بنفسج

أمل أبو عاصي: اللغة والأسرة والرسالة...خير مداد

الأربعاء 18 يناير

كاتبة فلسطينية
كاتبة فلسطينية

ولنا حضور ثان مع أمل، وهي كاتبة فلسطينية أصيلة وشاعرة مشتعلٌ مدادها، تؤمن بأن اشتغالها بالشعر والأدب هو أيضًا رسالة تؤديها، إذ ترى أمل أن الموهبة بذرةٌ بكرٌ تنمو وتثمر، وتنضج إذا ما توفر الاحتضان كبيئة مناسبة للإزهار؛ بعد إيمان الموهوب بنفسه ورسمه لأهدافٍ مرحلية سعيًا في تحقيق أحلامه الكبيرة.

 كما وتعتقد أن واجب من يبدع في الكتابة أن يقرأ بما يفوقُ الإمكان، قراءة ناقدة واعية عميقةً، فيتأمل النصوص التي بين يديه، ويقف عند الصورة البلاغية، وأمام التراكيب، يدوّن ذاك السطر، ويلوّن تلك المفردة، ليُنشئ قاموسه الخاص، ومعجمه الفردي، كما وعليه أن يحضر الأمسيات الأدبيةَ، ويشاهد المقاطع الشعرية المصوّرة، منتقيًا ما يشاهده ويقرأه بعنايةٍ؛ حتى لا تتلوّث ذائقته.

عن العائلة والدعم

كاتبة فلسطينية

 

سألت أمل  حول الذي تحرص على توريثه لأبنائها، فأجابت من وحي إيمانها الذي يملي عليها أن تربية الابن الواحد هي تربية لأمة كاملة، وقبيلة متكاثرة، فهي سنة الكون منذ زمن الأنبياء، فالملايين سيرثون صفاتهم وعاداتهم وأفكارهم الحسنة والسيئة، فصلاح الأمة مربوط بصلاحهم، والعكس كذلك، مؤكدةً على حرصها على توريث أبنائها للقيم الأخلاقية والنفسية.

ولعل ما يعزز من أداء أمل على صعيد البيت والحياة، هو مشاركة زوجها لهذا الحرص، فقد منحها وقته، وشاركها الأعمال المنزلية، ومتابعة الأولاد، فبالرغم من شدة ضغط العمل الذي يكفيه، عكف على تسخير نفسه كجنديٍّ مقاوم، وهو ما هيأه ليحصد جائزة أفضل رجل يدعم المرأة لعام 2017.

وفي حق العربية، فقد شددت أمل على أهمية اللغة لاجادة القرآن الكريم، معتبرة أن التقصير في تعلمها كبيرة تفقد القدرة على فهمه وحفظه؛ فاللغة العربية هي أحد أهم العناصر الفاعلة في دفع الأبناء إلى كلِّ ما هو عظيم، كما أن اتقانها يَدعم ثقتهم بأنفسهم، وبتاريخ الأمة ومجدِها التليدِ، وإنها تأخذ بيدهم للسمو عن تقليد الآخرين، فلا يكتسبونَ إلا ما يوافق دينَهم وأخلاقَهم، فيحفظون لسانهم عن الزلل، ويكتسبون البلاغة، فلا معين على النطق السليم، والفصاحة، كما تفعل تلاوة آيات القرآن الكريم، فهو كنزٌ بين الأيادي، جاهلٌ من غفل عنه.

وهنا سألت أمل  حول الذي تحرص على توريثه لأبنائها، فأجابت من وحي إيمانها الذي يملي عليها أن تربية الابن الواحد هي تربية لأمة كاملة، وقبيلة متكاثرة، فهي سنة الكون منذ زمن الأنبياء، فالملايين سيرثون صفاتهم وعاداتهم وأفكارهم الحسنة والسيئة، فصلاح الأمة مربوط بصلاحهم، والعكس كذلك، مؤكدةً على حرصها على توريث أبنائها للقيم الأخلاقية والنفسية، كما تسعى لأن يكونوا منارات خيرٍ وصلاحٍ وأمل حيثما حلوا نفعوا.

ولعل ما يعزز من أداء أمل على صعيد البيت والحياة، هو مشاركة زوجها لهذا الحرص، فقد منحها وقته، وشاركها الأعمال المنزلية، ومتابعة الأولاد، فبالرغم من شدة ضغط العمل الذي يكفيه، عكف على تسخير نفسه كجنديٍّ مقاوم، وفارس مغوار لا يعرف الهزيمة، وهو ما هيأه ليحصد جائزة أفضل رجل يدعم المرأة لعام 2017.

كاتبة فلسطينية

وهنا خصصت أمل مساحة خاصة لمدحه وفاءً لوفائه، فقد قالت: "حين ارتبطتُ بشق روحي كنتُ صغيرةً بما يكفي لأحلم، لكنه جعلني كبيرةً بما يكفي لأجعلَ الحلمَ حقيقةً حيةً، فلم أكن لأحقق، وأبرز كـكاتبة  فلسطينية، وشاعرة وأديبة، لولا دعم زوجي الكامل لي، لقد كان لي جيشًا لا يُقهر، وسندًا لا يميل، ووطنًا غير قابلٍ للاحتلال، وكلَّ الجوائز عاجزة عن وصفه كرجلٍ يدفعه الحب، الحب فقط، إلى تحدي عادات المجتمع وتقاليده، مؤمنًا بي أكثر من إيماني بنفسي؛ سعيًا إلى الوصول إلى الحلم".

وأضافت أمل بأن زوجها كان يحترم الكتاب كجزء من حياتهم، ومن تفاصيل يوم أبنائهم، من ديكور المنزل، من الجلسات العائلية الهادئة التي يتناقشون فيها، ويتبادلون الأفكار والطموحات والهموم، ويقلبون دفتر الحكايات، لتخرّج هذه البيئة أدباء صغار، أكبرهم انتاجاً ابنتهم نغم، التي أصدرت كتابها (بإيدٍ) وهي في السادسة عشرة من عمرها، وهو كتاب يضمُّ الرسائل الأدبية، والشعر الموزون، والوعظ، والنثر.


اقرأ أيضًا: الشاعرة تسنيم عبد القادر: حروف تنسج نشيد الثورة


ولعل بهجة إنتاج كتاب نغم فاقت فرحة أمل في كتبها جمعاء، فهو ملخّص لإثمار الغرس، وبهذا الإثمار ركزت أمل على أصل الإنبات المتمثل بالخيرية، فذكرت بها الأزواج في العائلة، كوصية حياتية أهدانا إياها النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: (خيركم خيركم لأهله)، موضحةً أن الخير رديفٌ لكلّ ما فيه الخير، وأن كل ما يوجب الخير فهو خير.

أما عن المحيط الذي ألقت أمل عليه السلام؛ لدعمه برفدها بأصدقاءٍ صانتهم الأيام، فتمسكوا بالعهد والتمسوا العذر، واعتزلوا اللوم في الغياب، والخصام في المعاملة، فكانوا خيط النجاة من الانسحاب، وخير برهان على جمال العالم رغم كل ما يشوبه من قبح.

كاتبة فلسطينية: رسالية الأدب

كاتبة فلسطينية
الكاتبة الفلسطينية أمل أبو عاصي مع ابنها

ولم يقتصر تفاني أمل على العائلة، فقد خرجت توسّع دائرة العطاء إيمانًا منها بأن المسؤولية الاجتماعية هي محرك رئيس للعمل، كما وحرصت على تشكيل منظومة من القيم والأفكار في كل دورةٍ تدريبية قادتها، وفي كل حقيبة تعليمية أو فكرة إبداعية حملتها في سبيل الارتقاء بالشخصيات، فقامت بتنفيذ عدة مبادرات مجتمعية من بينها (ومما رزقناهم ينفقون) و(معرض أدباء من أجلكم)، ثم وإنها تعكف على تنفيذ مشروعٍ خاص، تسعى من خلاله إلى نهضة حقيقية في صناعة الجيل وتربيته في خطوة مختلفة في طريق الحلم.

كاتبة فلسطينية

وفي ظل هيمنة الإعلام الرقمي حرصت أمل على إنعاش الإيجابية في المضامين التي تنبثق من إيمانها برسالية الأدب، مشيرةً إلى حجم الاختبار الكبير الذي يقع على عاتق الكتّاب ، فإن جعل الكاتب النية لله نال الفلاح عقب الأجر، مشيرةً إلى الإعلام كماكنة لتعزيز القيم، أو إعدامها، وكل من فيه مسؤول ومساءل عن كل ما ينشره، وعن الشعور الذي يمنحه، وعن كلّ كلمةٍ أو حركة تركت أثر، فعلى الكاتب أن يحيط نفسه بالأسئلة مع ولادة كل نص؛ وعليه النظر بعينٍ ناقدة لطبيعة الإضافة ونسبتها، وعن المبدأ والقيمة الأخلاقية التي سيعزز، وعن مدى رضاه عن حروفه إذا ما رحل.


اقرأ أيضًا: مها شحادة: أصالة التفكر في الاختيار والدور الرسالي


أما عن وجهة نظر أمل في السباق والصراعات الداخلية المحفوفة بجلد الذات الذي خلفه الإعلام الرقمي، فإنها ترى أن قاموس الحياة مجرّد من التأخر، فكل شيءٍ يأتي في وقته الأنسب، والطريق مفتوحٌ لكلّ من رامَ ارتقاءَ سُلَّم النجاح، كما أن السبل متاحةٌ للمريدين الصادقين، فمكان المرء حيث أقام نفسه، ومتى آمن فعليه أن يبدأ.

وفي الإطار الأسري بهذا الجانب، أكدت أمل على أهمية ترتيب الأولويات كواحدة من أهم طرق النجاح المتكامل، معتبرةً أن أيّ إنجاز على حسابِ الأسرة هو صفرٌ مربّعٌ من الفشلِ، فالأهل والأحبة لكلا الزوجين هم تذكرة عبورٍ إلى الجنة، كما أن صلتهم مدعاة للبركة في الصحة والمال والنفس والأولاد، ملخصة لمعنى الجمال في دفء العائلة المجتمعة على موقد الحب والأمان.

عن عالم البحث والشعر

كاتبة فلسطينية
إن ميلاد شاعر كان واحدًا من دواعي الاحتفال عند العرب، وفي هذا تقول أمل "بزوغ الشاعر هو نبوءة محققة، لا سيما حين يكون شاعرًا مؤمنًا بقدسية الكلمة، فيمسي حجرًا أساسيًا في مسيرة النهضةِ المرتقبة".
 
وأضافت أمل أن الشعر مخلوقٌ غريبٌ، فهو الكائنُ الوحيدُ الذي يختار والده بنفسه، يريده مرهف الحس، رقيقًا بطبعِه، إنسانًا مسؤولًا قبل كل شيء، وهو يفرضُ ملامح نفسهِ؛ موزونًا عروضيًّا، محمّلًا بالصور البلاغية، سليمًا لغويًّا.

وعلى صعيد البحث العلمي، فقد بات شغف أمل الذي لا ينطفئ، بعدما تعلمت قواعد البحث السليمة، وفق المناهج العلمية الأصيلة، الأمر الذي أنضج شخصية الباحث الناقد فيها، فكانت ذلك الباحث الذي ينفي ويحاور ويستنتج، ويضيف جديدًا، متخذةً من مراجعة النصوص وتدقيقها عادة عملية اكتسبتها من شغفه بالتجديد المستمر، واستمتاعه بالغرق في بياض النصوص، والتعامل مع الأفكار البِكر للكُتّاب على اختلاف مستوياتهم وطبيعة نتاجاتهم، معتبرةً أن هذا العمل شرفًا كبيرًا، وفرصة عظيمة لتأدية الأمانة عبر تقديم استشارة نقدية أو بحثية، كهدية بعد كل عملٍ، تجعل منها صدقة علمٍ جارية.

وبالعودة إلى الشعر فإن ميلاد شاعر كان واحدًا من دواعي الاحتفال عند العرب، وفي هذا تقول أمل "بزوغ الشاعر هو نبوءة محققة، لا سيما حين يكون شاعرًا مؤمنًا بقدسية الكلمة، فيمسي حجرًا أساسيًا في مسيرة النهضةِ المرتقبة". وأضافت أمل أن الشعر مخلوقٌ غريبٌ، فهو الكائنُ الوحيدُ الذي يختار والده بنفسه، يريده مرهف الحس، رقيقًا بطبعِه، إنسانًا مسؤولًا قبل كل شيء، وهو يفرضُ ملامح نفسهِ؛ موزونًا عروضيًّا، محمّلًا بالصور البلاغية، سليمًا لغويًّا، معتبرةً أن علاقتها بالشعر مقتبسةً من غرابته للحد الذي يجعلها تظن كثيرًا بأنها كتبت الشعرَ وهي في رحم أمها، وأنها ستلتقي يومًا في تلك القصائد.

كاتبة فلسطينية

أما عن صك الاستحقاق الذي يُعطى للشاعر دون غيره، فإن أمل ترفضه وتستبدله بقولها: "على الشاعر ما ليس على غيره، فهو في موضع المكين الأمينٍ، وعليه أن يكون على قدر الأمانة، فهو موثّق للتاريخ، ناقلٌ عنه، صانعٌ له، وهو حارسٌ للغةِ، فكم من قاعدة نحويةٍ استدل القائلون بها ببيتٍ شعريّ"، معتبرةً أن كل هذا يوقع على الشاعر ما لا يقع على غيره؛ كونه جنديٌّ على ثغر اللغة.


اقرأ أيضًا: سجية العطاء: فصول في مذكرات خلود المصري


ولعلّ واجب الشاعر الفلسطيني الذي يحمل قضيته في قلبه، أن يحملها إلى كل مكان ليدير معركة الوعي والثقافة الموجهة  لتأخير الأمة، فينصّب حرفه على جبهة المقاومة ناطقًا باسم الحق، ناصرًا للمستضعفين في العالم، راصدًا وموثقًا انتهاكات أعداء الدين، كاشفًا كذبهم، ثم وإن من أجل واجباته هو تذكير أبناء الأمة بمجدها وصانعيه، وتحذيرهم من متلازمة الضعفاء المبطنة بالتقليد، وتنبيههم إلى حتمية الفساد في كل زمان ومكان، وضرورة إيقاد شعلةِ التغيير في الحياة، دون انتظار البادئ، فعندما يبدأ كلٌّ من عنده، حينها فقط تجتمع الهمم من أجل بناء إمارة حبٍّ، وأجمل قلعة.

أما عن سر نجاح أمل الذي احتفظتُ به حتى نهاية التقرير طواعية لغاية، باعتبارها كاتبة فلسطينية بارزة، وشاعرة معروفة، فهو توليفة تجمع بين الثقة المطلقة التامّة بالله وصدقة العلم، فكل خطوة لأمل كانت مسبوقة باليقين بكرم الله الذي لا يسوق إلا الخير ، إلى جانب ذلك حرصت أمل تأدية صدقة العلم والنفس، معتبرة أنه من أجلّ الصدقات ما كان أملًا لليائس، أو ضحكةً يزرعها المرء في قلبٍ مكلومٍ، مشيرة على تمسكها برضا الوالدين والزوج والأبناء كعبادة تتقرب بها إلى الله، وقد تربع طموح قلبها على توقف الإنسان عن هدم الإنسان، وألا يظل فقيراً ولا محروماً .