بنفسج

نهلة صيام: ابنة أبيها ووريثته في الرباط

الخميس 14 سبتمبر

نمى الحب والانتماء في قلبها مذ أن كانت طفلة تركض بضفائرها في باحات المسجد الأقصى المبارك، في طريقها نحو مدرستها تمر عن الأقصى؛ فتغذي عينيها برؤية قبة الصخرة وتستنشق الهواء النقي، تستغل الفرصة لتحفظ زوايا المكان جيدًا، وفي طريق العودة تمنّي عينيها من جديد بأبواب المسجد الأقصى لتبدأ بقراءة أسماء الأبواب بدءا من باب الأسباط وحتى الرحمة، تطبعها جيدًا في عقلها، تصلي الظهر بخشوع هناك حيث الحب الذي لا ينتهي، ثم تتجه نحو والدها المرابط الذي عاش عمره كله مجاهدًا في ساحات الأقصى يتصدى للمستوطنين، فتخبره بما اكتشفته في الأقصى من معلومات فيربت على رأسها ويبدأ درسه اليومي في التاريخ الإسلامي وتعليم القرآن الكريم.

كبرت الصغيرة التي تربّت في رحاب المسجد وسقطت على عتباته مرارًا، وأصبحت ترابط رفقة والدها الذي علمها معنى الرباط على حق، كان معلمًا للغة العربية، يقود مصاطب العلم هناك، يقف أمام السبورة بشموخ ووراءه جندي صهيوني، يعلم القرآن للمرابطات، ويعطي دروسًا في اللغة العربية وندوات دينية، فعرفته باحات القدس وألفته أبواب الأقصى، وحفظه كل من يذهب سواء للرباط أم للزيارة، سقط ذات مرة في الباحات بسبب مرضه الذي أصابه في أخر حياته، لكنه لم يكف عن الذهاب للصلاة هناك حتى النفس الأخير، وحين انتقل إلى الرفيق الأعلى بكاه كل من عرفه بلا استثناء.

| إبعاد المرابطات عن الأقصى

 
نهلة تشبه أباها العم إبراهيم صيام في الإصرار على الحق، مرابطة تتنفس حب القدس، منزلها يبعد عن المسجد ٧ دقائق بالسيارة، و٥ مشيًا على الأقدام، فكان القرب المكاني نعمة كبيرة تحمد الله عليها.
 
مقدسية بشخصية وازنة، تُبعد عن الأقصى بالإجبار من قبل الاحتلال فتعود أقوى من ذي قبل، تُعتقل، فلا تفتر عزيمتها ولا تضعف كوالدها المجاهد تمامًا، فكانت حسن الغرس الذي أثمر ونعم الوريث لصفات رجل أفنى حياته للدفاع عن المقدسات.
 
 

نهلة تشبه والدها العم إبراهيم صيام في الإصرار على الحق، مرابطة تتنفس حب القدس، منزلها يبعد عن المسجد ٧ دقائق بالسيارة، و٥ مشيًا على الأقدام، فكان القرب المكاني نعمة كبيرة تحمد الله عليها، مقدسية بشخصية وازنة، تُبعد عن الأقصى بالإجبار من قبل الاحتلال فتعود أقوى من ذي قبل، تُعتقل، فلا تفتر عزيمتها ولا تضعف كوالدها المجاهد تمامًا، فكانت حسن الغرس الذي أثمر ونعم الوريث لصفات رجل أفنى حياته للدفاع عن المقدسات.

"الأقصى روحي روحي".. وكيف لا وهي الطفلة التي كبرت في رحابه شهد على كل مرحلة في حياتها، رأت إرهاب الاحتلال عن قرب، تؤمن أن شمس الحق ستبزغ يومًا على الأرض المباركة، حين يذكر اسم بلدتها "سلوان" تبتسم ويحلق قلبها كعصفور لقى حريته للتو بعد سجنه في قفصه لأيام، وتردد "سلوان حامية القدس"، يحدث نعم أن يقع المرء في غرام مدينته ويحبها حتى النخاع وكيف إن كانت بيت المقدس سيحبها أضعافًا.

02.jpg
المعلم في مصاطب العلم في القدس إبراهيم صيام والد نهلة

طالما وُضعت في قائمة المرابطين لدى الاحتلال ستصلك لا محالة قرارات إبعاد عن المسجد الأقصى، تعسفية، للنيل من روحك المعنوية. نهلة من المرابطات التي وقعن تحت طائلة الاعتقالات والإبعادات، تقول: "في كل مرة أدخل الأقصى أسأل نفسي: يا هل تُرى هل سيتم احتجاز هويتي؟ هل سأُعتقل وأُسلم أمر بالإبعاد؟ تتزاحم الأسئلة في رأسي، ولكن أسمي باسم الله، وأستمتع وأنا أنظر إلى قبة الصخرة وإلى الباحة نفسها، بالرغم من أن الباحات كانت ممرًا أمشي منه إلى مدرستي في طفولتي، أحفظها جيدًا، إلا أنني في كل مرة أشعر وكأنها أول مرة من شدة استمتاعي وحبي للمكان، أتجول كالسائحين وألتقط الصور بمتعة".

received_885635612823151.jpeg
صورة تجمع مرابطات القدس مع المرابطة نهلة صيام

ما هو الأبعاد الأشد على قلبك؟ تجيب نهلة: "أُبعدت عن الأقصى 6 أو 7 مرات كلهن، بلا استثناء، آلمن قلبي. هل تتخيلي أن تبعدي عن مكانك الذي تربيت فيه! تفاوتت مدة الإبعادات، في مرة أُبعدت 40 يومًا وأخرى 3 أشهر ومرتين 15 يومًا ومرتين 4 أشهر، وأغلب إبعاداتي كنت أُعتقل فيها وأسلم قرار الإبعاد. وفي مرة داهموا منزلي واعتقلوني لمدة 5 أيام بتهمة التحريض على العنف عبر فيسبوك، ومرة أخرى اتهموني بأنني ألتقط الصور للمستوطنين خلسة؛ وأيضًا أعرقل عمل الشرطة فقط لأنني صليت عند باب الرحمة، ولا أنسى حين اعتقلوني دون وجود هويتي الشخصية معي، طلبت منهم العودة لإحضارها، رفضوا، فعاندت ورفضت إعطاءهم معلومات عني فشرعوا في شتمي بشتائم نابية، وسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم".

| ذكريات النصر في القدس

111.jpg
المرابطة المقدسية نهلة مع والدها المرابط إبراهيم صيام ووالدتها

بالعودة إلى الطفولة تخبرنا نهلة عن طقوسهم الأسبوعية في طفولتها، حيث كان والدها يصحب العائلة كلها في رمضان للإفطار في باحات الأقصى، تضيف: "كل مرة نذهب للمسجد الأقصى نشعر ببهجة مختلفة، ما زالت مقلوبة أمي تأتي لمخيلتي حين أذكر مرحلة طفولتي، كبرت وقلبنا المقلوبة مرارًا أنا والمرابطات في الباحات وكل المرات أشعر باختلاف تام وحماس ممتع".

صديقة حمام بيت المقدس وعصافيره السابحة في السماء الواسعة، ورفيقة باب الرحمة والأسباط، وخليلة قبة الصخرة، لم تتوقف عن رباطها في القدس بالرغم من الإبعادات الكثيرة، وتنكيل جنود الاحتلال. تذكر حين مُنع أهل الداخل من الوصول للقدس العام الماضي بتوقيف الحافلات التي تقلهم على مشارف القدس وإرجاعها، وتقول لبنفسج بلكنتها المقدسية: "صار في فزعة أنه اللي بيقدر ينزل على الطريق يحمّل أهل الداخل ينزل ويجيبهم، وبوقتها خلال نص ساعة، كانت السيارات تنزل وترجع فاضية لأنه كل الناس اللي كان عددها بالآلاف يحمّلون بسيارات المقدسيين، وكان في وحدة كانت تحكي نفسي أمسك المقدسيين وأعبطهم فكانت قريبة منها وحدة بتعرف إني مقدسية، فقالتلها عني هاي مقدسية، فاحتضنتني".


اقرأ أيضًا: كيف أصبحت هنادي الحلواني المرأة الأخطر في مدينة القدس؟


كان لنهلة حضور في كل الأحداث في القدس، وأبرزها هبّة البوابات الإلكترونية حينما منع الاحتلال المصلين من الدخول للمسجد الأقصى، إلا من خلال المرور عبر بوابة إلكترونية لفحصهم وتفتيشهم بشكل مهين، ثم ركّب الكاميرات عند باب الأسباط، ونتج عن هذه التصرفات هبة شعبية مقدسية واسعة النطاق، رفض من خلالها المقدسيين البوابات، وكثف المرابطون من وجودهم أمام أبواب الأقصى وأصبحت الصلاة تقام في الشوارع، والاعتصامات تعلو وتيرتها والتي قابلها الاحتلال بالاعتقالات والضرب في محاولة لفضها مما أدى لاستشهاد وإصابة العديد.

received_1277992812948496.jpeg
المرابطة نهلة صيام مع  المقدسية خديجة خويص ورفيقتهم

"يا الله ذكرتيني بأيام عز ونصر أحلى فرحة يوم انتصارنا بمعركة البوابات". دخلت الأفواج يوم النصر مكبرين مهللين، منهم من ركض لقبة الصخرة، والآخرون خروا ساجدين شكرًا لله على انتصارهم، كان مشهدًا مهيبًا للغاية وفرحة ما بعدها فرحة. تكمل نهلة: "أصيب والدي برصاصة مطاطية أثناء هبة البوابات الإلكترونية عند باب الأسباط، وعلى الرغم من ذلك، لم يغادر مكانه للذهاب إلى المشفى وأصرّ على أن يسعفه المسعفون في مكانه".

تكمل نهلة عن الرجل المقدام المناضل في حياتها: "كان لا شيء يمنعه عن الصلاة في الأقصى في الصيف يرتدي الطاقية مع الدشداشة، والشتاء يتزين بالحطة الحمراء مع الجاكيت، ويصول ويجول في الباحات، حتى باغته المرض وأصيب بمرض السرطان في الكبد، ومع ذلك كان يذهب للصلاة في الأقصى فعلى حد قوله "المرض مش شي محرز ليبعده عن الأقصى". اشتد عليه المرض أكثر، وقَع على درجة باب المسجد الأقصى "باب المجلس"، فجرحت ركبته وكسرت أسنانه، ظل يزور الأقصى ويصلي به حتى خارت قواه تمامًا، وتوفاه الله تاركًا لنا الأمانة من بعده موصيًا إيانا أن نناضل ونظل متمسكين بالأرض، ونبقى مرابطين في حبيبه الأقصى حتى آخر نفس فينا".