بنفسج

قصتي.. شيماء محمد

الثلاثاء 16 مايو

أنا شيماء محمد، فتاة كفيفة، ولكني عنيدة، لم أستسلم يومًا لأي منغص كان، أكملت دراسة اللغة العربية وآدابها، والآن أكمل دبلومًا تربويًا حتى يتسنى لي التدريس في تخصصي فيما بعد. سنوات الجامعة كانت صعبة للغاية في بدايتها، لم ألق كتبًا جاهزةً بطريقة برايل كما كنت في مدرسة النور للمكفوفين. واجهت صعوبة في تحويل الكتب لبرايل، كنت أكتفي بتحويل الملخصات الصغيرة في المركز المتخصص بالجامعة بالطباعة للمكفوفين، وأحيانًا كنت أضطر لطباعة الكتب خارج المركز لأنه لا يوجد لديهم خيار طباعة الكتب. كتبت أنا وزميلاتي المكفوفات المحاضرات بأيدينا، وهذا كان يتعبنا للغاية، والمحاضرات المسجلة لم تكن تروق لنا لأننا لا نستطيع المذاكرة بالاستماع.

"هوا أنت تعرفي تعملي حاجة؟ متقفيش على بوتجاز تاني، بتدرسي ليه منتي كدا كدا قاعدة!". من قال أن الكلمة لا تفعل شيئًا؟! إنها تبني وتهدم، تسعد روحًا. الأقوال المحبطة التي تُقال لنا حين نحقق إنجازًا صغيرًا، تكتم أفواهنا، وتبكينا كما لم نبكِ من قبل، أي جبروت هذا الذي يدفع شخصًا ما إلى التقليل من أحد.

أنا شيماء محمد، فتاة كفيفة، ولكني عنيدة، لم أستسلم يومًا لأي منغص كان، أكملت دراسة اللغة العربية وآدابها، والآن أكمل دبلومًا تربويًا حتى يتسنى لي التدريس في تخصصي فيما بعد. سنوات الجامعة كانت صعبة للغاية في بدايتها، لم ألق كتبًا جاهزةً بطريقة برايل كما كنت في مدرسة النور للمكفوفين. واجهت صعوبة في تحويل الكتب لبرايل، كنت أكتفي بتحويل الملخصات الصغيرة في المركز المتخصص بالجامعة بالطباعة للمكفوفين، وأحيانًا كنت أضطر لطباعة الكتب خارج المركز لأنه لا يوجد لديهم خيار طباعة الكتب. كتبت أنا وزميلاتي المكفوفات المحاضرات بأيدينا، وهذا كان يتعبنا للغاية، والمحاضرات المسجلة لم تكن تروق لنا لأننا لا نستطيع المذاكرة بالاستماع.

واجهت عالمًا آخرَ في الجامعة. في مدرستي كنت مع طالبات مكفوفات فكنا كالعائلة، أسعد أيام قضيتها هناك، والمواصلات للمدرسة كانت هينة، والدي كان يوصلني لنقطة معينة ليأخذني الباص المخصص، ووالدتي تنتظرني في العودة، كانا وما زالا نعم الوالدين، شجعاني على كل خطوة، وهما يريان أنني أستطيع فعل أي شيء، ولا يمنعاني من فعل ما أريد.

في الجامعة اختلفت الأمور ولقيت صعوبة في المواصلات، سأضطر لركوب مواصلات عادية وهذا ما كان يرفضه والدي، فحاول حل المشكلة بأسرع وقت، وفعلًا وجد الحل في مجمع النور، فهو كمدينة جامعية لنا. كان الباص المخصص يأتي لأخذنا منه، هذا سهّل عليَّ وعلى والدي كثيرًا. في داخل أسوار الجامعة ساعدتني زميلاتي على التنقل، والتقيت فتيات في منتهى الأخلاق، وما زلن على علاقة بي حتى اللحظة.

لأخبركم عن بداية الحكاية والسؤال المتكرر: هل ولدت كفيفة؟ حقيقة نعم. كان لدي مشاكل في النظر منذ الولادة وأجريت عملية في طفولتي. كنت أرى الإضاءة فقط وأميز الذي أمامي، ولكن الملامح لم أكن أراها. كان لدى طبيبي أمل أن يتحسن نظري فور بلوغي سن الرابعة عشر، ولكن حدث العكس، تراجع تمامًا. حزنت وقتها، ولكني راضية بكل ما يعطيني الله إياه، عانيت كثيرًا من أوجاع في العين بسبب تليف الشبكية. أخبرنا الطبيب أنني سأفقد الرؤية القليلة للأبد، رضيت مرة أخرى، وفعلًا فقدتها.

أن يعيش المرء في أسرة داعمة تحبه وتشجعه على كل خطوة، هذا أعظم ما يحصل عليه المرء، أذكر في مرة أنني كنت في زيارة لقريب ما فإذ بأمي تقول عني شيئًا فرد الآخر: "مهي كدا قاعدة وكدا قاعدة"، قالت والدي له: "دي بتعمل كزا وكزا وكزا". متباهية بي وفخورة بكل إنجاز أحققه.

أنا أفعل كل شيء في المنزل؛ أطهو الطعام، أنظف غرفتي. في مرة، كنت أطهو وإذ بقطعة قماش كانت في يدي تقع على الغاز ،فأشعر بسخونة تسري وكانت ستحرق يدي لولا لطف الله الذي ألهمني أن أضعها تحت الماء، وقتها لم أخبر أحدًا عن الحادثة، خوفًا من أن تخاف أمي أكثر. فيما بعد أخبرتها فأعطتني إرشادات للتعامل مع أي حادثة قد تحدث لاحقًا. سعدت بتفهمها وأنها لا تمنعني أبدًا من أي شيء أريد أن أفعله، ولا تفعل مثل العائلات التي تهمش بناتهم الكفيفات وتمنعهن من الخروج والتواصل مع المجتمع.

بعد تخرجي من الجامعة أردت أن أتعلم شيئًا جديدًا، فالتحقت بمركز النور لتعلم الخيرزان أو البامبو، ثم أكملت تعلمه في جمعية دنيتنا، إلا أنني واجهت صعوبة في الذهاب إليه بسبب المسافة، فتحدثت مع أ.حنان حشيش، فأخبرتني أنها ستحل المشكلة وترسل لي سائقًا، وبالفعل أصبحت من أسرة دنيتنا، ومحظوظة بتعرفي على هذه الجمعية، تعلمته باحترافية أكثر هناك، صنعت قطعًا عديدة بالبامبو، كلها محببة لقلبي منها الأطباق والمرايا، أشعر بحب جارف وأنا أفعل هذا العمل تحت إشراف أ. نادية مدربتي التي أخذت بيدي لأبدع أكثر فأكثر.

أما عن المرحلة الأجمل في حياتي هي حفظ القرآن الكريم، اكتشفت بالصدفة أنني أحفظ ستة أجزاء مع تكراري لقرائتي بشكل دائم، فوجئت بعد فترة طويلة بأنني أحفظ من غير دراية، فأردت بشكل فعلي حفظ القرآن كاملًا في مركز تحفيظ، ولكن كانت المشكلة أنني لا أملك مصحفًا بطريقة برايل إلا لستة أجزاء، وسعيت كثيرًا أن أمتلك القرآن كاملًا ببرايل، حتى بعد سنوات جائني هدية من السعودية من أحد المعارف، فسعدت به للغاية. وبدأت بالحفظ الفعلي. وأطمح أن أنهي القراءات العشر، وأصبح محفظة للقرآن الكريم، وآمل أن افتتح مشروعي الخاص للبامبو.