بنفسج

"فاطمة ريما": أيقونة ثورية وحب فطري للمقاومة

الثلاثاء 21 مارس

تتناول هذه المقالة جانبًا من سيرة المناضلة فاطمة إسماعيل سلمان (فاطمة ريما) من بلدة سلواد شمال شرق رام الله، وتحاول من خلالها تسليط الضوء على بواكير المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني داخل الضفة الغربية بعيد حرب 1967 ومساهمة الفلسطينيات فيها.

| سيرة ذاتية مقتضبة

ولدت فاطمة ريما في بلدة سلواد عام 1937، وترعرعت في أسرة ريفية محافظة. والدها إسماعيل سلمان أحمد، وأمها ريما صالح عمر النجار، وأخوها الشهيد عبد الإله.
 
برز دورها الوطني إبان حرب 1967، فكانت واحدة من مجموعة نسوة تطوعن في لجنة لإسعاف الجرحى، ثمَّ تطور أداؤها لتلتحق بالمقاومة المسلحة عن طريق أخوها الشهيد عبد الإله، وتنتمي طوعًا لخلية عسكرية مقاوِمة يقودها خالها الحاج زين الدين النجار. 

ولدت فاطمة ريما في بلدة سلواد عام 1937، وترعرعت في أسرة ريفية محافظة. والدها إسماعيل سلمان أحمد، وأمها ريما صالح عمر النجار، وأخوها الشهيد عبد الإله. عاينت فاطمة ريما النكبة ورأت آثارها المدمرة، وكانت في ريعان شبابها عندما استشهد أخوها في إحدى دوريات المقاومة عند بلدة النويعمة في الأغوار في نيسان من العام 1968.

برز دور فاطمة ريما الوطني إبان حرب 1967، فكانت واحدة من مجموعة نسوة تطوعن في لجنة لإسعاف الجرحى، وساهمن في بث روح الصمود والصبر بين المواطنين في الأيام الأولى من الاحتلال، ثمَّ تطور أداؤها لتلتحق بالمقاومة المسلحة عن طريق أخوها الشهيد عبد الإله، وتنتمي طوعًا لخلية عسكرية مقاوِمة يقودها خالها الحاج زين الدين النجار. عملت الخلية في منطقة رام الله، واستهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية ولاحقت العملاء.

اعتقلت مع أفراد خليتها في منتصف آب/ أغسطس عام 1969، وحُكمت بثلاث سنوات ونَسف الاحتلال بيتها ومنعها من السفر لمدة ثمانية عشر عامًا. تحررت فاطمة من الأسر وعاودت الفعل المقاوم، وسجنها الاحتلال من جديد بصحبة أخريات من بنات بلدتها في شهر آذار 1971، وقد تعرضت لتحقيق قاس ورغم ذلك فقد أظهرت صمودًا وصبرًا، وحكم عليها الاحتلال بالسجن لمدة ستة أشهر، خرجت بعدها من الأسر وقد ازدادت قناعة بخيار المقاومة وظلت وفيَّة لقناعاتها وإخلاصها لفلسطين وقضيتها العادلة.

| فاطمة ريما وبواكير المقاومة

لقد كان انتماء فاطمة ريما للمقاومة وهي الريفية المحافظة التي لم تتلقى تعليمًا كافيًا ولم تسمع مسبقًا بالحركة النسوية ولا بمفاهيم تحرير المرأة، دليل على أن المسألة الفطرية لعبت دورًا رئيسًا في تجربتها.
 
وهي بذات الوقت دليل على أن هامش انخراط الفلسطينيات في المشروع الوطني التحرري في تلك المرحلة، وتحديدًا في ريف الضفة الغربية لم يكن معدومًا كما يعتقد البعض.

تجربة فاطمة ريما أهمية العامل الفطري نحو مواجهة الاحتلال، فإذا كان الإنسان بطبعه رافضًا للظلم ومحبًا للحرية وقادرًا على المبادرة، تكون قابليته للعمل المقاوم عالية، وهذا ما نجده واضحًا لدى فاطمة ريما، فنفسها أبية تكره الجور، وهي بطبعها مبادرة، الأمر الذي سهَّل عليها الانخراط في المقاومة.

لقد كان انتماؤها للمقاومة وهي الريفية المحافظة التي لم تتلقى تعليمًا كافيًا ولم تسمع مسبقًا بالحركة النسوية ولا بمفاهيم تحرير المرأة، دليل على أن المسألة الفطرية لعبت دورًا رئيسًا في تجربتها، وهي بذات الوقت دليل على أن هامش انخراط الفلسطينيات في المشروع الوطني التحرري في تلك المرحلة، وتحديدًا في ريف الضفة الغربية لم يكن معدوما كما يعتقد البعض.

لعب عامل القرابة دورًا هامًا في تيسير مهمتها، فعملت مع أخوها وخالها بكل حرية وانطلاق، وأزيلت من أمامها الكثير من المعيقات سواء الاجتماعية أو النفسية أو غيرها، ويبدو بأن للجغرافية أهميتها أيضًا، إذ أنَّ وجودها في الأردن عرَّضها لسحر المقاومة، فتعرفت عليها وعلى مشروعها التحرري، وقد شهدت بنفسها بداية الظهور العلني للمقاومة وقواعدها شرقي النهر، أمَّا حرب الـ 1967 ونتائجها الكارثية فقد منحتها العزيمة على خوض التحدي لمحو آثار الهزيمة والتقدم بالمشروع الوطني التحرري.

أمَّا انخراطها العملي في الجهد العسكري، فتركَّز في تقديم دعم لوجستي حيوي لخليتها المسلحة، حيث عملت على استقبال الأسلحة القادمة من قواعد المقاومة في الخارج وإخفاءها.

مارست فاطمة ريما المقاومة بشقيها الشعبي والمسلح، فقد انخرطت مع أخريات في تشكيل طاقم إسعاف في بلدتها لمواجهة احتمالات وقوع ضحايا إبان حرب 1967، واعترضت على قيام البعض برفع الرايات البيض على أسطح المنازل بعد سقوط الضفة، ودعت بصراحة لمقاومة الاحتلال وعدم الاستسلام له، وشجعت الأهالي على عدم النزوح للأردن.

 كما أنَّها نظَّمت مع أخريات مشروعًا لنسج الثياب لصالح رجال المقاومة، وإعداد أعلام فلسطين. أمَّا انخراطها العملي في الجهد العسكري، فتركَّز في تقديم دعم لوجستي حيوي لخليتها المسلحة، حيث عملت على استقبال الأسلحة القادمة من قواعد المقاومة في الخارج وإخفاءها وإيصال الرسائل بين قيادة المقاومة في الأردن وخليتها في الضفة الغربية.

بعض من دروس التجربة المُقاوِمة

فاطمة ريما 1 (1).jpg
 الشهيد عبد الإله شقيق فاطمة ريما

تستذكر فاطمة ريما بعضًا من الدروس التي تعلمتها من تجربتها، فتشير في شهادتها على تلك المرحلة إلى وجود هامش كبير من العفوية والارتجال في العمل المقاوم. فبالنسبة لها كان ثمن العلنية والاسترخاء في العمل الفلسطيني المسلح على الساحة الأردنية أواخر ستينيات القرن الماضي باهظًا، فقد مكَّن ذلك الاحتلال من معرفة الكثير من المعلومات عن الخلايا العسكرية وسهَّل جهوده في إفشالها.

 كما أن المقاومة عانت في تلك المرحلة من جوانب قصور أخرى، فعلى سبيل المثال لم تُعنَ بتثقيف الفلسطينيات المقاومات حول قضايا الأَسْر وطرق مقاومته، ولم تسعَ لتهيئة المجتمع لاستيعاب الأسيرة بعد تحررها، وتركتها تتعرض للغمز واللمز من قبل البعض، خصوصًا عند الحديث عن معاناتها في مواجهة التحقيق وأساليب المحققين.

تقول عن تلك التجربة: "رحت على الأردن سنة 1968، أقنعني أخي عبد الإله بأخذ دورة تدريبية على السلاح.. تدربت في برية إربد.. كانت الأمور علنية وكان في فوضى وقلة تخطيط، كان الجيب يأتي إلى الدار يأخذني إلى مكان التدريب دون أي احتياطات.. إحنا كنا مكشوفين على بعض ...الاحتلال كان يعرف كل شيء عني.. ذكروا لي في التحقيق كل شيء، حتى رقم الجيب ومكان التدريب ومكان السكن، الشعار وكل شيء".

"بعد ما طلعت من السجن تعرضت لبعض المواقف ولكني بقيت صامدة والحمد لله، شوف مرة كنت في قعدة، فقامت وحدة من القاعدات قالت لي: انتِ الي لما أبوك أجا زارك أول مرة وقال لك كيف حالك، قلت له، كيف حالي! وأنا فقدت أغلى ما أملك في حياتي. قلت لها هذا الإشي ما صار أنا فاطمة وانسجنت وتعذبت ولكن ما صار معي هذا الحكي".

تضيف، "أنا كنت متصورة أنهم سوف يعطوني في الدورة معلومات عن الأسر وكيف أتعامل إذا وقعت أسيرة، لكنهم لم يفعلوا، وأنا بنفسي صرت أسأل حتى اهتديت إلى أسيرة طالعة من السجن جديد، وكانت جاية على الأردن اسمها تودد عبد الهادي من نابلس من تنظيم فتح، وحكت لنا عن تجربتها، وكونت شخصيتي بناء على معلوماتها".

تكمل، "الحقيقة ما كان في توجيه... بعد ما طلعت من السجن تعرضت لبعض المواقف ولكني بقيت صامدة والحمد لله، شوف مرة كنت في قعدة، فقامت وحدة من القاعدات قالت لي: انتِ الي لما أبوك أجا زارك أول مرة وقال لك كيف حالك، قلت له، كيف حالي! وأنا فقدت أغلى ما أملك في حياتي. قلت لها هذا الإشي ما صار أنا فاطمة وانسجنت وتعذبت ولكن ما صار معي هذا الحكي. أنا جاوبتها وما انحرجت. هبوا فيها النسوان ولكن انا قلت لهم بهمش اتروكوها".

| طهرية ثورية وعفة في التعامل مع المال

مثَّلت فاطمة ريما نموذجًا لعدد من الفلسطينيات اللواتي التحقن بالمقاومة في أيامها الأولى، وخضن تجربة غنية بأحداثها، وثمنية بعبرها، ورغم أنَّها جزء من الرواية الفلسطينية المقاتلة إلا أنها بقيت محفوظة في الصدور تنتظر من ينقلها إلى الورقة. 
 
كبرت فاطمة ريما وبنات جيلها كذلك، ورغم ما مر عليها من آلام وأوجاع طيلة السنوات الماضية إلا أنَّها ما زالت تحلم بالحرية لفلسطين ولشعبها الأبيّ.

مثَّلت فاطمة ريما ومثيلاتها من المناضلات الميدانيات "البدريات" نموذجًا في التضحية والفداء والإقدام. لم تعش فاطمة ريما عالة على المقاومة، فقد التحقت بها حين كان المقاوم يقدم جزءا من راتبه لصالح العمل الفدائي، ولم يكن ليطمع بشيء سوى رؤية بلده محررًا، وهذا ما جعلها تتردد في قبول التعويض عن بيتها الذي هدمه الاحتلال، رغم حاجتها للمال، في موقف يعبر عن نقاوة السريرة وطهرية الهدف.

 تقول عن تلك الفترة: "بعد خمس سنوات بلغنا رئيس البلدية بأن الحاكم العسكري سمح لنا بالبناء، كنت محوشة 450 دينار من شغلي في التين، وبعدين بعت ذهباتي وخُلقاني وبنينا الدار، ظل عليَّ دينًا لأيوب علان 20 دينارًا وعبد المجيد خزنة 20 دينارًا، كل واحد سامحنا في عشرة دنانير، وسدينا الدين. كلف بناء الدار 1200 دينار. ودت المنظمة لأمي 2300 دينار تعويض بعد 13 سنة من هدم الدار، أنا رفضت المبلغ قلت لها المنظمة فقيرة، وأنا حاسب حالي منهم كيف بدي أوخذ منهم إشي!".

مثَّلت فاطمة ريما نموذجًا لعدد من الفلسطينيات اللواتي التحقن بالمقاومة في أيامها الأولى، وخضن تجربة غنية بأحداثها، وثمنية بعبرها، ورغم أنَّها جزء من الرواية الفلسطينية المقاتلة إلا أنها بقيت محفوظة في الصدور تنتظر من ينقلها إلى الورقة. كبرت فاطمة ريما وبنات جيلها كذلك، ورغم ما مر عليها من آلام وأوجاع طيلة السنوات الماضية إلا أنَّها ما زالت تحلم بالحرية لفلسطين ولشعبها الأبيّ.