بنفسج

هشاشة الثلج: لماذا نضعف أمام رغبات أبنائنا؟

الثلاثاء 24 يناير

أظن أنني الآن بصدد الحديث عن موضوع لا أجدني متخصصة في فحواه، ولكنه في الواقع عملي وعمل الكثير من النساء، وهو تموقعي أو موقعيتي أمًا تمارس فعل الأمومة شاءت أم أبت. وهذا ما يجعل الكثير من المهمات قد أنيطت بي ومن ضمنها مسؤولية عقد يدوم مدى الحياة، والأم بطبيعة الحال منضبطة اتجاه هذه المسؤولية، فهي على سبيل المثال لا بد لها من إطعام أطفالها وتدريسهم وأمور أخرى كثيرة.  وهناك شق يتعلق بحريتها الشخصية التي تصبح مبتورة بشكل تلقائي، فالأم لا تستطع الخروج وقت تشاء، أو أن تسافر مثلًا وقتما تشاء أو أن تزور أهلها، وأمور أخرى.

ليس هذا الموضوع هو تركيز مدونتي هنا، بل إن ما أودّ الحديث عنه، وهو أمر لا بد يؤرقني، وأنا متأكدة تقريبًا من أنه ليس أمرًا يقلقني وحدي. إنه أمر أشبه بهشاشة الثلج، وهو أيضًا رعاية خلل لدينا وأبناءنا.  إنني أشعر بضعفي أمام أبنائي! محاصرة، مرهقة، دائمة الركض، أودّ لو أضع الدنيا بين أيديهم. أضعف أمام كلمة "تحقيق حلمي" من فيه أحدهم، أود دائمًا لو أحقق لهم أحلامهم، فهل نقوى على ذلك!

ألم نكبر نحن في ظروف قاسية إلى حد ما؛ نساعد في أعمال البيت والأرض والزراعة، وندرس من دون مساعدي تدريس وفي مدارس حكومية ونزور كذلك المشافي الحكومية! فما الذي حصل الآن؟ لماذا نستدين من أجل تدريس أبنائنا في مدارس خاصة باهظة ترهقنا جسديًا ونفسيًا وماديًا؟

كان يدهشني أحيانًا ابتياع أحدهم سيارة فارهة لابنه حالما يبلغ الثامنة عشرة، ولكنني الآن بت أتفهم هذا الضعف وهذه الهشاشة لدى الآباء، وهذا يسمى أيضًا رعاية الخلل! نحن نرعى ونربي وننمي خللًا فينا اتجاه أبناءنا، وهل نستمر في الركض من أجل إرضائهم، ولماذا إرضاؤهم؟

ألم نكبر نحن في ظروف قاسية إلى حد ما؛ نساعد في أعمال البيت والأرض والزراعة، وندرس من دون مساعدي تدريس وفي مدارس حكومية ونزور كذلك المشافي الحكومية! فما الذي حصل الآن؟ لماذا نستدين من أجل تدريس أبنائنا في مدارس خاصة باهظة ترهقنا جسديًا ونفسيًا وماديًا، لماذا نهرع إلى المدرسة إذا تعرض أبناؤنا لأي موقف، نهرع مدافعين ومنافحين ونحن نعلم أننا نُضعِف مشاعرهم عندما تكون مشاعرنا ضعيفة أمامهم.

وهل لتحقيق الحلم سبيل في هذا العصر التقاني الذي يقوم على الآلة والتسويق، إنهم يرون مئات الألعاب على قنوات اليوتيوب ووسائل التواصل يوميًا، متعددة أشكالها وألوانها وأثمانها، أبي أريد لعبة، ومن ثم أبي أريد سيارة!


اقرأ أيضًا: عامٌ على المكتبة: تجربة أم


علينا التوقف عن قول إنه جيل مختلف عن جيلنا، وأنهم ضعفاء، وإنهم بحاجة إلى من يدافع عنهم ويحقق أحلامهم.. إن هذا لا يفيدهم بقدر ما يضعفنا، إنه يجعلنا أكثر هشاشة بمقدار هشاشة الثلج! فدعوهم يدافعون عن أنفسهم ويعيشون مشاعرهم ويحققون أحلامهم.

إن هذا الموضوع برمته يذكرني بمصطلح جديد وهو "بسكتت الأطفال"؛ وهو صنع جيل من الأبناء كالبسكويت في هشاشتهم، لا يستطيعون مجابهة المواجهات والتحديات والصعاب، أو حل مشاكلهم بأنفسهم، ويجعل الآباء دائمو الانشغال بهم في قلق وتوتر؛ هل أكل ابني الساندويش في المدرسة؟ هل حرارته مرتفعة بمقدار نصف درجة؟ ما هذا التحسس الذي يظهر على وجهه؟ هل يتنمر عليه أصدقاؤه؟ هل أخذ أحدهم قلمه؟ طفلي يحلم بالسفر لمشاهدة مباراة فريقه المفضل في كأس العالم!

إنني لا أريد هنا الاستهانة بالحوادث والمشاكل التي يتعرض لها الأطفال، بل إن  الاستثمار فيهم ينبثق من الاهتمام، والتدريس الجيد، ولكنني حقًا أواجه كثيرًا منها أثناء الحديث مع أولياء الأمور والجيران وغيرهم. جلهم يقترضون من البنوك لتدريس أبنائهم أو دمجهم في نوادي أو معاهد موسيقى، وتكون هذه النشاطات فوق طاقتهم، بل وترهقهم، فيشعرون تلقائيًا أن حياتهم وعملهم وذهابهم وإيابهم كلها مرتبطة بتأمين القسط للمدرسة والنادي وغير ذلك من المأكل والملبس بجودة عالية.


اقرأ أيضًا: "لمّا كنّا قدهم كنّا...": هل نواجه جيلًا أكثر هشاشة حقًا؟


هذا بالإضافة إلى أن أبناءنا اليوم يطالبوننا بالترفيه، ويشترطون أماكن معينة للزيارة، المسبح الفلاني، واللعبة الفلانية، والمول الفلاني. وكما ذكرت يبدو الأهل ضعفاء أمام هذه الرغبات ويخشون على مشاعر أطفالهم من قول لا، وهم لا يعلمون أن الطفل لا بد أن يضع في مفهمته كلمة "لا"، ولا أستطيع تلبية رغبتك هذه، أو أن ظروفي لا تتحمل، أو أنني لا أملك المال في الفترة الحالية. علّموا أولادكم التقبل، والرضى، والتسليم ببعض الظروف، والصبر، وتفهم ظروف الوالدين، وأنهم ليسوا مصباح علاء الدين كما يعتقدون.

إنني أجد مرارًا أن التربية الإيمانية، وتقسيم أوقات الأطفال، وتقنين انشغالهم بالتقنية والتكنولوجيا، والحديث إليهم يوميًا، عن يومهم وتفاصيله، يجعلنا أكثر قربًا من ابتياع لعبة أو تحقيق حلم لهم.