بنفسج

وديعة خرطبيل: 60 عامًا من النضال لأجل فلسطين

الإثنين 16 مايو

منذ الأزل، كانت الهجرة من الوطن تحصيل حاصل لكثيرين ممن دفعتهم أسباب ورغبات عدة، مثل العمل أو الزواج أو الدراسة، آخرون أُجبروا على الهجرة بسبب النزاعات والحروب، تمامًا كما حدث في نكبة فلسطين عام 1948، وغيرها من النكبات التي حلّت على كثير من الناس في أوطان متفرقة.

ومن الشائع أنه مهما ارتحل الإنسان يبقى متمسكًا بجذوره وأصله ووطنه الذي وولد فيه. أما الغريب، أن يولد الإنسان في مكان ويظل الحنين يراوده لمكان آخر قبل أن يراه حتى، يتعلق فيه، ويحبه، وينتمي إليه قلبيًا، متجاوزًا المسميات والجنسيات والحدود. وهذا تمامًا ما حصل على المربية الراحلة وديعة خرطبيل، إذ كانت تحمل الجنسية اللبنانية، غير أنها كانت متعلقة وتنتمي بقلبها وجوارحها إلى فلسطين، فعملت في ما بعد في سبيلها، وضحت عمرها كله في سبيل خدمتها بشتى السبل.

| أسرة عريقة

انفوجراف وديعة.jpg
السيرة الذاتية لوديعة خرطبيل

ولدت اللبنانية وديعة قدورة خرطبيل في مدينة بيروت عام 1915، إذ تزوج والدها الدكتور مصطفى قدورة من والدتها خانم الحسامي، وأنجبا إلى جانب وديعة ثلاث بنات أخريات وولدان. نشأت وديعة في أسرة لبنانية عريقة ومتعلمة ذات روح قومية ووطنية عالية، وكانت سباقة في خدمة المجتمع والوطن نساء ورجال، فعلى سبيل المثال، كان جدها الدكتور أديب قدورة أول لبناني مسلم يحصل على شهادة الطب في لبنان، وكانت عمتها السيدة ابتهاج قدوره رائدة الحركة النسائية في لبنان منذ العهد العثماني، أما أخوتها وأخوتها فمعظمهم أطباء وناشطين سياسيين واجتماعيين، ومدافعين عن القيم الوطنية الخاصة بوطنهم، وكان لبعضهم حضور في القضية الفلسطينية.

درست وديعة في "المدرسة الأميركية للبنات" في بيروت، وبعد أن نالت شهادة الثانوية العامة، التحقت بـ"كلية بيروت للبنات"، وهي بمنزلة شهادة "دبلوم"، والتحقت بتخصص الطب، حيث درست السنتين التحضيريتين للطب، ولكنها لم تكمل دراستها بعد زواجها، وانتقالها للمكان الذي لطالما أحبت وانتمت إليه بقلبها.

تزوجت وديعة من الطبيب أديب خرطبيل، وهو طبيب فلسطيني مولود في طبريا عام 1900، ودرس الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث ألتقى بوديعة ليتزوجا في ما بعد ويكملا مشوراهما في خدمة فلسطين سويًا، حيث كان الدكتور أديب يعتبر وجهًا من وجوه المقاومة في فلسطين، فلطالما استغل مهنته في سبيل خدمة القضية الفلسطينية، وكانت زوجته وديعة عونًا له في هذا السياق الذي أحبته وانتمت إليه.

رحلت وديعة قدورة خرطبيل، عام 1932، مع زوجها إلى فلسطين، وبالتحديد إلى طبريا، مسقط رأس زوجها الدكتور أديب، وعاشا فيها سنة واحدة، انتقلا بعدها إلى مدينة القدس، حيث عُيّن زوجها طبيبًا عامًا في "حكومة فلسطين". وبعد مدة من الزمن انتقلا من القدس إلى مدينة نابلس بحكم عمل زوجها، ومنها إلى مدينة غزة، إلى أن استقرت العائلة سنة 1935 في مدينة طولكرم. عام 1936 أسس الزوجان في مدينة طولكرم مستشفى الجهاد الذي كان يعالج جرحى الثورة الفلسطينية، وظل على هذا الحال حتى عام النكبة.

| الاندماج في العمل النسائي

المؤثمر العربي.jpg
المؤتمر النسائي العربي العام 1944

مارست وديعة خلال هذه الفترة مهام وطنية واجتماعية عديدة، وسطرت إنجازات عدة، فإلى جانب المشى بدأت وديعة تنخرط رويدا رويدا في العمل النسائي الفلسطيني في مدينة طولكرم، حيث تمت دعوتها بعد فترة قصيرة من استقرارها في طولكرم، إلى تولي رئاسة "جمعية السيدات الخيرية الاجتماعية"، وافتتحت مستوصفًا لمعالجة المعوزين، ويعمل به عدد من الأطباء بإشراف زوجها، وأسست فرعًا لرعاية الأمومة والطفولة، ودارًا للحضانة، ومشغلًا للخياطة والتطريز. وفي الوقت الذي كان زوجها يطبب جرحى الثورة كانت الجمعية التي ترأسها، تسهم في عمليات إيصال الأدوية والأطعمة والألبسة إلى مجاهدي ثورة 1936، وتساعد عائلات الشهداء وترعى أبناءهم.

شاركت وديعة قدورة خرطبيل في ديسمبر 1944 في "المؤتمر النسائي العربي العام" والذي كان في القاهرة، بصفتها مندوبة عن جمعية طولكرم النسائية، وتحت عنوان "نداء الأرض" ألقت وديعة هناك كلمة لها في المؤتمر. إضافة إلى مشاركتها العديد من الدورات التي كانت ضمن هذا المؤتمر.  قد يتوه القارئ لسيرة وديعة حين يصف ما جرى معها بعد عام 1948 عند وقوع النكبة وذهابها وزوجها وأطفالها الأربعة (فاروق، مروان، هشام، وأمل) إلى لبنان، هل يصفها بالعودة إلى الوطن أم بالهجرة منه؟ فوديعة، كما وصفنا سابقا، لها وطنان؛ أحدهما تحمله في قلبها وهو فلسطين، والآخر يحمله جواز سفرها وهي لبنان.

بالنسبة لوديعة، فإن ابتعادها عن فلسطين لم يكن يعني لها انقطاع عملها وخدمتها للقضية الفلسطينية، حيث أسست وديعة عام 1952 "الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني" في بيروت، وهو أول تنظيم نسائي عام للمرأة الفلسطينية في الشتات، وترأست دورها هيئته الإدارية، ومنذ منتصف الخمسينيات، مثّلت وديعة قدورة خرطبيل "الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني" في العديد من المؤتمرات التي كان يعقدها "الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي" كل ثلاث سنوات.

| مذكرات وديعة

كانت وديعة قدورة من أوائل من طرح فكرة توحيد الهيئات والاتحادات النسائية الفلسطينية في اتحاد عام، حتى تم اختيارها لتكون ضمن اللجنة التحضيرية التي أشرفت على تأسيس "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" في المؤتمر الذي عُقد في القدس في تموز/ يوليو 1965، وانتُخبت في حينها عضوًا في المجلس الإداري للاتحاد.

في عام 2003 منح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ديعة قدورة وسامًا تشريفيًا تحت مسمى "وسام فلسطين"، وقبل وفاتها بفترة قصيرة في مطلع عام 2007 أطلق أسمها على قاعة اجتماعات في بيروت.

في أواخر سنة 1955، انبثقت عن هذا الاتحاد مؤسسة "مبرة إسعاد الطفولة" في بلدة سوق الغرب في لبنان لتحسين صحة المصابين بالأمراض الصدرية. وبعد عدوان إسرائيل في حزيران/ يونيو 1967، غدا اسمها "بيت إسعاد الطفولة"، وصارت تُعنى بتربية أبناء وبنات شهداء "منظمة التحرير الفلسطينية" وتعليمهم. وبالرغم من أن المقر تم قصفه عام 1982 بعد الاحتلال الإسرائيلي للبنان فإنه سرعان ما أستجمع قواه عام 1985 وأكمل مسيرته، حيث تم من خلاله تأسيس مشغل للخياطة والأشغال اليدوية في مخيم شاتيلا في ضواحي بيروت، كما تم افتتاح روضة للأطفال باسم "روضة دلال المغربي- بيت إسعاد الطفولة". وفي ذات الوقت عملت مع جمعية الهلال الأحمر وجمعيات خيرية أخرى.

في عام 1963 كانت وديعة ضمن الوفد فلسطيني الأول الذي ذهب إلى هيئة الأمم المتحدة برئاسة أحمد الشقيري. كما أنها كانت عضوًا في المؤتمر الفلسطيني الأول في القدس عام 1964 الذي تحوّل إلى مجلس وطني فلسطيني، ونجم عنه تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وشاركت في دورتَي المجلس الوطني في القاهرة سنة 1965، وغزة سنة 1966.

وديعة خرطبيل3.jpg
روضة دلال المغربي في بيروت تحت إشراف وديعة خرطبيل

كانت وديعة قدورة من أوائل من طرح فكرة توحيد الهيئات والاتحادات النسائية الفلسطينية في اتحاد عام، حتى تم اختيارها لتكون ضمن اللجنة التحضيرية التي أشرفت على تأسيس "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" في المؤتمر الذي عُقد في القدس في تموز/ يوليو 1965، وانتُخبت في حينها عضوًا في المجلس الإداري للاتحاد.

في عام 2003 منح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وديعة قدورة وسامًا تشريفيًا تحت مسمى "وسام فلسطين"، وقبل وفاتها بفترة قصيرة في مطلع عام 2007 أطلق أسمها على قاعة اجتماعات في بيروت، والتي أصبحت في ما بعد معرضًا للعمل الحرفي للشباب. تركت وديعة قدوره خرطبيل خلفها كتابًا يؤرخ سيرتها الذاتية وإنجازاتها، وسطرت فيه حبها لفلسطين وكان بعنون: "ذكريات ومذكرات وديعة قدورة خرطبيل، بحثًا عن الأمل والوطن: ستون عامًا من كفاح امرأة في سبيل قضية فلسطين".