرة العسولي: شجاعة كالصحابية رفيدة الأسلمية

الأحد 18 فبراير

" سبحان الله، ربنا نزع الخوف من قلبي، لو بحس إنه حدا محتاج مساعدة، مش راح أفكر لحظة في نفسي، وهذا مش جديد عليّ، نحن رسالتنا معروفة، من أول ما تخرجنا، نحن أقسمنا القسم اليّ بحتّم علينا نساعد الناس، مهما كانت الظروف."

كان هذا أول تصريح للدكتورة أميرة العسولي، بعد تلك الليلة البطولية التي شهدت عليها منصات التواصل الاجتماعي، احتفت بها كما احتفت بغيرها من أبطال الكوادر الطبية الذين رابطوا في مستشفيات القطاع، مخاطرين بأنفسهم، وبحياتهم، من أجل محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح، يراها العالم رخيصةً فتطحن وتدق في ثوانٍ، ولكنها غالية- تلك الأرواح- عند ربها وعند أبناء شعبها وأمتها وأحرار العالم.

كالصحابية رفيدة الأسلمية في شجاعتها وحضورها

الطبيبة أميرة العسولي.jpg

كعهدنا في بنفسج، نتغنى بكل حضور لامرأة، أحدثت فعلًا وتركت أثرًا، وقامت بأدوارها في هذه الحياة، ضاربة بعرض الحائط كل منتقص من مكانة المرأة، فكيف حين يكون هذا الحضور في حرب لا يُفرق جيش الاحتلال الإسرائيلي فيها بين رجل وامرأة وطفل، ويستخدم أقذر الأدوات والأساليب التي لم يعرفها العالم الحديث لتحقيق أهداف لا تُحقق.

كثيرة هي نقاط التشابه التي جعلتنا نجمع بين طبيبتنا الأميرة، وبين الصحابية الجليلة رُفيدة الأسلمية- صاحبة لقب أول ممرضة في الإسلام – أهمها الوازع الذاتي والرغبة في إحداث الفعل، فكلاهما متطوعتين، لا تعملان بأجر، ولا تؤديان وظيفة، وكلاهما أيضًا أحبت مهنة الطب، وامتهنتها عمرًا، وكلاهما قررت أن تتواجد في ساحة حرب، لأغراض التطبيب والعلاج، وكلاهما حملت روحها على كفها، وخاطرت بنفسها لعلاج الجرحى، وإنقاذ أرواح المسلمين.

كان لرفيدة "خيمة" في المسجد النبوي، لتقديم الرعاية التمريضية وتدريب المسلمات ليكن ممرضات، وعالجت فيها المرضى من الرجال والنساء، وأطلق عليها "خيمة رفيدة".، وكان للطبيبة أميرة العسولي مكانها أيضًا في مجمع ناصر الطبي، الذي تركته قبل عامين طواعية، وعادت إليه في حرب طوفان الأقصى طواعية أيضًا.

قاتلت كلتاهما ضد اليهود، فشاركت الأسلمية في معركتي خيبر والخندق، بينما كانت العسولي حاضرة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وضد عقيدة صهيونية متطرفة، وُلِدت رفيدة الأسلمية في صدر الإسلام في مدينة رسول الله، فكانت أنصارية نسبًا وفعلًا، وكان والدها سعد الأسلمي طبيبا ماهرا، اكتسبت رفيدة الكثير من معرفتها الطبية وهي تكبر إلى جانبه، واستهوتها حرفة التطبيب ومداواة المرضى، أما الطبيبة أميرة العسولي فتنتمي إلى أنصار آخر الزمان، المرابطين في عسقلان، خير الرابط رباطها وخير المرابطين أهلها.

هكذا تحدثت الطبيبة أميرة العسولي

الطبيبة أميرة العسولي.webp
الطبيبة أميرة العسولي 

الطبيبة أميرة محمود العسولي، أخصائية نساء وتوليد، وحاصلة على البورد الفلسطيني والعربي كذلك في عام ٢٠٠٩، كانت تعمل في مجمع ناصر الطبي حتى قررت التقاعد مبكرًا منذ سنتين. كانت في رحلة علمية في مصر لحضور مؤتمر طبي في طب الأجنة، وتشارك في دورات تدريبية عندما نشبت الحرب، عادت إلى غزة وقت الهدنة.

تقول: " كنت أقطن في عبسان الجديدة شرق خانيونس، حوصر بيتي 15 يومًا، وتلقيت خبر قصف بيت أهلي للمرة الثالثة، وعلمت أن أمي قد حوصرت تحت الركام، وهي أم ثمانينية، لم أطق صبرًا، فخرجت من عبسان إلى العودة، ليلًا ومشيًا على الأقدام وأنا أحمل متاعي، ومن ثم إلى مجمع ناصر الطبي، وقررت العمل هناك متطوعة.

واجهنا حالات طبية وأجرينا عمليات "وحدنا" في قلة الإمكانات وخطورة الحالات، إذ تعلمون أن الاحتلال يحاصر مستشفى ناصر ومستشفى الأمل منذ أكثر من 25 يومًا، ويطوق الطواقم الطبية ويمنعها من أداء عملها ويستهدفها بشكل مباشر. ولكننا لا نتردد بإنقاذ الجرحى والمصابين ومستعدين دوما حتى لو تعرضنا إلى الخطر."

تتابع:" في تلك الليلة استشهد شخص تحت نافذة الغرفة التي أجلس فيها، لم تصبني الرصاصة بتقدير الله، ولكنها أصابت هذا الرجل، خرجت في محاولة إنقاذه فوجدت الطبيب محمد أبو يحيى قد فكّر في ذات الأمر، وصلنا إليه ولكن للأسف وجدنا أنه قد فارق الحياة، في تلك الأثناء أيضًا كان هناك جريح محاصر آخر، وقد أصيبت قدماه وكان ينزف.

 تشاورت مع الطبيب محمد أبو لحية، فقلت له لن نفكر، سننقذه، وبالفعل ركضت إلى مكانه فوجدته يضغط على جرحه بجاكيت، فرحت وشعرت بسعادة كبيرة عندما وجدت أنه على قيد الحياة، ولكن كان في حالة يرثى لها، وقال لي: "هل سيقطعون قدمي"، طمأنته وقالت له "لا يا حبيبي، لن يقطعوا قدمك أنت بحال جيدة". لحقني اثنان ووضعناه على الحمالة وركضنا به جميعا إلى المستشفى، وبحمد الله عولج وهو بحال أفضل اليوم.