بنفسج

ليتني كنت معهم، فأفوز فوزًا عظيمًا

الخميس 12 أكتوبر

لسان حال كل مغترب من مدينة غزة يأكل قلبه حسرة وخوفًا، لماذا خرجت؟ ولماذا أنا بعيد عن أهلي وعائلتي وأصدقائي؟ ماذا قدمت لي الغربة في هذه اللحظات غير الألم والصراخ بصمت! ليالٍ تتوالى لا ينام المغترب خوفًا من أن يخذل أهله، يسأله أحدهم مستفهمًا وإن حدث ما تخشاه ماذا تفعل، يكذب إحساسه ومشاعره ويتجاوز التفكير بجواب السؤال، في الأصل هذا سر الخوف المريب الذي يعيشه إجابة هذا السؤال ماذا لو حدث ما نخشاه؟

تغيب عينه عن شاشة الجزيرة قليلًا ويلتهي بأمرٍ طارئ ربما دقائق معدودة ليعود سريعًا يتفقد أولًا مجموعة الواتس للعائلة ،هل كتب أحد شيئًا؟ ثم ننتقل للأصدقاء ويذهب للماسنجر مرتبكًا بشكل سريع هل هناك أي رسالة، من بعدها يتفقد الفيس بوك ليقرأ التعازي التي لا تنقطع، جولات سريعة مريبة جدًا في جزء من الدقيقة تنقطع فيه أنفاسه حتى يجلس مكانه يعود للمتابعة الطبيعية، يشعر ببعض الأمان، ثم سرعان ما يخطر بباله أخاه أو أخته أو أحد أقربائه، لم يظهر أون لاين منذ مدة بسرعة، يتفقده بأي طريقة كانت من قريب أو غريب حتى يظهر ويسجل تواجده على قيد الحياة بجملة "لازلنا بخير". 

  نعم، هذا الجواب الذي بتنا نسمعه! لا يتحدثون إلا بمعاني القضاء والقدر والصبر يرون لك حكايا الصحابة بكل ثقة و بأن الموت قدر محتوم ولا مفر منه إن وقع. أحقًا قلبت المعادلة أليس العائلة هي من تعيش قلقة على ابنها المغترب منذ متى يقلق المغترب على عائلته..

ثم ماذا...

يأتي الليل الدفين ويصمت العالم الذي يعيش فيه المغترب كل في بيته آمن لتخرج طائرة سفر عادية تجعل الانسان، يصاب بانفصال عن الواقع ويظن أنه تحت صوت الطائرات في غزة. والمرعب في تلك اللحظة لو سقط شيء على الأرض أو أقفل أحدهم بابًا تصاب بنوبة ذعر تنسيك أين أنت.

ينام العالم، وأكاد أجزم لا مغترب ينام دقيقة واحدة، وإن غفت عينه قام فزعًا وعاد لنفس الجولة السابقة بحثًا عن صوت حياة. ويا عفو الله إذا قرأ خبرًا عن استهداف مكان فيه قريب أو حبيب أو صديق، يكاد يشعر أن أقدامه لا تحمله، يرسل بشكل عشوائي لكل من يعرفه قريب من المكان، تقتله الرسائل التي لا تصل ويثلج قلبه اللون الازرق الذي يظهر على إشارة الصّحين في الواتس آب يجلس مكانه يتنهد ويتأكد لقد نجوت من هذه الضربة.

يخرج الصباح، الكل في ذلك العالم يبدأ روتين حياته الطبيعية بكل نشاط وحيوية إلا ذلك المغترب، قلبه يعتصر ألمًا وخوفًا وغضبًا، وهو مجبر على إخفاء كل هذا ليتعامل مع العالم كشخص عادي وإن فكر أن يشارك مشاعره مع أحدهم تقتله ردة الفعل اللا مبالية، وربما توجت بدعوة خجولة ليجاملك، فهو لا يعنيه شيء غزة قتلت أم بقيت هو يأخذ راتبه في نهاية الشهر ولديه خطته السنوية، ويعيش حياته الطبيعية وبالنسبة للدين والاسلام فهو بحكم العادة مسلم لكن لم يصله حديث رسول الله المسلم أخو المسلم، ولا يعرف ما علاقة غزة بمسرى رسول الله، ولا لماذا غزة تقاتل، أكبر همه كم سيكون سعر صرف الدولار اليوم.

ينام العالم، وأكاد أجزم لا مغترب ينام دقيقة واحدة، وإن غفت عينه قام فزعًا وعاد لنفس الجولة السابقة بحثًا عن صوت حياة. ويا عفو الله إذا قرأ خبرًا عن استهداف مكان فيه قريب أو حبيب أو صديق، يكاد يشعر أن أقدامه لا تحمله، يرسل بشكل عشوائي لكل من يعرفه قريب من المكان، تقتله الرسائل التي لا تصل ويثلج قلبه اللون الازرق الذي يظهر على إشارة الصّحين في الواتس آب يجلس مكانه يتنهد ويتأكد لقد نجوت من هذه الضربة.

نعود لذلك المغترب الذي تعطلت حياته في بيته وخارت قواه بشكل كامل ويدرك جيدًا أنه يستنفذ طاقة كبيرة لن تكفيه إن طالت المدة، لكن ماذا يفعل يخبرونه تجنب الاحتراق وتابع فترة بعد فترة.

وهل تستطيع أن تبقى ثانية وأنت تشك بأن أمك ترتجف خوفًا أو أن طفلًا تعرفه ربما أصابه شيء، ربما شقيقتك تصرخ خوفًا ربما مس أحدهم ضرًا، لا تفتئ تلك الاسئلة أن تخرج من عقلك لحظة.

نعود هنا مرة أخرى لسؤال ماذا ستفعل وإن حدث ما تخشاه، ونعود للموت البطيء خوفًا من أن نعرف إجابته.