بنفسج

تطهير عرقي وإبادة جماعية: صور من جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة

الإثنين 16 أكتوبر

هذا المقال موجّهٌ لأولئك الذين يقفون بجانب الاحتلال ويعلنون بوقاحةٍ دعمهم له ولانتهاكاته وخوفهم على مستوطنيه، وأولئك الذين لا يتّخذون موقفًا ممّا حدث، يتستّرون بالحياد أمام إبادةٍ جماعيةٍ تحصل على العلن، في بلادٍ تحمل أعدل القضايا منذ القدم، هؤلاء الذين قال عنهم دانتي أليغييري: "أحلك بقاع الجحيم ستكون من نصيب أولئك الذين يلتزمون الحياد أمام المحن الأخلاقية"، وللذّين لا يكترثون من الأساس، عديمو النخوة والشرف، المفتقرون إلى القضية، الذين يواصلون عرض حياتهم الطبيعية، وتفاصيل ملبسهم ومأكلهم ومشربهم على مرأى ومسمع من الضحايا والمكلومين والمتألمين. 

لا يعقل أبدًا أن تكون الصورة ضبابيةً إلى هذا الحدّ! إلى الحدّ الذي لا يمكن التفريق فيه بين صاحب الأرض والمحتلّ، إلى حدّ عدم استكشاف الإزدواجية المعيارية في التعامل مع القضايا، والإصرار على تحويل الاحتلال -الذي يقصف غزة الآن بأكثر من 6000 آلاف قذيفة يتجاوز وزنها 4 آلاف باوند، وينحطّ إلى أسفل المستويات الأخلاقية ليقتل المدنيين بغية الضغط على المقاومين- إلى ضحيةٍ مسكينةٍ تحتاج دعمًا ومناصرة، ومحاولة عقد مقارنة ثنائيةٍ بين مقاومة تردّ على انتهاكاتٍ استمرّت طوال الأشهر الماضية، لم تفرّق بين الكبير والصغير وبين الرجال والنساء، وطالت كلّ مناطق فلسطين من الضفة إلى غزة إلى القدس، وبين احتلال يغتصب الأرض ويخترق القوانين الدولية ويفرض الحصار ويأسر الآلاف ثمّ يتحوّل فجأةً إلى وديعٍ مسكينٍ لا يريد إلّا السلام! لا مجال للمقارنة، وأيّ فعلٍ لذلك لا يتعدّى كونه شريكًا في الجريمة أو غبيًّا غباءً شديدًا. 

انتهاكاتُ الاحتلال: من الإبادة إلى التهجير  

غزة.jpg
الغارات الإسرائيلية مستمرة على قطاع غزة لليوم العاشر على التوالي 16- أكتوبر-2023

يتحوّل قطاع غزة الآن إلى أكبر مجلس عزاءٍ مفتوحٍ في العالم. أكثر من 1537 شهيدٍ إلى الآن، أكثر من 6 آلاف جريح، أكثر من 400 ألفٍ فلسطينيّ نزحوا من بيوتهم، عدد الأطفال الشهداء تجاوز 400 طفل، عدد المدارس المهدّمة 67، عدد المساجد المقصوفة تجاوز 17 مسجدًا، عدد المكاتب الإعلامية المقصوفة وصل إلى 46 مكتبًا، ثمّ طال الاستهداف بكلّ وحشيةٍ 13 سيارة إسعاف تحمل الجرحى إلى المستشفيات. الدمار في كل مكان، الخرابُ طال الأرجاء، وإسرائيل لا تتوقّف عن مخالفة المعاهدات والقوانين الدولية. 

عائلاتٌ مسحت من سجلات الحالة المدنية

عائلات نهائي.png
عائلات بأكملها تشطب من السجل المدني بعد العدوان الإرسرائيلي الغاشم على غزة

ثمّة إبادةٌ مستمرّةٌ لا يبدو أنّها ستتوقف؛ حوالي 20 عائلة استشهدت دفعةً واحدةً جرّاء القصف حسب تقارير أولية، برجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها، لم يتبّق منهم أحد يحمل اسمهم أو يروي قصصهم: في عائلة أبو هلال أكثر من 12 شهيدًا بينهم 3 أطفال، في عائلة المدهون 14 شهيدًا بينهم 10 أطفال، العدد ذاته في عائلة أبو زهير اللّحام وعائلة شملخ، في عائلة أبو سمير القطناني 15 شهيدًا، في عائلة أبو قوطة 19 شهيدًا، في عائلة جميل الزعانين 21 شهيدًا. هذه ليست مجرّد أرقام، هذه أرواحٌ وأحلامٌ وقصصٌ يستهدفها الاحتلال ليثبّط عزيمة المقاومين ويكسر حاضنتهم. "جنودنا يقتلون جنودهم، جنودهم يقتلون أطفالنا". 

قذائف وفوسفور وجرائم حرب 

tst,v kihzd.png
لم يترك الاحتلال الإسرائيلي أي محرم من محرمات القانون الدولي إلا وانتهكها في عدوانه على غزة أكتوبر 2023

إسرائيل لا تخترق القانون الدولي فقط، هي تتفنّن في انتهاكه، كأنّما تقول بأنّ الجميع يخضعون للقانون ماعداها. ما يرتكب في غزة الآن أكثر من جريمة حرب وفقًا للمعاهدات الدولية، يقصف الأبرياء بالفسفور المحرّم، وتستهدف سيارات الإسعاف، ويقتل الصحفيون، ويعلن بكلّ تبجّح عن أكثر من 6000 آلاف قذيفة وجهت للقطاع. يقول مارك غارلاسكو الخبير العسكري السّابق في الأمم المتحدة: "القنابل التي ألقتها إسرائيل على قطاع غزة في أسبوع أكثر من القنابل الأمريكية الملقاة على أفغانستان خلال عام". 

خطة تهجير ممنهجة

تهجير نهائي.png
يأمر الاحتلال السكان المدنيين بالخروج من منازلهم نحو جنوب القطاع ثم يقوم باستهدافهم.. لا مكان آمن

تعلن إسرائيل في 13 من الجاري عن ضرورة نزوح سكان شمال غزة إلى جنوبها خلال 24 ساعة في إطار حرب نفسية يخوضها الاحتلال لتثبيط السكان وتخويفهم، والضغط على المقاومة لإطلاق سراح الأسرى، ويعلن مسؤولون قبلها بأنّ على المدنيين الانتقال إلى مصر عبر المعبر الذي قامت هي بتدميره قبل يومين. تريد إسرائيل أن تتبرّأ قليلًا من المسؤولية أمام العالم، وتنجح بالمقابل في تهجير السكان وطردهم بشكل غير مباشر، تريد أن تحدث نكبة ثانية، هذا على الرغم من إصرار المتحدث باسم الأمم المتحدة على أنّ المنظمة تناشد بقوة إلغاء قرار ترحيل السّكان لتجنب وضع كارثيّ. 

لا ماء ولا غذاء ولا حياة 

أزمة المياة.png
حصار محكم على أهالي قطاع غزة، بعد بدء عملية طوفان الأقصى، لا ماء ولا غذاء ولا إنتزنت

لا تصل المساعدات إلى غزة، الماء مقطوع بالكامل سوى بعض الآبار القليلة المتواجدة داخل القطاع، وأهل غزة ينوون الصيام احتسابًا للأجر بسبب نفاذ  الغذاء، تقارير الأمم المتحدة تقول بأنّ الإمدادات توشك على الانتهاء، والليل يتحوّل إلى كابوس طويل نظرًا لانقطاع الكهرباء في البيوت والمستشفيات، ممّا يجعل كلّ جريح شهيدًا سلفًا لعدم تمكّن الآلات الطبية من إنقاذه في الوقت المناسب. 

الصورة الإعلامية الكاذبة

Ekran görüntüsü 2023-10-16 120107.png
صور تظهر كيف يتعامل المقاومون مع الأطفال، في حين أن أكثر من 60% من شهداء العدوان هم من الأطفال

يقول مالكوم إكس: "إذا لم تكن حذرًا، فستجعلك الجرائد الإخبارية تكره الناس الذين يتعرّضون للاضطهاد، وتحبّ الذين يقومون باضطهادهم". منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، وإسرائيل تشنّ حملةً مسعورةً من بروباغاندا إعلامية مضلّلة وكاذبة. كلّ الوسائل الإعلامية الغربية نشرت عن اغتصاب حماس للنساء، وقطع رؤوس أكثر من 40 طفلًا. ورغم إعلان البيت الأبيض لاحقًا عن عدم تأكيده للمعلومة، إلّا أنّ هذه الأخبار الكاذبة كانت قد وصلت إلى كلّ بيوت العالم وثمّة الكثير ممن صدّقها في الغرب. 

هذا التجييش الإعلاميّ الذي يضع إسرائيل موضع الضحية ويصوّر حماس على أنّهم شرٌّ مطلقٌ من أجل نيل التعاطف الدولي وتبرير الجرائم المرتكبة رغم سوئه إلّا أنّه يدلّ على الهشاشة والرخاوة التي تعاني منها أسس الاحتلال، فلو كان صاحب الأرض ما اضطرّ إلى الكذب لإثبات وجهة نظره. 

وفوق كلّ هذا، يصف الاحتلالُ الناس بالحيوانات البشرية، هذا المصطلح الذي ورغم أنّه قيل للفلسطينيين، إلّا أنّه موجّه إلى كلّ العرب، لأنّ إسرائيل تتعامل مع الجميع على حساب العرق والدين، وتضع كل العرب بمن فيهم فلسطين في خانة "العرب المسلمين"، بالإضافة إلى الاختلاف في تعاطي الدول الغربية  مع الأزمات في الشرق الأوسط مقارنةً بالمنطقة الغربية، وازدواجية المعايير، فهل ثمّة -بعد كل هذا- من لا يزال يلزم الحياد ويتشدّق قائلًا: "فلسطين ليست قضيتي"؟!