بنفسج

ميس داغر: قصص الأطفال برائحة الزعتر والزيتون

الأربعاء 04 أكتوبر

لم تكن القصة بالنسبة لها مجرد حكاية تنتهي بالوصول إلى النهاية، بل أكبر من ذلك بكثير، تغوص في تفاصيل القصة، تسحبك ببطيء نحو عالم آخر بقلمها، فمن الأحياء إلى الكتابة طريق طويل ومتعرج، لكنها نجحت بنيل لقب "قاصة فلسطينية". بدأت تلحظ في نفسها ميلًا للكتابة منذ طفولتها، تنتهي من مشاكسات الصغار لتركض نحو الورقة والقلم لتخط ما يأتي في بالها، الليل صديقها الأبدي، في عتمته تتوارد الأفكار وتبدأ بنسج القصص، فالسكون العام يدفعها نحو الإنجاز.

حب الكتابة منذ الطفولة

نحاور هنا ميس داغر، وهي قاصّة فلسطينية من مزارع النوباني شمال رام الله، وتقيم في بيرزيت. حاصلة على بكالوريوس في الأحياء من جامعة بيرزيت. أتقنت الصغيرة ميس الكتابة في الصف الأول الابتدائي، وكتبت قصة قصيرة وقرأتها على مسمع العائلة، ومن هنا كانت الشعلة التي أثبتت أن الموهبة حاضرة لديها بقوة، فاتخذت من كتابة القصة وسيلة للتعبير عن ما يجول في خاطرها من حديث، وكانت تحب قراءة القصص على اختلافها لا تفضيل لقصة على أخرى".
 
تقول لبنفسج عن أول قصة خطها قلمها: "كانت قصة رمزية كتبتها بعد أن تعرّفت للمرة الأولى على قصة احتلال فلسطين في العام 1948، محاولة تعبيرية بسيطة عمّا تمثّل في ذهن طفلة في السادسة من سيرة الوطن. بخلاف تذكّري لموضوعها العام وشخوصها، لا أحتفظ باقتباسات أو أجزاء منها".

نحاور هنا ميس داغر، وهي قاصّة فلسطينية من مزارع النوباني شمال رام الله، وتقيم في بيرزيت. حاصلة على بكالوريوس في الأحياء من جامعة بيرزيت. أتقنت الصغيرة ميس الكتابة في الصف الأول الابتدائي، وكتبت قصة قصيرة وقرأتها على مسمع العائلة، ومن هنا كانت الشعلة التي أثبتت أن الموهبة حاضرة لديها بقوة، فاتخذت من كتابة القصة وسيلة للتعبير عن ما يجول في خاطرها من حديث، وكانت تحب قراءة القصص على اختلافها لا تفضيل لقصة على أخرى، يكفيها أن تكون ذات أسلوب جميل ومشوقة.

وضعت الفتاة المشاكسة التي تهوى الألعاب الصبيانية وترافق صبية الحي، الكتابة في المقدمة، فعكفت على التدوين بطريقتها البسيطة، تقول لبنفسج عن أول قصة خطها قلمها: "كانت قصة رمزية كتبتها بعد أن تعرّفت للمرة الأولى على قصة احتلال فلسطين في العام 1948، محاولة تعبيرية بسيطة عمّا تمثّل في ذهن طفلة في السادسة من سيرة الوطن. بخلاف تذكّري لموضوعها العام وشخوصها، لا أحتفظ باقتباسات أو أجزاء منها".


اقرأ أيضًا: كيف يصاحب أبناؤنا الكتب؟ تجربة ثرية لميمونة دغلس


أُعجبت العائلة بما كتبته ميس الصغيرة آنذاك، ولكنها لم تأخذ الأمر على محمل الجد، كان مجرد إعجاب عابر بنص لفتاة صغيرة، لكن العلاقة بدأت تأخذ منحى آخر في المدرسة الثانوية، فقد لاقت الدعم الكبير من معلماتها آنذاك، فتشكلت العلاقة بالكتابة أكثر. أكملت ميس المسير نحو احتراف الكتابة القصصية، وبالرغم من دخولها لتخصص الأحياء في الجامعة إلا أنها وازنت بين دراستها وحبها للكتابة. وأطلقت أول إصدار لها "الأسياد يحبون العسل".

تضيف عن مجموعتها القصصية الأولى التي بزغت للنور في عام 2013: "فكرة إصدار المجموعة لم تولد فجأة، بل كانت نتيجة تلقائية لوصول النصوص إلى عدد يؤهلها للنشر في كتاب. فتولى عملية النشر مركز أوغاريت في رام الله. وممّا يطيبُ لي أن أقتبسه من إحدى قصص المجموعة: "وكاد يُغمى على الخالة ثروت من فرط الضحك، وهي ترى جروين صغيرين جديدين، يسيران خلف كلبتها. واستنتجت الخالة على الفور أنّ الكلاب تتقن التطبيع أكثر من أيّ أحدٍ آخر".

ميس داغر: قصصي كما الأبناء للأم

1-26.jpg
قصص القاصة الفلسطينية ميس داغر

توالى العمل في مجموعات قصصية أخرى وهي ما جرى في الدومينيكان ودعوة إلى استلقاء طويل إضافة لمجموعة كتب لليافعين، فسألنا ميس أيهما من مجموعاتك القصصية الأحب إلى قلبك، تجيب: "من ناحية المحبة أحبها جميعًا، فهي لي كما الأبناء للأم. لكن بإمكاني القول إنّ مجموعتي القصصية الثانية "معطف السيدة" كانت أكثر الإصدارات تعبيرًا عن ذاتي وما يجول في خلدي".

يعتري ميس شعور عارم بالكتابة ما بعد منتصف الليل، وقت الصفاء والهدوء، تقول: "أجمل نصوصي في الغالب قد كتبتها بعد الثانية فجرًا، ومع الأسف، مسؤوليات النهار لا تتيح لي فرصة العيش بهذا النمط المقلوب للتوقيت، لهذا السبب اضطررت إلى التعوّد على الكتابة خلال النهار، أو في ساعات المساء الأولى، مع منح نفسي حرية خرق هذا النظام بين وقت وآخر".

رضخت لسطوة التكنولوجيا وفقدت علاقتها بالقلم والورقة منذ وقت طويل، إذ تكتب قصصها مباشرة على حاسوبها. وعندما سألتها كيف تخطر لك الفكرة وأنتِ أمام جهازك: أجابت: "أنتِ لا تعلمين بالفكرة إلا بعد أن تخطر لكِ، لذا فسؤال "كيف تخطر لك الفكرة"، أودّ مثلك لو أعرف له إجابة. لكن تعلمت بالتجربة أنّ هنالك ممارسات وظروف أستطيع بتهيئتها أن أستدعي الأفكار".

تكمل: "فمثلًا، العزلة مع الانقطاع عن الإنترنت، الاستماع إلى نوع الموسيقى الذي يُسمّى "موسيقى للتأمل والصفاء الذهني"، وذلك على الرغم من أنني لم أصدّق قبل تجربتها أنه يمكن لهذه الموسيقى إحداث تأثير ذهني فعلي. قراءة الأدب، وهذه من أكثر الممارسات إيقاظًا لرغبتي في الكتابة إن كنتُ مستغرقة فيما أقرؤه. مع أن هذه الطريقة في استدعاء الأفكار تحمل خطورة انعكاس النص الذي أقرؤه في المقابل الذي أكتبه".

تتخذ ميس من ذاتها محفزًا لها، تحب التعبير عن نفسها في القصص، دعمها الله بأساتذة منحوها الرعاية والدعم المعنوي لتكمل ما بدأته، ولتتخطى لحظات خفوت الشغف، وتعتبر هذا من حسن حظها.

العائلة "نور لا ينطفئ"

 
أما عن عائلتها الصغيرة التي تفتخر بها تقول بحب: "عائلتي يقرؤون أعمالي على هامش نشاطاتهم الحياتية، زوجي يحب ما أكتب، لكنه لا يقرأ من نصوصي سوى القصيرة، إذ لا صبر لديه على قراءة النصوص الطويلة، أما أبنائي، فإنهم يحبون نصوصًا ولا يحبون أخرى، وهم لا يتورعون عن إخباري بأنّ نصًا ما مملًا أو سيئًا أو حتى ساذجًا، عائلتي بسيطة وعفوية، ويريحني النأي إليها هربًا من تعقيدات واقع الثقافة".

أما عن عائلتها الصغيرة التي تفتخر بها تقول بحب: "عائلتي يقرؤون أعمالي على هامش نشاطاتهم الحياتية، زوجي يحب ما أكتب، لكنه لا يقرأ من نصوصي سوى القصيرة، إذ لا صبر لديه على قراءة النصوص الطويلة، أما أبنائي، فإنهم يحبون نصوصًا ولا يحبون أخرى، وهم لا يتورعون عن إخباري بأنّ نصًا ما مملًا أو سيئًا أو حتى ساذجًا، عائلتي بسيطة وعفوية، ويريحني النأي إليها هربًا من تعقيدات واقع الثقافة".

وعن أبنائها ومن ورث منهم الحس الأدبي منها، توضح بابتسامة: "ابنتي سلمى في الثانية عشر عامًا، أصبحت تدهشني مؤخرًا بالنصوص التي تكتبها، وتذكّرني بنفسي عندما كنتُ في عمرها، مع العلم أنّ العديد من النصوص التي أكتبها وتُعجِب من هم في جيلها، لا تعجبها، أمّا فارس ذي التسعة أعوام، فلا بوادر لديه حتى الآن تؤكد إن كان سيولي الكتابة عناية خاصة، لكنّه شغوف بسماع القصص، وكثيرًا ما يجبرني على القراءة له من كتاب "قول يا طير" ليضحك كثيرًا قبل النوم".

وما هو الموقف الأصعب في حياتك وكيف انعكس على رغبتك في الكتابة؟ تجيب: "أشعرتني تجربة الأمومة أنّ ذاتي الحقيقية سقطت في بئر ويتوجّب عليّ انتشالها. لذا كان التحدي الأكبر بالنسبة لي إصدار مجموعتي القصصية الأولى بعد عامين من إنجابي الأول، فهذا الإصدار كان يعني بالنسبة لي استردادي لنفسي وإعادة حياتي إلى المسار الذي ينبغي لها أن تكون فيه".

تصلها ردود فعل مختلفة من الصغار حول قصصها، وهذا يسعدها، قيل لها مرة من فتى يافع "معروف عنكِ أنك تجدّدين باستمرار في مفرداتك المستخدمة"، ترد ميس على هذا بالقول: "لا أعرف من أخبره هذه المعلومة أو كيف استنتجها، أو ما إن كانت صحيحة أم زائفة، لكنّني وجدتُ فيها إطراءً مما يحب الكاتب أن يسمعه".


اقرأ أيضًا: حفيدة الطنطاوي: حكايات نسجت سيرة ذاتية ملهمة


تخطط ميس لمشاريع كثيرة لكن الوقت لا يسعفها لذلك، وتتمنى أن يصبح اليوم أطول بكثير لتستطيع الإنجاز أكثر، ويشغل بالها كثيرًا فن الكتابة والرسم الكاريكاتيري، وتفكر بشكل جدي في العمل على إنتاجٍ ما في هذا المجال.

لم تنس ميس قبل نهاية حديثها أن توجه دعوة للكاتبات الجديد، وتقول: "تأكدن أن تكون دوافعكن للكتابة ذاتية بحتة، منقطعة عن الشخوص وعن تقلبات الظروف. ثقن في أنفسكن ولا تعبأن بمظاهر التنمر الذكوري التي ستواجهنها في عالم المثقفين". وتختم حديثها: "أطمح أن أكُون نفسي في يومٍ ما، نحن نعيش مكانًا وزمانًا يُجبرانا على أن نكون أشخاصًا آخرين".