هل هناك ما يُسمى بـ"أنشطة الأطفال حديثي الولادة"؟ عزيزتي الأم لا بد وأنك ترين كم يكبر ويتطور طفلك في عامه الأول بشكل هائل. وكأنها معجزة وهي كذلك، إذ يتحول الطفل من كائن صغير نائم أغلب الأوقات إلى طفل جميل متفاعل يتحرك ويمشي ويدرك الأشياء من حوله.
في الحقيقة أود بداية أن نتفق معًا، علينا النظر إلى الطفل من يومه الأول أنه "كائن متناه في الصغر ولا يكاد يدرك شيئًا"، بل هو كائن لديه كم من الطاقات والرغبات والإدراكات كما يتمتع بمهارات فطرية مذهلة، لذا لن نكتفي بتلبية حاجاته الجسمية من رضاعة ونوم وغيرها، ولن نكتفي بمراقبته وهو يكبر، بل سنساعده على ذلك ونوفر له كل الحب والدعم، فالسنين الأولى مهمة جدا كما أسلفنا في المقال السابق.
أراك تتساءلين كيف أساعد طفلي على التطور؟ علينا أن نملأ وقته وندفع عنه الملل، ندرب عقله وننمي حواسه البدائية؛ وذلك بتوفير بيئة غنية بالمؤثرات لتحفيز حواسه وتنميتها، فالبيئة التي لا يتحدث فيها أحد مع الطفل ويبقى في سريره بعيدا، لا يسمع ما حوله ولا ينظر في الوجوه هي بيئة غير صحية للطفل. فالطفل الهادئ المستلقي على ظهره في صمت ليس طفلا مثاليا البته، إن ما نفعله هو إهدار طاقته وقدرته على التعلم والاكتساب والتأثر من العالم المحيط.
الأنشطة في الأشهر الست الأولى بسيطة جدا لا تتطلب تفكيرا أو جهدا كبيرين من الطفل؛ بل تهدف فقط لاستخدام وتدريب حواسه، وتشجيعه على تقوية عضلاته، سترين أنك تمارسين بعضا منها بشكل تلقائي مع طفلك، دون أن نطلق عليها اسم "أنشطة" وإنما سأشجعك على الاستمرار بها وأذكرك بأهميتها، فهي أكثر من مجرد ألعاب. قبل البدء عليكِ أن تتذكري أمورا مهمة!
تذكري: أنشطة الأطفال حديثي الولادة
- اختاري الوقت المناسب للنشاط واللعب، تأكدي أن طفلك لا يشعر بالجوع أو البلل أو النعاس، بل يشعر بالارتياح والتيقظ، وجاهز للعب والمشاكسة!
- تذكري أن هدفنا المتعة وإسعاد الطفل ومساعدته، فلا تضغطي عليه ولا تجعلي الأنشطة ثقلا عليك أو على طفلك.
- من الطبيعي أن لا يتجاوب طفلك في البداية، لا تشعري بالإحباط واليأس، كرري النشاط عدة مرات وإن لم يتجاوب أجليه إلى حين آخر، فطفلك ليس جاهزا بعد.
- اجعلي طفلك دليلك، تأملي حركاته سيعطيك تلميحات وإشارات عندما يكون جاهزا لنشاط ما، عندئذ ساعديه وشجعيه.
-لا تغرقي طفلك وغرفته بالألعاب البراقة ذات الأصوات والألوان، فلحسن الحظ هو يعتبر كل شيء لعبة! وهناك بعض الألعاب البسيطة التي تساهم فعلا في نمو طفلك ستتعرفين إليها في هذا المقال.
لتنمية حاسة البصر
- علقي صورًا أو ألعابًا على بعد 20-30 سم من نظر الطفل، ولتكن في الأشهر الثلاث الأولى باللون الأبيض والأسود لتباينهما الكبير، واعملي على تغيير الصور كل فترة، ثم في عمر الثلاث أشهر سيبدأ بتمييز الألوان، لذا علقي ألعابا بالألوان الرئيسية، وفي عمر الستة أشهر يمكننا تعليق درجات الألوان، سيتابع الطفل حركة الصور وسيركز بصره لرؤيتها؛ مما يساعد في تقوية عضلات العينين، هذا أيضا يعتبر نشاطا حركيا لأنه يشجع الطفل على مد يديه للإمساك بها؛ مما يقوي عضلات يديه.
- من عمر الثلاثة أشهر يمكننا طباعة وجوه أفراد العائلة ووضعها في مستوى نظره، فالأطفال يحبون الوجوه.
- استخدمي كشافا في غرفة مظلمة ليتبع الضوء على الحائط واصنعي له أشكالا بالظلال، بإمكانكم استخدام أضواء متحركة أيضا لإضافة المتعة.
اقرأ أيضًا: نحن والأطفال "باحتياجات خاصة": عن مشكلاتنا المزمنة
- تجولوا وتنزهوا معا في المنزل وفي الخارج وقومي بتسمية ما حولكم، افتحي الضوء وقولي "نور" بمرح، وأغلقيه ثم قولي "ظلام ".
-سيتفاعل طفلك من عمر الثلاثة أشهر تقريبا -وطوال مرحلة الطفولة- مع الفقاعات الصابونية، ولكن احرصي أن تكون بعيدة عن عينيه أو استخدمي نوعا آمنا، سيحرك عينيه ورأسه ويبدأ بإدراك السبب والنتيجة، (تنفخ ماما فتظهر الفقاعات)، وسيبتهج بلا شك.
- النظر في المرآة فهي صديقة الطفل، يتابع نفسه وحركاته والتطورات التي تحصل له، وهي عامل جذب كبير للأطفال، ومن الجميل وضعها في مكان منخفض قريب للطفل.
- باشري بالكتب منذ الشهر الأول! كتب قماشية طرية، تحتوي صورة كبيرة، دون كلمات أو تحوي كلمة واحدة، اجعليها كتبا ذات ألوان بيضاء وسوداء، ضعي طفلك في حضنك أو وهو مستلق على ظهره أو بطنه؛ تحدثي معه عن الصور، الهدف طبعا ليس القراءة بل الاستمتاع بالمشاهدة والتحادث وتعويده على رؤية الكتب.
تنمية حاسة السمع
- "الخشخيشة" من أكثر الألعاب المشهورة في هذا العمر للطفل، هزي خشخيشة بنفسك بجانب الطفل ليرى ويسمع ما تفعلين، ثم ربّتي بالخشخيشة على يده برفق ولفي أصابعه حول مقبضها، ضعي يدك فوق يده وهزيها معه، بعد فترة وجيزة سيمتلك القوة اللازمة لحملها وهزها بنفسه. وتكمن أهميتها بتعليم مفهوم فكري وهو السبب والنتيجة، عندما أهزها ستصدر صوتا، إضافة للتحكم باليدين وتقويتهما.
- الغناء للطفل وربط الأغاني بمواقف، مثلا: أغنية للاستحمام، وأغنية للخروج وهكذا.
- التعرض لأكبر كمية من الأصوات الطبيعية المريحة، مثل: تشغيل أصوات الحيوانات وتقليدها، وأصوات الطبيعة الباعثة على الاسترخاء.
- لا تنسوا قراءة القرآن وسماع الموسيقى وترديد الأناشيد، حيث إنها تساهم في زيادة الود بينكما، وتطور الإصغاء ثم النطق، ويمنح طفلك الأمان وينعش ذاكرته.
تنمية حاسة اللمس
- نوفر للطفل أقمشة ذات ملمس مختلف: كالصوف والقطن والحرير وغيرها، نمررها على يده وخده ونسمح له باكتشافها ونحن نراقبه.
أنشطة الحركة
-لا تدعي طفلك في الأرجوحة أو مربوطا في مكان ثابت لفترات طويلة، بل اجعليه حرا يتعلم ويجرب القلب والحبو، وخصصي له مكانا في غرفة المعيشة على بطانية مريحة ليقضي وقته عليها أثناء يقظته، قريبا من العائلة يستمع ويكتشف البيئة حوله.
- الاستلقاء على البطن لتقوية عضلات الرقبة والكتف حين يحاول رفع رأسه، وستساعده لإخراج غازات البطن المزعجة، وتحث الطفل على تعلم التقلب والزحف، نبدأ ب 5 دقائق في الشهر الأول وصولاً إلى نصف ساعة في الشهر السادس، يمكنك صنع وقت مبهج أثناء الاستلقاء على البطن.
- تحريك لعبة فوق رأس الطفل من جهة لأخرى ليتابعك بعينيه ويحاول أن ينقلب، ساعديه على الانقلاب بيدك الأخرى وقومي بتحفيزه بإعطائه اللعبة إن انقلب.
- اربطي بالونا مليئا بالهيليوم بمعصم أو قدم طفلك بواسطة شريط رخو بمسافة مناسبة وفي مجال رؤية طفلك، ساعديه في البداية لتحريك طرفه ليرى البالون يتحرك ولاحقا سيقوم بذلك بنفسه.
اقرأ أيضًا: أفكار "ذكية" تغذي عالم الاستكشاف عند طفلي [6- 12] شهرا
- جعدي بعض الأوراق الخفيفة أو التجاليد وضعيها قريبا من قدميه بحيث يستطيع تحسسها وسماع صوت حفيفها عندما يركل رجليه، ساعديه في البداية على التعرف عليها وتحريك قدميه وشجعيه ليواصل الركل. من الممكن أيضا وضع صينية فيها قليل من الماء تحت قدميه! او وضع وسادة ناعمة، سيساهم ذلك في تقوية عضلات الساقين وإدراك السبب والنتيجة، ولا تنسي المتعة!
- خيطي كرة من الصوف أو جرسا في جراب طفلك الذي يرتديه، واتركيه يحاول الإمساك به.
- تمارين رياضية لطفلك مثل: فتح وغلق يديه، وثني ركبتيه، وتحريك الطفل لليسار واليمين.
أنشطة اللغة
- ابدئي بالحديث مع طفلك منذ اليوم الأول وهي ليست مجرد ثرثرة عديمة القيمة، بل الخطوة الأولى لتعلم النطق، تحدثي إلى طفلك بتركيز وجهك على بعد 20-25 سم من وجهه، سيحاول فتح وغلق فمه ويحاول أن يقلد حركاتك، شجعيه.
- استمري في الحديث معه دائما ولا تشعري بالخجل من ذلك، فقد وجدت ماريا منتسوري أن عقل الطفل يمتص اللغة الأم ومخارج الحروف والقواعد اللغوية وتصريف الأفعال منذ ولادته ويبدأ باستخدامها تدريجيا عند مرحلة الكلام، وحتى المهارات الاجتماعية وتعبيرات الوجوه وأدق التفاصيل، فيفضل الحديث معه بلغة الكبار بمسميات صحيحة ومليئة بالتفاعل.
اقرأ أيضًا: إدمان الشاشات: خطوات عملية لحماية طفلك
- اشرحي له كل ما حوله وماذا تفعلين ولماذا؟ مثلا: هيا بنا نستحم كي تصبح نظيفا، سنخلع ملابسنا الآن. ماما تنظف اليدين وهكذا، سمي له كل عضو تقومين بتنظيفه. هذا عصفور لونه أسود يطير في السماء وصوته هكذا.
بالإضافة إلى كل ما سبق أذكرك أن الأطفال حديثي الولادة يعشقون الضم والحضن، وينمون بتأثير الحب والحنان، ولا تنسي الألعاب الشعبية المليئة بالضحك والدغدغة، والألعاب التي تستخدمين فيها أصابعه والغناء أثناء ذلك، فمعها سيكتسب روح الدعابة وتقضيان أجمل الأوقات وتسمعين أحلى الضحكات.
اقرأ أيضًا: "أعزائي الأطفال.. عندما أفشل" : رسالة أم
ألعاب الأطفال مليئة بأساليب التعلم غير المقصودة، وتشمل كل لعبة على لحظة تعلم يمكن للطفل أن يكتسبها طالما كنت تستخدمين لمسة رقيقة، ولا تستهيني بأبسط الألعاب، فلعبة الغميضة مثلا أي أن تخفي وجهك بيديك أو بواسطة قماش ثم الظهور مع كلمات مرحة أو سؤال أين ماما، سيتعلم أن الشيء موجود رغم أنه لا يستطيع رؤيته، سيستبق الأمور وينتظر وقوعها، سينعش ذاكرته ويجعله يفكر بالمستقبل القريب "ماذا سيحدث تاليا؟" والمهم أيضا أنها ستوحي له بالأمان، فعندما تختفي الأشياء من أمام ناظره -كالأهل مثلا- يعلم أنها ستظهر من جديد.
عزيزاتي أتمنى أن يكون مقال أنشطة الأطفال حديثي الولادة مفيدًا لكنّ ولأطفالكنّ، سألتقي بكنّ في المقال القادم، وسنتحدث فيه عن أنشطة الأطفال من عمر ستة أشهر إلى سنة، فتابعونا.
