بنفسج

قصتي.. حلوة حمامرة

الثلاثاء 16 مايو

أمي أمامي على الأرض مغشي عليها تقريبًا، وقلبي يغلي عليها، وابنتي بأحضاني، أود لو أحتضنها بين أذرعي وأبكي سنوات الفراق، أصابتها جلطة من تضييق الاحتلال عليها بعدما رفضوا ادخال ابنتي للزيارة معها، وطلبوا منها إعادة طفلة تبلغ من العمر 4 سنوات لوحدها، فرفضت، مما أدى لمشادة كلامية أصيبت في إثرها بالجلطة، فأدخلوها بسيارة إسعاف على الزيارة هي وطفلتي، كنت أراها أمامي تلتقط أنفاسها بصعوبة يحاوطها أهالي الأسرى، يا الله ما الذي جرى قلت حينها، لم أكن أعلم ماذا حصل، كل ما أذكره حتى هذه اللحظة بأن هذا الموقف الأصعب على الإطلاق، ما زلت أذكر كل تفصيلة فيه، شعور الوجع لا ينسى، يسبب ندبة في القلب لا تشفى.
حلوة.jpg

أمي أمامي على الأرض مغشي عليها تقريبًا، وقلبي يغلي عليها، وابنتي بأحضاني، أود لو أحتضنها بين أذرعي وأبكي سنوات الفراق، أصابتها جلطة من تضييق الاحتلال عليها بعدما رفضوا ادخال ابنتي للزيارة معها، وطلبوا منها إعادة طفلة تبلغ من العمر 4 سنوات لوحدها، فرفضت، مما أدى لمشادة كلامية أصيبت في إثرها بالجلطة، فأدخلوها بسيارة إسعاف على الزيارة هي وطفلتي، كنت أراها أمامي تلتقط أنفاسها بصعوبة يحاوطها أهالي الأسرى، يا الله ما الذي جرى قلت حينها، لم أكن أعلم ماذا حصل، كل ما أذكره حتى هذه اللحظة بأن هذا الموقف الأصعب على الإطلاق، ما زلت أذكر كل تفصيلة فيه، شعور الوجع لا ينسى، يسبب ندبة في القلب لا تشفى.

أنا حلوة حمامرة أسيرة محررة، تحررت منذ حوالي عشر أيام، بعدما أنهيت مدة محكوميتي البالغة 6 أعوام. لدي طفلة اسمها ميسم تركتها ولم تتجاوز العامين، فقدت حقي في أن أعيش أجمل أيامها برفقتها، أن أراها وهي تقفز وتشاكس، وتبكي لأن زميلتها عاندتها. حين خرجت احتضنت ميسم حضنًا تمنيت حينها لو توقف الزمن عند هذه اللحظة وخبأتها في قلبي طويلًا طويلًا.

"ماما ليش تركتني ٱنا عملت شي ضايقك"، هكذا كانت طفلتي تبدأ حوارها في كل زيارة وأنا بالأسر، وكنت أخبرها في كل مرة بأني أحبها وأنها الأغلى لدي في هذه الدنيا، ولكن سرعان ما تحول الحديث كلما كبرت ميسم إلى انتظار التحرر واللقاء الذي لا يتبعه غياب، كانت تخبرني بأنها تنتظر كل ليلة وتبكي لله باستغاثة أن يجمعها بي ولا يفرقنا، وحين خرجت من السجن بدأت ميسم بتحقيق كل أحلامها التي أجلتها منذ سنوات لتفعلها برفقتي، فطلبت أن أشتري لها زي المدرسة والقرطاسية وقتها قالت: "هاد أحلى مرة أنا بشتري فيها اشي أنا فرحانة"، أرادت أن أطبخ لها أكلاتها المفضلة "بدي أشوف طبخك يا ماما اعمليلي ملوخية ومفتول"، نحن نفعل الآن أبسط الأحلام التي تمنيتها ميسم حين كنت بالأسر.

أمي كانت سندي ومتكئي دائمًا، هي من كانت تحكي لابنتي عني، بفضل الله وبفضلها أنا أتعافي من كل ما مررت به، والأسيرات في الأسر كن بمثابة أخوات لي وعائلتي الصغيرة، حين حان ليلة الإفراج عانقتني كل واحدة منهن بشدة موصية أن أنقل هذا العناق لعائلاتهم، مع كثير من التحيات والسلام، تمنيت وقتها لو أن تحصل معجزة، وتخرج كل الأسيرات من الأسر ونحتفل جميعًا بلحظات التحرر سويًا.

خلال الأعوام الأولى من الأسر، أخذت عهدًا على نفسي أن أكمل دراستي، فحصلت على الثانوية العامة، وحصلت على دورة في القانون الدولي، وقرأت 200 كتاب، وها أنا أطمح لأكمال دراستي الجامعية لأصل إلى أعلى المراتب برفقة ابنتي ميسم، وأسأل الله أن يفرج الله كرب الأسيرات وألتقي بهن في القريب العاجل.