بنفسج

أمومة بوجوه متعددة: هل تنضجنا التجربة؟

الأربعاء 08 مارس

كل يوم يمر في تجربة الأمومة هو مزيد من رصيد الخبرة التي نكتسبها، وليس فقط مزيد من التوتر والضغوط ومحاولات السيطرة. أمومتنا الأولى ليست هى نفسها بعد مرور سنوات، ففي المرة الأولى يتملكنا الخوف والحذر الشديد، نخاف من كل شيء، ونخاف أيضًا على أطفالنا كثيرًا، نحاول البحث، نتشتت هنا وهناك، بين آراء الكبار وبين التجارب الحديثة. حين أتذكر بداية رحلتي، أتذكر هدية عظيمة من صديقة مقربة لي جاءتني بموسوعة من كتب الفراشة، اسمها (موسوعة الآباء والأمهات)، تلك الموسوعة كانت دليلًا شاملًا لبداية الرحلة، فيها الكثير مما أريد معرفته أو يجب عليّ معرفته.

كلما كنت أتخبط هنا وهناك من مصادر كنت أبحث عنها وأنظر فيها، لأجد جزءًا كبيرًا مما أبحث عنه، حتى صار هذا الكتاب الضخم صديقٌ وفي يخبرنى بما أريد.  كان لدى شغف كبير للغاية للاطلاع، قرأت كثيرًا حتى وجدت نفسي أتابع مدونات عدة ومصادر متنوعة حتى أصابنى التشتت والإحباط. فأخذت قرار تقنين المصادر وتقليلها، والتوقف عن متابعة أغلب التجارب الشخصيه لأشخاص أعرفهم أو لا أعرفهم حتى يتسنى لي وقت لصنع تجربتي الخاصة، وما يناسبني وما يتناسب مع ظروفي وقدراتي.

لم أكن أسمع كلامًا إيجابيًا كثيرًا من الأمهات من حولي، حينها كنت أتعجب من ذلك وتراودني الكثير من المشاعر حول لماذا كل الأمهات تعاني بهذا الشكل؟ وأنا لا أرى داعيًا لكل تلك الكلمات المحبطة، لكن الخطأ لم يكن من أحاديثهم، بل كان بسبب أننى لم أخض التجربة بعد، وكنت أريد أن يهوّن عليّ أحدهم أن لا شيء مستحيل أو يستحق كل هذا القلق الذي انتابني.

صرت بعد ذلك أتابع مواقع محددة تهتم بتطور الطفل، ووقع اختياري حينها على موقع او اثنين، على الأكثر، أتابعهم بشكل دوري، وأشترك في نشراتهم الأسبوعية، أحدهما كان موقع بيبي سنتر بنسخته الإنجليزية والعربية، وموقع لأحد شركات الأغذية الكبيرة، والتي كانت تطرح كتب ودراسات قيمة للغاية عن تغذية الأطفال، وفي ذات الوقت أحضر دورات تدريبة محددة ومركزه بين الحين والآخر.

كل هذا لم يجعلني أمًا مثالية، لأن هذا الأمر غير واقعي، لكن جعلني أمًا تحاول أن تتعلم كيف تسهل الحياة على أطفالها. أذكر أن التجربة الأولى كانت الأصعب والأكثر دسامة، حيث رحابة الوقت فى الاطلاع وسعة الحركة، تعلمنا فيها كأسرة الكثير، وكانت حجر أساس للقادم، ومع مرور الوقت وتكرار التجربة نعيش مزيدًا من الخبرات المختلفة، فلا يوجد طفل يشبه الآخر، الأول يحب شيئًا، والثاني عكسه تمامًا. الصعوبات تزداد، ربما يُصاب البعض باكتئاب في الحمل الأول، لكن بالنسبة لي أصبت بحالة من القلق والهلع وكأن الحياة ستنتهي فور ولادتي الثانية.

 لم أكن أسمع كلامًا إيجابيًا كثيرًا من الأمهات من حولي، حينها كنت أتعجب من ذلك وتراودني الكثير من المشاعر حول لماذا كل الأمهات تعاني بهذا الشكل؟ وأنا لا أرى داعيًا لكل تلك الكلمات المحبطة، لكن الخطأ لم يكن من أحاديثهم، بل كان بسبب أننى لم أخض التجربة بعد، وكنت أريد أن يهوّن عليّ أحدهم أن لا شيء مستحيل أو يستحق كل هذا القلق الذي انتابني.
 وهنا تأتى نصيحتي التي أذكّر نفسي بها كل يوم، أن القلق يقتل اللحظات السعيدة، يجعلنا نخسر لذة الاستمتاع باللحظات التي لن تعود مرة أخرى، ربما يكون هذا خارج عن إرادتنا، لكن لو كان لدينا بعض من الوعي فى طلبنا للمساعدة حينها لاختلفت الأمور.

كان وميض النور حينها تسجيلات صوتية أرسلتها لي صديقة تهوّن علي، وتخبرني أن الأمور ستكون على ما يرام، وأنني سأكون قوية، وسأتعود على الخروج مع أطفالي سويًا، وأن الأمومة الثانية تنضجنا، وغيرها من عبارات الدعم النفسي. وفي هذا السياق أردف نصيحة أخرى، هي أن نحيط أنفسنا بمن يستطيعون الدعم وقت الصعاب، وحين يشتد الأمر فوق طاقتنا الاستيعابية وقدراتنا، علينا أن نطلب المساعدة، أن نعبر عن قلقنا ومخاوفنا لمن يستطيعون تخفيف هذا القلق. لن تمضي الأيام برومانسية حالمة، ستكون هنالك أوقات نبكي وننهار فيها من التعب النفسي والجسدي.

وكيف نحاول النجاة من كل تلك المسؤوليات والضغوط التى كثيرًا ما تتكالب، فتبتلعنا داخلها فى قوقعة تخاف الأمهات كثيرًا من الإفصاح عنها؟ وبين ابتسامتهم، وآهاتنا، رحلة طويلة تتشاركها أسرة وليست الأم فقط.

الأمومة ليست تلك الصورة التى نراها أمام الكاميرات لأطفال منمقين وأمهات مبتسمات دائمًا، إنها حياة كاملة تتوالى سنواتها ونخوضها أكثر من مرة حتى نتخيل أننا سنمارسها، فنجدنا نختبر تفاصيل آخرى ونعود لدفاترنا القديمة نراجع ما تعلمناه، ونسأل هذا وتلك عن صفات لطفل جديد لم نمر بها من قبل، عن أوضاع نعيشها لم تكن مثل السابقة، سواء في شهور عدة قضاها مواليد الكورونا في عزلة أو سواها، فنحاول من جديد كأننا نجرب للمرة الأولى لكن بوعي مختلف وتمرس أكثر، فلا خوف وهلع من كل خطوة نخطوها، ولا ثقة زائدة، فنحن لا نملك سوى المحاولة.

تلك الرحلة التي نعيشها، والحياة التي أصبحت بها من التفاصيل، الكثير بين الكبار الذين يكتشفون أبواب للحياة مختلفة، وبين الأصغر سنًا من الذين يقلدون الكبار وبين الصغار الذين يكتشفون بداية تلك الأبواب؛ عالم جديد، ما أجدني أقف وأنا بداخله وأتساءل متى حدث كل هذا؟ وكيف مرت الأعوام؟ وكيف نحاول النجاة من كل تلك المسؤوليات والضغوط التى كثيرًا ما تتكالب، فتبتلعنا داخلها فى قوقعة تخاف الأمهات كثيرًا من الإفصاح عنها؟ وبين ابتسامتهم، وآهاتنا، رحلة طويلة تتشاركها أسرة وليست الأم فقط، من خلال زوج داعم وعائلة تضم ومجتمع يحترم جهد وأبناء نساعدهم كي يدخلوا غمار الحياة.