بنفسج

هُنا غزة: صمود وثبات والتفاف شعبي حول المgاومة

الجمعة 20 أكتوبر

أي قلبٍ يحتمل سماع صخيب الدمار، صيحاتِ الأبرياء، مناداة الحرة أولادها، أي قلب يستطيع استنشاق الدخان الممزوج بعوقلة الأحداث واحتراق الأسماء، أي قلبٍ هذا يقدر أن يمد بصره لرؤية الأشلاء تنتشل من بين الركام ..كل هذه التساؤلات لا يقدر عليها هذا القلب من استرجاعه لنحيب طفلٍ سالت دماؤه إلى مسنٍ هدّمت دياره...

 كلها أحداث راجت طائفةً في المكان، تبثُ فيه عناقيداً من الأكفان، لكن ما يثبت زلزلة هذا القلب عندما يَطِل علينا شيخٌ يقابل ما أصابه من فقدٍ لعائلته بالحمد المجلل بالصبر، عندما تهتف طفلة أن هذه الأرض لنا ولن نخرج منها بأي ثمن، صورةٌ للجدة تترسم علامة النصر يديها، لربما جعلني هذا المسن أرى أن صبر كل هذا العالم مختبىء وراء عينيه، لقد أفنى عمره في تعمير بيتٍ بما يقارب الأربعين عاماً ولم يتلفظ سوى أنه فداءً للأقصى...

رجفاتُ تلك الممرضةٍ كأنها تزفُ الخبر المنير لابنتها معلنةً استشهاد زوجها ، كل هذا رحماتٌ من الله أسكنها قلوبهم لتستحمل المصاب الجلل، أقلب هذا الطفل "كمال" سيشعر بالطفولة مرة أخرى لما تنأى عن أخيه وهو يناديه مستنجداً يتلافظ الحجارة أنفاساً أخيرة، أيعقل أن أُذن هؤلاء الأطفال ستعود لتسمع ضحكاتِ الطفولة، أم ستظل تتردد انفاجاراتٍ تحفها الصرخات دامية؟أيعقل أن نظراتهم تعود مطمئنة لهذا العالم ؟ هل ستظل الطائرات تعني لهم الخوف والنظر للسماء يقتضيه خسارة روحهم؟ هل سيعودون يهتفون لسيارة المثلجاتِ من جديد؟

لأجل الصحافي الذي لم ير أولاده وعائلته طوال فترة الحرب، حتى تلقى اتصالًا ينبئه باستشهادهم، لأجل الطبيب في غرقة الطوارئ، غارقة يديه بدماء الأبرياء، يركض لهذا وذلك، يحاول بكل ما أوتي من قوة وعزم لإنقاذ الأرواح من حوله، هذا يلفظ آخر أنفاسه، وهذا جرحه نازف، وهو يعلم أن المواد قد نفدت، والأجهزة ستتوقف عن العمل في أي وقت...ينادونه فجأة: هذا ولدك، تعال، تعرّف إليه، وهذا الطبيب المنهك يتماسك، لا وقت للانهيار، لا مجال للبكاء، لا مكان يسقط إليه، عليه تقبيل ولده وتوديعه والعودة إلى الذين يزالون على قيد الحياة أو حافتها.

لأجل المسعف الذي لا يتوقف لبرهة، دون انقطاع، دون تنفس، يحمل سيارة الإسعاف أو تحمله، لا فرق، المهم أن يصل إلى البيوت التي سُويت بالأرض، يتحسسون ما بقي فيها، ولا آلات، ولا معدات، يحفرون بأيديهم بأقدامهم، بأنفاسهم، يتسللون إلى الأصوات التي تأتي من تحت الأرض، علهم يلتقطونها حتى لو كانت متقطعة، المهم أن تأتي. هذا المسعف تتحول يداه إلى مقبرة من كثرة الأرواح التي حملها، وصدره أرضًا حمراء من كثرة الدماء...يحمل أكياسًا ليلم أشلاء المجهولين من الأطفال. وربما، يحمل جسدًا لرفيقه، يقفز فوق صدره ليسعفه، يضغط بكل جسده ليمنحه الحياة: تنفس! أفق! لا وقت للموت يا رفيق!

لأجل كل هذا "لا تصالح"، اجعلهم بين عينيك هدفاً وفي صلواتك دعوةً ،"لا تصالح " لأجل أطفالٍ رُضّع وشيوخ رُكّع ونساءٍ صُنّع، اجعل وجهتك سماع نحيبهم وتشريد قلوبهم، لا تنسى ما فتكوه بأهلنا من دمار، جعلوا غزةَ يلوذها الغبار، ورغم كل هذا تبقى شامخةً يقطُن الشهداء ببطنها فواحةً للياسمين رائحةً وللأقحوان نثراً في أرضها، أما عن سمائها صافيةً تتودد طيور السلام عيشها وارتسام غيومها.