بنفسج

حاتم علي: "من ثبّت الحق لا يموت"!

الأربعاء 17 مايو

"أنا لست فقط أحد أبناء "الجولان" المحتل الذين عاشوا تجربة تتقاطع في كثير من تفاصيلها مع تجربة شخصيات المسلسل "التغريبة الفلسطينية"، ولكنني أيضًا عشت طفولتي وشبابي في مخيم اليرموك، وكنت في عام 1967 بعمر "صالح" الذي كان يحمله خاله "مسعود"، وكنت أيضًا محمولًا بالطريقة نفسها على ظهر أحد أخوالي، بشكل أو بآخر، استطعتُ أن أستحضر الكثير من هذه التفاصيل الواضحة أحيانًا، والمشوشة في أحيان كثيرة، والملتبسة في بعض الأحيان، وأوظفها وأعيد تركيبها مستكشفًا إياها في أحيان كثيرة من خلال العمل نفسه، وكثيرًا ما سُئلت نفس السؤال، وهو كيف يمكن لمخرج غير فلسطيني أن يقدم عملًا عن هذه القضية؟ وأنا شخصيًا كنت أقول إن القضية الفلسطينية هي قضيتنا جميعًا كعرب".

وفي نهاية هذه السنة العجائبية التي لم تبخل علينا بمزيد من الصدمات والأحزان، استفقنا اليوم على خبر وفاة المخرج السوري العربي حاتم إثر نوية قلبية مفاجئة، عن عمر يناهز58 عامًا. هذا المخرج العبقري الذي جعلنا نشاهدُ أنفسنا مرارًا على الشاشات، وشارك مشاكلَنا ومجتمعنا وبيئتنا الخاصة والعامة.

حاتم علي، مواليد هضبة الجولان المحتل سنة 1962، ترعرع في مخيم اليرموك فيما بعد، مهجرًا، صنع لنا تُحفًا واقعية نشاهدها، أوصل لنا فيها الحدث والشعور. طفولته وصباه جعلا منه شخصًا منّا، يشعر بما نشعر ويعيش ما نعيش. لم يتنكر للجولان أو للمخيم. بل خلق من مرورهما بحياته ذاكرةً حية تعيش للأجيال القادمة، ولأجل هذا وُجدت الدراما والسينما بالتأكيد، فلا هدف أسمى.

بدأ حياته كممثل في عديد من الأدوار البسيطة المعبّرة، ومن ثم اتجه للإخراج في منتصف التسعينيات حيث أبدع في الاثنين معًا. في عمله، كانت هناك محطات مفصلية برأيي يترأسها: التغريبة الفلسطينية ورباعية الأندلس.

وهنا يذكرني قوله معبّرًا عن التغربية ومقاربتها من حاله: "أنا لست فقط أحد أبناء "الجولان" المحتل الذين عاشوا تجربة تتقاطع في كثير من تفاصيلها مع تجربة شخصيات المسلسل "التغريبة الفلسطينية"، ولكنني أيضًا عشت طفولتي وشبابي في مخيم اليرموك، وكنت في عام 1967 بعمر "صالح" الذي كان يحمله خاله "مسعود"، وكنت أيضًا محمولًا بالطريقة نفسها على ظهر أحد أخوالي، بشكل أو بآخر، استطعتُ أن أستحضر الكثير من هذه التفاصيل الواضحة أحيانًا، والمشوشة في أحيان كثيرة، والملتبسة في بعض الأحيان، وأوظفها وأعيد تركيبها مستكشفًا إياها في أحيان كثيرة من خلال العمل نفسه، وكثيرًا ما سُئلت نفس السؤال، وهو كيف يمكن لمخرج غير فلسطيني أن يقدم عملًا عن هذه القضية؟ وأنا شخصيًا كنت أقول إن القضية الفلسطينية هي قضيتنا جميعًا كعرب".

حاتم علي‬ الذي عزز الهوية، وروى الظمأ أمام الانسلاخ المجتمعي في كل شيء حتى التلفاز. روى لنا التاريخ بعبقرية وسلاسة كبيرة في الزير سالم مثلًا.

ورباعية الأندلس الشهيرة؛ صقر قريش، ربيع قرطبة، ملوك الطوائف، وسقوط غرناطة (الذي لم يُنتج بعد)، صلاح الدين، التغريبة الفلسطينية، الملك فاروق، عمر، صراع على الرمال وغيرها. رباعية الأندلس، تحديدًا، شكلت جزءًا من وعينا وفهمنا للتاريخ القريب والبعيد. إذ اعتبر كثيرٌ من النقَّاد السينمائيين العرب أن رباعية الأندلس هي السلسلة الأضخم فكريًا وتاريخيًا وأدبيًا في تاريخ الدراما والسينما العربية بالمجمل.

يؤسفني أن حاتم علي رحل قبل إكمال رباعيته، بإنتاج "سقوط غرناطة"، والتي تتحدث عن مملكة بني الأحمر الذي لم ينقصه منذ كتابته في ال 2007 - بقلم الدكتور وليد سيف الشريك المناسب له دائما على خط الكتابة، وإلى الآن، سوى جهة إنتاج.

ولا يمكن أن نقلل من شأن الدراما المجتمعية التي كانت في كامل واقعيتها، حيث تُحاكينا وتتحدث بلساننا كـ الفصول الأربعة، أحلام كبيرة، الغفران، عصي الدمع، قلم حمرة، ندى الأيام وغيرهم الكثير. ولا تكفينا الصفحات في تحليل وتفصيل كل هذا النتاج الجميل، فالإبداع يقبع في التفاصيل والإبداع لدى حاتم مضاعف.

كما وكتب مجموعتين قصصيتين هما: ما حدث وما لم يحدث، وموت مدرس التاريخ العجوز، وكذلك مجموعة من نصوص الأفلام والمسلسلات. مَن لا يعرفون حاتم علي، وهذا الإرث الضخم الذي قدمه لنا، يجهلون تاريخهم القديم والمعاصر، ولغتهم الفصيحة، وكذلك دور وأهمية صناعة السينما والدراما التلفزيونية في تاريخ المجتمعات، وفي تأريخ ماضيها وتثبيته للأجيال القادمة. فلا يمكن لأي متابعٍ للواقع أو للإنتاج المرئي من تلفزةٍ وسينما إلا أن تعي ما مرّ عليها من أباطرة.

كيف لا نرثيك بعد هذا كله؟ وكيف لا نشعر بألم الفقد؟ لقد علمتنا معنى أن تكون مؤثرًا في كل موقع لك في هذه الحياة. وجودك شكّل فرقًا كما هو رحيلك أيضًا.. إلى رحمة الله