بنفسج

أطفال برائحة الموت: بعض من رواية الحرب في غزة

الجمعة 13 أكتوبر

قبل أن يتوفى الله  جدتي فاطمة، وفي حرب 2014 على غزة، كنت أعمل منتجة أخبار في إحدى الفضائيات الفلسطينية، اتصلت جدتي مشتاقة ومعاتبة: "بعرف يا ستي إنك مشغولة، وإنه مع الحرب بتشتغلي ليل نهار! بتعرفي يا ستي: كل ما أشوف عاجل ع الأخبار إنهم قصفوا دار لناس،  بقول بعقلي يا رب يستشهدوا كلهم، أنا من وجعي يا ستي بخاف لللي بظل يحمل حسرة اللي راح"!

بصراحة، ما قالته جدتي آلمني، آلمني لحد الانفصام! كيف من شدة الوجع تتمنى أن تموت العائلة كاملة! أن تختفي قيودها من السجل المدني، لأجل أن لا يتحسر أحد على أحد، فالموت لا يؤلم الموتى، وهذه هي الحقيقة.فماذا نفعل نحن العاجزين المتسمرين خلف الشاشات؟ نقلب بين الكلمات، الفيديوهات، المناشدات، حوقلات من هم تحت القصف! جزعهم وخوفهم، ونبلع حسراتنا ودموعنا؟

بعد دقائق، نفس الأشخاص الذين قرأنا منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضهم شهيد، وبعضهم تحت الأنقاض، وبعضهم يتمنى السلامة لقريب قد قصف منزله منذ ثوان، وصور على شكل أشلاء، وأكفان صغيرة، وأكفان كبيرة، ووجوه تغبرت، ووجوه غطى ملامحها الدم.

تكسر البيت فوق روسنا، ما عرفت كيف شلت بنتي جوا حضني وصرت تحت البيت بغمضة عين بعد ما كنت عالتالت، شلتها ومشيت فيها تحت الضرب والأصوات وأنا نفسي أفتح بطني من مطرح ما طلعوها وأرجعها.‏
 
ماشية ومش شايفة قدامي غير إني بدي ألزّق فيها، أشم ريحتها لآخر  وأنا كلشي جواتي بقول ياريتك ما إجيتي ع هالدنيا. لطفك ورحمتك يا الله”.


تسيطر شهوة الموت على كل شيء، ونستمر بالتقليب بين المنشورات المليئة بصور الأطفال والشهداء والجرحى والمفزوعين، حتى تتعثر أصابعك في منشور أحد الأمهات الذي تقول فيه : "تكسر البيت فوق روسنا، ما عرفت كيف شلت بنتي جوا حضني وصرت تحت البيت بغمضة عين بعد ما كنت عالتالت، شلتها ومشيت فيها تحت الضرب والأصوات وأنا نفسي أفتح بطني من مطرح ما طلعوها وأرجعها.‏ماشية ومش شايفة قدامي غير إني بدي ألزّق فيها، أشم ريحتها لآخر نَفَس وأحك وشي بوشها وأنا كلشي جواتي بقول ياريتك ما إجيتي ع هالدنيا. لطفك ورحمتك يا الله”.

تخيلوا أن مبلغ أمر الإنسان  هو إحياء سنن الله في عمارة الأرض، ويفني عمره وحياته وتعبه لأجل أطفاله، أو من أجل أن ينجب أطفالًا، وفي لحظات اشتداد الكرب تتمنى لو أنك تعيده نطفة إلى رحمك، حتى لا يمسسه أذى، هناك في أحشائك حيث لا تطاله القذيفة.ولكن مهلاً! تحت القصف الدنيا مليئة بالأشلاء، لا مكان آمن حتى لو بلعت أطفالك! القذيفة ستمزق كل شيء.
 تجمد كل شيء، كل شعور، فقط تركت الهاتف ورحت أقبل أطفالي وأتحسس وجوههم، فلا شيء يخيفنا في هذا العالم أكثر من الأكفان الصغيرة!


في هذه اللحظة  التي أكتب فيها هذه التدوينة، ومع انتصاف اليوم السابع في حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، بحثت في بينات وزارة الصحة عن عدد الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل! من كثافة الموتى، لا إحصائيات.
في كل ثانية غارة، وشهية الموت تلتهم صغار غزة، ولكن التقديرات تشير إلى أن ال 1600 شهيد الذين استشهدوا حتى هذه اللحظة،  نصفهم من الأطفال.

إسرائيل التي وجهت ماكنتها الاعلامية في اتهامات باطلة حول قطع رؤوس الأطفال والنساء في مستوطنات غلاف غزة، واستعطفت القاصي والداني، المنحاز أصلًا للرواية الصهيونية، وتباكى الإعلام حول ذلك بقبح شديد!  اتخذت ذلك ذريعة لمزيد من الهمجية تجاه المدنيين العزل الأبرياء، ووضعت بنك أهداف مليء بالأطفال الرضع والشيوخ الركع!