قيل عن عفراء فلسطين: "نذكر ما تعلمناه وما ذكَّرنا به المربون منذ طفولتنا، أنَّ الأم تتعب إذا تعبَ ابنها، وتتألم إن أصابه الألم، وتسقم إن حلَّ به السقم، فكيفَ من ودَّعت أبناءها التسعةَ أشلاءً شهداء! ما حالُ قلبها الذي تمزق من هول المشهد، كيف له أن يصبر؟ وكيف يُصنع في غزة معجزة من الصبر كهذه. هو الله وحده، من أمر بالصبر يُعين على التصبر، ومن بلَّغ بالفرج والنصر، سينجز وعده بإذن الله"، منشور فيس بوك.
سمَّاها البعض "عفراء فلسطين" تيمنًا بالصحابية عفراء والتي استشهد أبناؤها السبعة في معركة بدر في زمن الرسول
الطبيبة آلاء النجَّار وزوجها الطبيب حمدي النجَّار من مدينة خانيونس، يصلان الليل بالنهار ويعملان في أصعب الظروف في في مستشفى ناصر الطبي في خانيونس في قطاع غزة لإنقاذ ما يستطيعان من الجرحى، وهما أبوان لعشرة أطفال فقدا منهم تسعة، والأم الطبيبة آلاء النجار تواصل عملها بكل ثبات في مستشفى ناصر الطبي، والأب حمدي النجار بين أبنائه وجيرانه يحاول تأمين وحمايتهم.
قرر الطبيبان البقاء في مكان سكناهما رغم تحذيرات قصف بيتهما، أكثر من مرة، وظلّا على رأس عملهما يقومان بواجبهما باعتبارهما طبيبين، ولا يمكن مغادرة مكانهما والنزوح منه وغزة تحتاج لكل الطاقات والقدرات الطبية. لم يكن الأبوان طبيبان فحسب بل مربيان أحسنا تربية أبنائهم التسعة فأنشِئوا على القرآن حفظًا وعملًا بشهادة من يعرفهم، فابنيهما آدم ويحيى أتموا حفظ القرآن الكريم في أعمار صغيرة، وبقية الأبناء على هذا الدرب.
وفي خبرٍ انتشر كالنار في الهشيم، وتفاعلت معه أقطار العالم أجمع، تفاعلًا يشبه ذلك التفاعل في بداية هذه الحرب، لم تتعد حدوده مواقع التواصل الاجتماعي أو الشبكات الإعلامية، ورد في الخبر أن أُمًّا فلسطينية استقبلت تسعة من أبنائها شهداء وهي على رأس عملها طبيبةٍ في مجمع ناصر الطبي في خانيونس، بعد أن سمعت خبر قصف منزلها في منطقة "قيزان النجار".
هرعت له لتجده كومةً من الركام فوق أشلاء أبنائها وجثامينهم، انتشلت طواقم الإسعاف والدفاع المدني هذه الأشلاء والجثامين في مشهد هذه الأم وهي الطبيبة آلاء النجار، ولم يبق لها من أبنائها إلَّا آدم، مصابٌ بإصاباتٍ بليغةٍ، وأصيب والده الطبيب حمدي النجار رجاح خطيرة بعد أن قذفتهما شدة الانفجار إلى الشارع، وقد استشهد الطبيب النجار متأثرًأ بها بعد أن قضى أيامًا في العناية المركزة.
استشهد من أبنائها كل من: يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لقمان وسيدرا، أصغرهم تبلغ من العمر ستة أشهر وأكبرهم 12 عامًا، قالت شقيقتها أن آلاء احتسبت الأجر عند الله رغم فجاعة الفقد، وقالت في لحظة المصيبة "هم أحياءٌ عند ربهم يرزقون"! وها هو زوجها يلتحق بالركب بعد أن كانت لا تفارقه في غرة العناية داعية الله أن يشفى ويعود رفيقًا وزوجًا وطبيبًا لتلتأم جراحهما بعد فقدهما الكبير، ولكن الله شاء ان يكون الأب والطبيب حمدي رفيقًا لأبنائه في الجنة.
قالت شقيقتها أن آلاء احتسبت الأجر عند الله رغم فجاعة الفقد، وقالت في لحظة المصيبة "هم أحياءٌ عند ربهم يرزقون"
يقول من نجى من هذه المجزرة عن الحادثة، أن ما حدث يشبه وصف أهوال يوم القيامة، المنطقة كانت محاصرة بالكامل وانهال عليهم الرصاص من كل مكان واستهدفتهم الطائرات المسيرة وقذائف الدبابات والطائرات الحربية، وقد كان والد الأطفال زوج آلاء، الطبيب حمدي النجار يحاول تأمين النجاة لأبنائه وأقاربهم ومن هم في الحي، لكنَّ صاروخين شديدا الانفجار كانا كفيلين بتسوية منزلهم المكون من 4 طوابق إلى الأرض.
إذ أحدثا انفجارًا وصفه أهل خانيونس بأنه هزَّ مدينة خانيونس بالكامل، واستنكرت عائلة الطبيبين ذلك، إذ أنَّ الاستهداف كان للأطفال بشكلٍ واضح، وأنه لا مبرر لهذه النازية وهذا الجرم الذي يمارسه الاحتلال، وأوضحوا أن عمل الأم والأب هو في الطب ليس إلِّا، ولا دور لأحدهم مع المقاومة..
ذكرت عائلتها عن تعلّق آلاء بالأطفال، فكانت طبيبة لهم وأنجبت 10 أطفالٍ خلال 12 عام ما يشكل انعكاسًا على حبها لهم، ويقول زملاؤها في المستشفى أنها كانت تبكي على كل طفلٍ يتألم أو يستشهد جرَّاء الحرب الهوجاء على غزة، لكنَّها وقفت أمام جثامين أطفالها وقد تملكها الصمت والجمود، حضنت جثامين أبنائها وأشلائهم حضنًا أخير، ودَّعتهم كما لو أن قطعًا من قلبها رحلت مع كلِّ واحدٍ منهم، فتساءل من حولها كيف لما تبقى من قلبها أن يسعف جسدها الهزيل المنهك؟ كيف له أن ينبض بالحياة كما كان يفعل كلَّ يَوم! وهل نجاة آدم من بين أطفالها العشرة حكمةً إلهية لينبض هذا القلب بالحياة كما كان؟!
وكلها أسئلة ستبقى دفينةً في الأذهان حتى يمضي الوقت ونرى الإجابات أمامنا كيف يسوقها الله وكيف تعيشها آلاء، تمثل في ذلك آلاف الأمهات اللواتي عشن التجربة ذاتها ولكن قصصهن لم تصلنا بعد. ومع التفاعل الواسع على قصة الطبيبة آلاء النجَّار، التي سمَّاها البعض "عفراء فلسطين" تيمنًا بالصحابية عفراء والتي استشهد أبناؤها السبعة في معركة بدر في زمن الرسول، ننقل لكم ما قاله الناس عبر منصاتهم عن هذه السردية.