بنفسج

مغالطات دينية وعُرفية: كيف يُسرق حق المرأة في مالها؟

الثلاثاء 13 يوليو

تبدأ الخطوات الأولى إلى الحرية؛ بالعلم والمعرفة والوعي، وتتدعم بخطوات من العمل الجاد المثابر لتحقيق الاستقلال المادي الذي يرفع التبعية، وينهي التجبر، ويلغي القيود. هذا ما يعرفه كل إنسان يسعى لتحقيق إرادته الخاصة، وفرض احترام كرامته الإنسانية، وحريته كإنسان خلقه الله حرًا، هذا أيضًا ما تعيه كل أنثى بشكل خاص، وهي تسعى لكل ذلك، إلى حياة دون ظلم وتسلط وتهميش.

لكن الأنثى، للأسف، تواجه عراقيل تبقيها تابعة، وبلا أي اعتبار لإرادتها الحرة في اتخاذ قرارتها التي تخص شخصها ومالها وحياتها بالمجمل، المؤسف أكثر، أن هذا يعتبر بمثابة قانون ومسلمة في مجتمعاتنا العربية، تُرى كيف ترسخت أفكار حرمان المرأة من حقها في اتخاذ قرارتها الشخصية والمالية؟

| المغالطات المجتمعية باسم الدين

قد ضمن ديننا الحرية التي تحترم إرادة الأنثى وكرامتها في كل الحقوق، فكيف هو الأمر فيما يخص حقوقها المالية، زوجة وبنتًا، هل هي تابعة بلا قرار حقًا كما تفرض العادات والتقاليد والأعراف، أم أنها حرة مستقلة منفصلة بذمتها المالية، بأمر الله وشرعه وعدله؟

طبعًا، عكس ما هو سائد في عقليات مجتمعاتنا العربية وممارساتها الشائعة في الاستيلاء على مال الأنثى، فالمرأة شرعًا، لها حق الميراث، ولها حق التملك، وحق القرار في مالها، لا يتم أمر يخصها إلا برضاها، ويجب على الولي استشارتها؛ أبًا أو زوجًا أو أيًا كان. 

أول أسباب ذلك، التربية؛ إذ يتربى الأطفال على فكرة التمييز بين الذكر والأنثى، وبالتالي، يأخذ الذكر من الوالدين، بما في ذلك الأم، ما هو أكثر وأحسن منذ الصبا، ويكبر مع فكرة استحقاق كل الامتيازات، حتى بلا مجهود، لمجرد كونه ذكرًا وهبته الثقافة المجتمعية أعرافًا وعادات وتقاليد، حصة أكبر في الحياة، هكذا تبقى السلطة الأبوية والذكورية مترسخة، جاعلة الأنثى تابعة، ناقصة، وغير قادرة على اتخاذ قرارات تخص كل شؤون حياتها مهما اجتهدت، حتى وإن كبرت وما عادت قاصرًا، وتعلمت وتخرجت وعملت وتزوجت وأنجبت، تبقى في نظر العقلية السائدة قي مجتمعاتنا ناقصة رشد وأهلية، وغير مالكة لقرارات حياتها.


اقرأ أيضًا: أصل القوامة في الإسلام: المرأة في أيد أمينة


من جهة أخرى، يتم نشر الكثير من المغالطات باسم الدين لدعم بقاء تلك الثقافة المجتمعية الخاطئة الظالمة التي تصر على أن المرأة عورة، ناقصة عقل ودين، ولا قرار لها، باسم الطاعة والقوامة، كل هذا بتفسيرات خاطئة، دين الله بريء منها براءة الذئب من دم يوسف، فنقصان العقل كناية عن غلبة العاطفة وعظمة جانبها فيها. أما نقصان الدين، فتخفيف في الفروض لعذر شرعي وقت الحيض والنفاس، أما القوامة، فلا تعني ما هو مشاع من التسلط والإجبار عنفًا، وفرض رأي، وإلغاء إرادة، وإنما معناه التكفل الكامل والقيام بالواجبات النفسية، والعاطفية، والمالية على أكمل وجه، الله نفسه لم يجبر الناس حتى على دينه، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وليتحمل مسؤولية اختياره وإرادته.

الطاعة أيضًا لا تلغي إرادة الانسان الحرة، ورغباته، ولا يحق، باسم الطاعة، تكليف المرأة فوق الوسع، تلك مغالطة، لأن الله نفسه لم يكلف النفس إلا وسعها، ولم يكلفها فوق طاقتها، فكيف يفعل الرجل ذلك مع الأنثى بنتًا أو زوجة؟

 الطاعة أيضًا لا تلغي إرادة الانسان الحرة، ورغباته، ولا يحق، باسم الطاعة، تكليف المرأة فوق الوسع، تلك مغالطة، لأن الله نفسه لم يكلف النفس إلا وسعها، ولم يكلفها فوق طاقتها، فكيف يفعل الرجل ذلك مع الأنثى بنتًا أو زوجة؟ الأولى أنه إذا أراد ولي أن يُطاع، فليأمر بآداب الإسلام، وحسن المعاملة، والإحسان والمعروف، بما يرضي الله، وبما يحترم إرادة المرأة ورغباتها وحقوقها، وليأمر بما يُستطاع ليطاع، وحاشا لله الذي حرر البشر من العبودية الجاهلية، أن يعامل إنسانًا كالعبد، فما حال امرأة!

لقد ضمن ديننا الحرية التي تحترم إرادة الأنثى وكرامتها في كل الحقوق، فكيف هو الأمر فيما يخص حقوقها المالية، زوجة وبنتًا، هل هي تابعة بلا قرار حقًا كما تفرض العادات والتقاليد والأعراف، أم أنها حرة مستقلة منفصلة بذمتها المالية، بأمر الله وشرعه وعدله؟

طبعًا، عكس ما هو سائد في عقليات مجتمعاتنا العربية وممارساتها الشائعة في الاستيلاء على مال الأنثى، فالمرأة شرعًا، لها حق الميراث، ولها حق التملك، وحق القرار في مالها، لا يتم أمر يخصها إلا برضاها، ويجب على الولي استشارتها؛ أبًا أو زوجًا أو أيًا كان. لقد جعل الله للأنثى ذمة مالية مستقلة على أساس أنها إنسان كامل، مكرم بعقله، وبالتالي، فهي شرعًا، كاملة الرشد والأهلية في كل ما يخصها، وليست ناقصة.

 على العكس من ذلك، فلها يحق للمرأة التعامل والتصرف في مالها؛ ميراثًا، وكسبًا مباحًا، براتب وظيفة، وتجارة، وإنفاقًا، وهبة، وصدقة وزكاة، كما لها أيضًا حق إبرام العقود المالية والتجارية فيما يخص مالها وأعمالها باسمها الخاص، بلا وسيط؛ وليًا أو زوجًا أو أيًا كان، لا يحق لأحد التوكل عنها إلا بأمرها وبرضاها، ولا يحق للأب أو للزوج أخذ راتبها عنوة، أو بتهديد بالطلاق لأن الزواج بشرط الراتب ليس من ديننا، وليس ميثاقًا غليظًا، وإنما محض صفقة ظالمة.

| حق مشروع

راتب.jpg

يحدث في مجتمعاتنا العربية أن يستولي الأب والأخ والزوج على راتب المرأة على أساس أن ذلك حق مشروع، وهو في الحقيقة ليس كذلك؛ لا شرعًا ولا قانونًا ولا أخلاقًا، وإنما لا يحق لهم أخذ شيء منها إلا مودة، ومعروفًا، أو صدقة، وزكاة لذوي القربى؛ ومنهم الأب والزوج والابن.

يجب أن يفهم الناس وأن يتحرروا من عقلية التسلط الجاهلة، ويعلموا أن للمرأة في شرع الله، حق الملكية الفردية تمامًا مثل الرجل، وليس من حق الرجل؛ مرؤة ورجولة وشرعًا وأخلاقًا حتى مجرد السؤال؛ فضولًا أو تطفلًا على أمورها المالية أو راتبها، المرأة تتصرف بمالها المكتسب بعرق جبينها بما تراه هي مناسبًا دون إجبار من أحد، إلا إذا أرادت هي بكامل إرادتها بقرارها الخاص أن تصرف على بيتها أو أهلها من باب الود بالهدية، كأن تهدي لوالديها قسطًا أو من باب المشاركة في مصاريف البيت مع الزوج أو الوالد، بنسبة عادلة لا ظالمة، أو من باب المعروف والإحسان، كأن تتصدق وتهب الزكاة للأقارب، لو توفرت فيهم شروط الشرع.

لماذا أغلب الناس في مجتمعاتنا العربية يتجاهلون شرع الله الحق الواضح العادل، وتأخذ بالأفكار الخاطئة التي لا تشرح الحقوق والواجبات بعدل بين الرجل والمرأة، وإنما يأخذون بالظاهر الذي يفسرونه بلا عدل وبكل جهل، على مزاجهم، بما يتوافق مع مصالحهم؟

هكذا نرى بوضوح أن الاسلام عكس الثقافة المجتمعية الظالمة الخاطئة، عادات وتقاليد وأعراف، الإسلام وهب للأنثى حق الحياة بعد الوأد، وحق التعلم كفريضة على كل مسلم ومسلمة، وحق اختيار الزوج قبولًا ورفضًا، وحق الكسب، وحق التصرف في مالها، محترمًا عقلها وأهليتها، قرونًا، قبل حقوق الإنسان التي جاءت بعد الثورة الفرنسية، والتي كانت قبلها المجتمعات الغربية تعتبر المرأة والعبد والمجنون والصغير بلا حقوق وبلا أهلية ورشد.

يبقى السؤال المشكلة مطروحًا؛ لماذا أغلب الناس في مجتمعاتنا العربية يتجاهلون شرع الله الحق الواضح العادل، وتأخذ بالأفكار الخاطئة التي لا تشرح الحقوق والواجبات بعدل بين الرجل والمرأة، وإنما يأخذون بالظاهر الذي يفسرونه بلا عدل وبكل جهل، على مزاجهم، بما يتوافق مع مصالحهم رغم أن ذلك يبقينا في الجهل والظلم على ثقافة مجتمعية، خاطئة متخلفة، تلغي كيان الأنثى وتنتقص من عقلها وتلغي شخصيتها وإرادتها، وحتى وجودها ورغباتها، وتأخذ منها مغالطة ومراوغة ما وهبها الله إياه من حقوق معنوية ومادية؛ إرثًا وراتبًا. إن كلام الله واضح صريح عادل، إذ يقول جل وعلا: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، وقول الله هو القول الحق الفصل.