بنفسج

مونديال قطر: شعوب تتلف حول الكرة وفلسطين

الأربعاء 30 نوفمبر

مونديال قطر
مونديال قطر

الإعلام الاجتماعي هذه الفترة يثلج الصدر، فمن منا لا يشاهد حال الإعلام الإسرائيلي في المونديال، وخيباته المتتالية في كأس العالم هذا العام، أتابع  الفيديوهات وأعود بالذاكرة إلى ما قبل عامين، ففي مثل هذا الوقت قبل عامين، كنت منهمكة في تحضير مقترح أطروحة الماجستير الخاصة بي، ولم يكن البحث عن موضوع الأطروحة أمرًا شديد الصعوبة، فمنذ سفري لإكمال دراستي العليا في تركيا، عزمت أن تكون رسالتي في أي مجال يدعم القضية الفلسطينية ويخدمها ما استطعت لذلك سبيلًا.

تزامن في تلك الفترة حضور قوي لصفحة المنسق على الفيسبوك، وهي صفحة تخص ضابط الاحتلال الإسرائيلي المسؤول عن التنسيق المدني بين الطرف الفلسطيني، والطرف الإسرائيلي، وحركة الحواجز العسكرية، أو ما تسمى بالمعابر كما يسميها الجانب الإسرائيلي. لم تكن هذه الصفحة الوحيدة للإعلام الإسرائيلي الناطق بالعربية، فقبلها كان هناك صفحة (أفيخاي أدرعي) الذي اشتهر كثيرًا على الفيسبوك بمقاطع الفيديو التي يتحدث فيها باللغة العربية، فتارة يقرأ القرآن، وتارة يهنئ المسلمين بالأعياد، وأخرى يشجب فيها المقاومة الفلسطينية.

كانت هذه الصفحات وغيرها مستفزة جدًا بالنسبة لي؛ انتشارها وأسلوب الحديث فيها وهيكلتها، وبالرغم من أن أغلب المنشورات كانت تقابل بتعليقات ساخرة ومستهزئة بها، ولكن حضورها وارتفاع نسبة الإعجابات بهذه الصفحات لم يكن شيئًا عاديًا، مما دفعني لأجعل منها موضوعًا لأطروحة الماجستير الخاصة بي.

كانت هذه الصفحات وغيرها مستفزة جدًا بالنسبة لي؛ انتشارها وأسلوب الحديث فيها وهيكلتها، وبالرغم من أن أغلب المنشورات كانت تقابل بتعليقات ساخرة ومستهزئة بها، ولكن حضورها وارتفاع نسبة الإعجابات بهذه الصفحات لم يكن شيئًا عاديًا، مما دفعني لأجعل منها موضوعًا لأطروحة الماجستير الخاصة بي، وكان العنوان ( الدعاية الإسرائيلية الموجهة للشعوب العربية عبر الإعلام الاجتماعي). 

 اتخذت صفحة (إسرائيل تتكلم بالعربية) بصفتها صفحة رسمية وموجهة بشكل رئيس للشعوب العربية حالتي الخاصة التي سأبحثها في رسالتي، مع العلم أن هذه الصفحة أصبح لها تفرعات تخص كل دولة على حدا، مثل إسرائيل تتكلم بالعربية مصر، السعودية، المغرب وغيرها.

الدعاية الموجهة ليست شيئًا جديدًا على الحركة الصهيونية، فقد مارستها بشكل واضح وقوي في أواخر القرن التاسع عشر في مؤتمرها الأول، وكانت دعايتها مقسمة لعدة فئات أولها على الصعيد الداخلي لحشد اليهود تحت رايتها، وبالتالي خلق جيش لتحقيق مطالبها، وأخرى للغرب تظهر فيها؛ كالضحية للحصول على استعطافها، وأخرى للعرب لخلق الفتن بينهم وبين الفلسطينيين تحت شعار فرق تسد، عبر العديد من الصحف التي كانت تمتلكها وتنشرها في المناطق العربية وفلسطين باللغة العربية.


اقرأ أيضًا: احتفال بالهالوين أم انتصار لاحتلال خفي؟


لم تنته الدعاية الصهيونية يومًا، بل ازدادت حدتها بعد قيام الكيان الإسرائيلي المحتل على أرض فلسطين، وتطور الإعلام والعلاقات السياسية بين الكيان والحكومات العربية؛ لترصد اليوم ميزانيات غير محدودة لتطوير الإعلام الإسرائيلي الموجه للعرب.

تعمل وسائل الإعلام الرقمية التابعة للاحتلال والموجهة للشعوب العربية على تأطير الحدث، بطرق تتماشى مع الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، كما تهدف إلى رسم صورة ذهنية إيجابية عن الحياة المثالية التي يتمتع بها سكان "إسرائيل" من جهة، وكسر الحاجز النفسي مع الجمهور العربي للتعايش مع وجود "إسرائيل" في الشرق الأوسط من جهة أخرى.وأيضًا إظهار صورة الفلسطينيين الذين يحبون الموت ويكرهون السلام. لسنوات مارس الاحتلال الاسرائيلي هذه الدعاية، وكان يتغنى باتفاقيات السلام وأوجه الشبه بين الثقافة العربية والإسرائيلية المزعومة، ويحاول إبراز أي تعاون عربي إسرائيلي.

كذبت "إسرائيل" الكذبة وصدقتها، وظنت أن الإسرائيليين يمكنهم حقًا زيارة المغرب العربي، ويستقبلهم التوانسة والمغاربة بالتأهيل والترحيب، ويسيروا في شوارع الخليج العربي دون الشعور بالخوف أو الاستنكار من حولهم، ولكن كان هذا العام مختلفًا قليلًا ليتلقى الإعلام الإسرائيلي في المونديال صفعة قوية وتبين أن مرماه بدون ما حارس، وأنه يمتلك أفشل فريق إعلامي على الإطلاق.

لم أهو الكرة يومًا، وليس من الضروري أن أحبها، فلكل مهارة روادها، ولكن من منا لم يحب كرة القدم هذا العام، فهذه المرة الأولى التي يقام فيها كأس العالم في وطن عربي، وليس هذا وحسب، بل بصبغة عربية.

حضر مراسلون من كل دول العالم لتغطية هذا الحدث الفريد من نوعه، وكان الإعلام الإسرائيلي في المونديال حاضرًا ليغطي هذه الفعالية ليصطدم في الواقع الذي مهما كذبه سيظل حاضرًا. حيث ظن المراسلون الإسرائيليون أن المشجعين العرب، وحتى الأجانب سيتعاملون معهم بكل أريحية كغيرهم، ولكن ما أن يعرفوا للمشجعين عن نفسهم حتى تبدأ موجة من المقاطعة، النبذ، الاستنكار، الهتافات "فلسطين حرة .. لا وجود لكم".


اقرأ أيضًا: "بتذكر معلمتنا كانت..": حين يحضر فينا المعلم


من منا من لم يتنفس الصعداء، وقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو التي تظهر نبذ الإعلام الإسرائيلي في المونديال ورفض وجوده. موقف مشبع بالسخرية حين يقف مراسل إسرائيلي في بث مباشر على قناة دولته المزعومة، وقد أحاطته الأعلام والهتافات الفلسطينية من كل جانب، ماذا سيشاهد المشاهد الإسرائيلي في هذه الحالة؟ المزيد والمزيد من الدعم الفلسطيني، وتزداد الخيبة عندما يحاول المراسل استضافة جمهور أجنبي، لتقابله ذات النتيجة ليكون عنوان اللقاء حظا أوفر!

أصابت الصدمة المراسلون الإسرائيليون وضج الإعلام العبري: "نحن مكروهون، مونديال الكراهية، الإعلام الإسرائيلي في المونديال منبوذ، نحن أقلية في وسط عربي وإسلامي يدعم فلسطين". كما كُتب أيضًا: "سنوات من التطبيع والعمل على مد جسور التواصل مع الشعوب العربية باءت بالفشل بل أنها لم تنجح منذ البداية، وها هم المراسلون الإسرائيليون مضطرون، لإخفاء هويتهم الإسرائيلية، ليستطيعوا إجراء مقابلات مع الجماهير دون أن يكشف أمرهم".

لا يمكننا تجاوز ما حدث مع الإعلام الإسرائيلي في المونديال وكذلك لا ينكر أحدهم قوة الإعلام والدعاية السياسية في حشد وقلب الموازين، ولكن لم يدرك المحتل الذي عمل لعشرات السنين على فرض نفسه في المنطقة أن الاتفاقيات والمعاهدات والهدن كلها، والذباب الإلكتروني والصفحات والتأطير والتلاعب بالحقائق، لم تستطع أن تجعل منه مواطنًا عربيًا يتحدث العبرية كما يظن.

ليس هذا وحسب، بل في الوقت الذي ترفع فيه أعلام فلسطين داخل المدرجات من كل حدب وصوب، ويرتدي مشجعون من كل الفئات والجنسيات  بينهم شخصيات سياسية، ومشاهير شارة الكابتن الفلسطيني يمنع مشجع إسرائيلي من رفع علم إسرائيل، ويضطر المسؤولون في الملعب إلى إخراجه من الملعب في منتصف المباراة.

لا يمكننا تجاوز ما حدث مع الإعلام الإسرائيلي في المونديال وكذلك لا ينكر أحدهم قوة الإعلام والدعاية السياسية في حشد وقلب الموازين، ولكن لم يدرك المحتل الذي عمل لعشرات السنين على فرض نفسه في المنطقة أن الاتفاقيات والمعاهدات والهدن كلها، والذباب الإلكتروني والصفحات والتأطير والتلاعب بالحقائق، لم تستطع أن تجعل منه مواطنًا عربيًا يتحدث العبرية كما يظن.

 ولن يكون طالما أن هناك نفس لشباب عربي يدرك عمق القضية الفلسطينية الدينية والتاريخية التي لا يمكن تغييرها، وأن البارودي حين قال: "بلاد العرب أوطاني" ، والجخ حين أكمل: "وكل العرب إخواني" لم يكن ضربًا من الخيال مهما بلغت الحدود مبلغها في التفريق.