بنفسج

لوحات إسماعيل شموط: بعُمر النكبة تحاكي واقعًا في غزة

الإثنين 26 اغسطس

الفن ابن بيئته في أي مكان يولد، تتلبسه صفات المكان والزمان والأشخاص والحوادث التاريخية التي تصير، فتنشأ في لوحة فنية ما تفاصيل تبرزها اللحظة التاريخية ومخزوناتها العاطفية، وفي هذا المقال عرض لبعض رسومات الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط التي تمثل اللجوء الفلسطيني الذي يتكرر اليوم في حرب غزة القائمة حتى يومنا منذ 11 شهرًا.

رائد الفن التشكيلي الفلسطيني: إسماعيل شموط 

رائد الفن التشكيلي الفلسطيني اسماعيل شموط.jpg
رائد الفن التشكيلي في فلسطين الفنان إسماعيل شموط 

إسماعيل شموط رائد تمثيل اللجوء في فنه، عبرت أعماله التي يبقى محورها الإنسان، عن عمق الألم الذي ألمّ بالإنسان الفلسطيني، من خلال رسمه شخوصًا تكتسي وجوهها ملامح من حزن وأسى عميقين، لكنها أيضًا شخوص يشع من داخلها الكبرياء والتحدي والأمل في استرجاع حقها والعودة إلى الوطن الأم.

شهد شموط بعينه برفقة عائلته كيف شكل الناس الهائمون على وجوههم نهرًا من البشر يعبر المدينة، بينما المسلحون الصهاينة يزجرون الناس ويسمعونهم بكلمات عربية مكسرة شتائم قذرة. ووسط الخوف والهلع وبكاء الأطفال والغبار والحر والعطش والجوع، كانت عيون النساء والأطفال تبحث عن أجوبة لأسئلة كثيرة تدور في أذهانهم دونما جواب.

سنعود-1954

لوحة سنعود للفنان التشكيلي الفلسطيني اسماعيل شموط.jpg

في هذه اللوحة للفنان الفلسطيني إسماعيل شموط الذي عايش النكبة عام 1948 وهاجر وعائلته إلى نعلين وهي قرية قرب رام الله ومن ثم إلى الخليل فإلى خانيونس، وعنوانها سنعود ورسمها في عام 1954، رجل يحمل ابنه الصغير على كتفيه ويذوي الصغير على رأس والده، وصغير آخر يمكسه والده بيده ويرفع نظره إلى والده، وآخر صغير يسير وراءه مطأطئ الرأس. الحزن ينهش جسد الأربعة في الصورة.

أما عناصرها فالجسد بروح النازح، الشجرة الجافة، والأرض الصفراء والسماء الملبدة والوجهة غير المعلومة. وكأنني أستكمل صورة من نزوح إلى خانيونس، وكلمة وين نروح هي الصوت الوحيد السائد، وإسماعيل شموط يجسد نفسه ووالده وإخوته عندما نزحوا مرات عيديدة إبان الحرب وعاشوا الظروف التي يعيشها الأهالي النازحين من غزة ومدنها الهائمين الراكضين، التاركين بيوتهم إلا من حقيبة صغيرة إلى المجهول تحت ضرب النيران...

إلى أين؟ 1953

لوحة النزوح لفنان التشكيلي الفلسطيني اسماعيل شموط.jpg

وهذه اللوحة في نفس مجموعة إسماعيل شموط الشاب الذي نزح إلى خانيونس ودرس وعمل مدرسًا في مدارس الأنروا بعنوان إلى أين؟ في عام 1953. وهي ذات لسان حال كل نازح منذ حرب السابع من أكتوبر: وين نروح؟ النازحون قالوا نزحنا إلى الخيام فحرقنا، نزحنا إلى المدارس فقصفنا، نزحنا إلى الشوارع فلوحقنا، فأين نذهب؟

في الوحة ولد صغير ينظر إلى جده مشدوهًا مذهولًا، والمسن ينظر إلى وجهةٍ ما وربما يحدث نفسه بما يقوله النازحون في غزة هذه الأيام: إلى أين سنذهب؟ أي الوجهات نسلك؟ أين الملاذ ولا مكان آمن، والصغار حولنا من كل جانب. الصورة يملؤها الأطفال، ونساء يحملن أطفالهن، في الصورة رمزية ثقيلة: نساء وشيوخ وأطفال، وإنها لمسؤولية ثقيلة بينما يقاتل الرجال.

جرعة ماء-1953

لوحة فنية بعنوان شربة ماء تحاكي النكبة الفلسطينية.jpg

أما هذه الصورة فهي نسخ لواقع اليوم، حرب ونزوح في حصار شديد؛ فلا غذاء ولا دواء ولا ماء، لا شيء البتة، اللوحة بعنوان: جرعة ماء رسمت في عام 1953. أناس كثر، ازدحام شديد وجرعة ماء واحدة تمنح لأم حامل، ومن يسقيها؛ ولدها الذي يفعل. فهل نتذكر طوابير الأطفال على تكايا الطعام وموارد الماء الشحيحة، هل نستذكر الوجوه المقهورة التي تصطف تحت أشعة الشمس الحارقة، هل نستذكر الأطفال الذين يقولون "أسعى لإطعام أمي وإخوتي".

روى شموط الذي كان قد بلغ 17 عامًا كيف حاول عند أطراف مدينة اللد حيث انتشرت البيارات والبساتين إحضارَ بعض الماء من بركة أحد البيارات، وعندما كاد ينجح في نقل وعاء ماء، اصطدم بسيارة جيب عسكرية، حيث أجبره العساكر اليهود ومن معه على إلقاء أوعيتهم ليعودوا إلى الركب الزاحف شرقًا دون ماء، وقد ترك هذا الحادث، في عز حر تموز أثره في ذاكرته وجسده في أعماله الفنية لاحقًا، وها هو يتكرر اليوم بوجهه الأعنف.

عرسان على الحدود-1962

عرسان وحدود لوحة للفنان التشكيلي إسماعيل شموط.jpg

ولا تموت الفرحة والأمنيات، العائلة والتوالد، وقد شهدنا الكثير من الزيجات في أماكن النزوح ومدارس الإيواء، عرسان جدد يتزوجون، وربما يموتون بعد أيام، هذه اللوحة بعنون عروسان على الحدود رسمت في عام 1962. العريس يحمل بندقيته والعروس تومئ بالوداع.

ذكريات ونار-1957

لوحة بعنوان نار وذكريات الفن التشكيلي الفلسطيني.jpg

وهذه لوحة ذكريات ونار ورسمت في عام 1957، فيها عنصران فقط رجل مسن ونيران، وكثير من المشاعر، هل برد؟ هل حنين؟ هل أنسة؟ في لحظة تاريخية متأججة، هل ذكريات البلاد المتروكة.

في عام 19848  اعتقدت الجموع الخائفة أن معاناتهم مع هذا التجمع القسري لن تطول أكثر من ساعات، ظنًا منهم أن هذا التجمع يشبه عمليات القوات البريطانية التي كانت تخرج السكان من منازلهم وتجمعهم في الساحات أثناء التفتيش عن الثوار أو عن السلاح في هذه المنطقة أو تلك. إلا أن سكان اللد الذين جمعوا في الساحات العامة سرعان ما أجبروا على التحرك في طريق محدد يقطع شوارع المدينة وأسواقها إلى خارجها، وظلوا خارجها إلى يومنا هذا.

الطريق- 1964

لوحة من الفن التشكيلي الفلسطيني بعنوان الطريق.jpg

وهذه لوحة الطريق ورسمت في عام 1964، وهي توحي بموعدها، رجال يحملون أسلحتهم يذهبون في طريقهم إلى الحرب.

البطل-1988

لوحة للفنان التشكيلي اسماعيل شموط بعنوان البطل تحاكي الانتفاضة الأولى.jpg

وهذه لوحة أختتم بها، بعنوان البطل ورسمت في عام 1988، وهو عام الانتفاضة الأولى. البطل شاب في مقتبل العمر يحمل علم البلاد، شامخًا منتصرًا رغم أنه يقاتل بالحجارة، كما سنتصر الأبطال الآن وفي كل مكان.