بنفسج

وفقًا لتقويم الأمم المتحدة: أكتوبر اللاعنف في غزة!

الأحد 05 نوفمبر

ما كل الشهور يا بني البشر، ما كل الأعوام، وما كل المناسبات، وما كل الأوقات عندما تقوم الحروب. هل هي للاحتفال، للغناء، لقالب حلوى، لإطفاء الشموع أو إشعالها، لما هي ولمن هي؟ أهي لشعوب السلام، ودول الرفاهية، أهي طوباوية تحلم بها الشعوب المقهورة، لمن هي؟ للعمال هي؟ إنهم يسحلون ويعذبون على مرآى من العالم. يقولون: لقمة العيش أستجدي أيتها الأيام العالمية! للسلام، للاعنف، كيف وأنّا السبيل إليها والأطفال يقتلون، والحوامل يعدمن، والأبنية تهدم، والمستشفيات والمدارس تقصف، والحيوانات تذبح.. أي الممرات نسلك لبلوغ هذه الأيام!

أيّ أكتوبر، أيها البهي الجميل، شهر العذوبة والرومنسية، شهر الخريف، تتبدل فيك الأشياء، وأي الأشياء ظلت، أيها بقي من الأحبة والتفاصيل... ذهبنا مكانًا سويًا، شربنا، أكلنا، ضحكنا..ولكن، ذهب المكان، وذهبنا، وذهبت ضحكاتنا...أيا أكتوبر، قد كنت ورديًا في ما مضى، فأين ذهبت بنا...

اليوم العالمي للاعنف...سخرية مضحكة

مستشفى.jpg
صورة للقصف الذي طال المستشفيات في غزة- حرب طوفان الأقصى- أكتوبر 2023

مطلعه اليوم العالمي للمسنين، للجدة والجدات، وما أعزهم، وأغلى رائحتهم، أهو يوم جدي وجدتك؟ أم أجدادهم هم، أصحاب الكرامة والإنسانية؟ هذا العالم يقول إنه يوم حقوقهم والتوعية بصحتهم وتقديرهم وشكرهم، وها هو الاحتلال الغاشم أثناء قصفه لغزّة لا يعبأ بالمسنين وسلامتهم، فمسنّو غزة لا يحتفلون بهذا اليوم وعلى الأغلب لم يسمعوا فيه رغم أنه يومٌ حددته الأمم المتحدة.

أما ثاني أيام شهر أكتوبر فهو اليوم العالمي للّا عنف؛ ففي الشهر الذي يجتمع فيه العالمُ للاحتفال بالسلام ونبذ العنف، تشتعل النيران في غزة ويُقتَل الأبرياء، وتستخدم الأسلحة المحرّمة دوليًا، ويحارَب أهل المدينة بشتى أشكال العنف النفسية والجسدية والإعلامية المحرّضة على قتلهم وإبادتهم، فيبدو احتفال العالم باللّا عنف أمرًا مثيرًا للسخرية وهو يغمض عينيه عن العنف الحاصل في فلسطين ويوهم أبناءه المُرفّهين أن التحضر قضى تمامًا على فكرة العنف، ونفى وجودها من عصره التكنولوجي المتطور بعد وصوله للعالم ٢٠٢٣ الذي يُظَن أنه قمة الرفاهية والوعي النفسي والسلام والتطور.

كلّ أيام هذا الشهر تصادف مناسبات نبيلة ورائعةً من حيث المسمّى، فالرابع منه هو اليوم العالمي للحيوان، وإن ظنّ أحدٌ أن الحيوان بعيد عن الحروب فالحرب التي يشنّها الصهاينة على غزة تكذّب ذلك، إذ ذُبحت الكثير من الحيوانات وكأنها ضمن بنك أهداف العدو. وعلى الجانب الآخر حرص أبناء غزة على إنقاذ حيواناتهم الأليفة حتى وهم تحت القصف وأولوها اهتمامًا يؤكد أنهم الإنسانيون الحقيقيون وأنهم أصحاب الأرض.

اليوم العالمي للصحة النفسية: إنسانية كاذبة 

أنا اليوم الخامس من الشهر فيحمل اسمًا يستدعي التألم والحسرة، ففي حين يُسمى اليوم العالمي المدارس والإسكان، نشاهد كيف تُقصَف البيوت فوق رؤوس ساكنيها على الهواء مباشرة، وكيف تُقصَف المدارس التي حاولت إيواء الأبرياء بعد فقدِهم لبيوتهم، فكأن حقّ السكن الذي كفلته الأمم المتحدة ليس من حقوق الفلسطينيين، ما من سقف سليم هناك ليظلّ الناس ويحمي الجرحى أو الأطفال ويسترهم ويهدِّئ نومَهم.

أمّا السخرية الحقيقية فتكمن في اليوم العاشر، وهو اليوم العالمي للصحة النفسية التي يُنكَل بها أشدّ تنكيل في غزة، فالهلع والقلق والأرق والرعب هي المشاعر المسيطرة على أبناء غزة أثناء أكتوبر الذي يبدو مسالمًا خارج هذه البقعة المنكوبة من الدنيا ولا يتوحّش إلا في ما يخصّها.ومشاهد ارتجاف الأطفال وتعرّضهم للصدمات التي ستخلِّف اضطرابات نفسية عميقة لاحقًا ما تزال حيّة في أذهان أصحاب الضمير.

وفي هذا الشهر للفتيات نصيب، إذ يعتبَر يومه الحادي عشر اليوم العالمي للفتاة، ولا حظّ للفتاة الفلسطينية منه، فالفتاة الفلسطينية تمسك قطعة كرواسان بيدِها المُدمّاة، وتكتب وصيتها لتوزع أشياءها قبل الموت، وتعرف أمها الشهيدة من شعرها!

وماذا يقال عن يوم البيئة أو يوم الغذاء في ظلّ التلوث والدمار والأنقاض والفوسفور الأبيض، وفي ظلّ انعدام الغذاء والماء؟ ألم يُقصَف الواقفون على طابور الخبز ليُقتَلوا جائعين وتتساقط الأرغفة على الإسفلت مُغمسةً، لا بالغذاء الصحي الذي يحقّ لكل إنسان، بل بدماء الشهداء الذين لم يتسنّ لهم تناول أرغفتهم؟

يوم الابتسامة العالمي: مفارقات مؤلمة

الابتسامة.jpg
في يوم الابتسامة العالمي، هذا حال أطفالنا في غزة، أو حال المحظوظين منهم، ممن لم تكوم جثته تحت الردم

مؤسف أن يوم الابتسامة العالمي يمرّ في ذات الشهر، وكأنه نصّب نفسَه شهرًا للمفارقات المؤلمة، فعندما ابتسم العالم بكى أطفال غزة، أو احتفل بعضهم بأعياد ميلادهم بين الأنقاض، أو رفعوا رؤوسهم إلى السماء أثناء لعبهم بالكرة ذعرًا من صوت الطيران، في غيابٍ وانعدامٍ تامّ للابتسامة والسعادة.

وفيه أيضًا اليوم العالمي للقضاء على الفقر، في الوقت الذي انهارت فيه أعمال أهل غزة، وفقدوا ممتلكاتهم وبيوتهم وغذاءهم وأحبتهم، وكل المقومات التي تحقّ لهم لعيش حياة إنسانية شريفة بسيطة. في غزة، وفي العشرين من أكتوبر عندما يحلّ اليوم العالمي للإحصاء ينشغل الغزاويون بإحصاء شهدائهم، يسقط الشهداء بالجملة، تُجمع أشلاء العائلة في كفن واحد، ويعاني المنكوبون نقصًا في الأكفان فوق ذلك.

يجلس الناجون وسط أكوام من الجثث ليعدّوا مفقوديهم أو ينشرون منشورًا إحصائيًا من نوعٍ آخر يعددون فيه أفراد العائلة حيث يُكتب أمام كل اسمٍ أنه الشهيد أو الشهيدة حيث تصبح الشهادة صفةَ الجميع، وتفرغُ مجموعات التواصل، كمجموعة واتسآب العائلة ليرسل الناجي الوحيد رسالة إليهم: الله يرحمكن كلكن يا حبايبي.

أكتوبر الوردي..بلونه الأحمر القاني 

اكتوبر.jpg
أكثر من 70% من الشهداء من النساء والأطفال- طوفان الأقصى/ أكتوبر 2023

وهو أكتوبر الوردي، تتخل أيامه التوعية بأخطار سرطان الثدي والاعتناء بالمرأة، وكما حفظنا، فهذا الاعتناء لا يخص الغزاويات، الأمهات منهن بالذات واللواتي شهدن استشهاد أبنائهن أو استشهدن وخلّفن أبناءهن وأسرهن أو أزهقت أرواح أجنتهن وهم ما يزالون في أرحامهنّ، ويقصف متسشفى الصداقة التركي، الوحيد الذي يعالج أمراض السرطان!

الشهر الجميل في مسمياته وأيامه كان عصيبًا جدًا في غزة، فلم يَفِ بوعدِه على أنه يحتوي أسبوعًا يُدعى أسبوع نزع السلاح، ولا على أن يوم إنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين يمرّ فيه، الكل في غزة معرَض للأذى والتصفية والقتل، ولا احترام لأي مواثيق أو عهود دولية أو أيام عالمية أقرتها الأمم المتحدة واحتفلت بها.

يعصب العالم عينيه عما يجري في غزة، بل إن بعضَه لا يكتفي بالتجاهل ويصل للتواطؤ والمشاركة في الجريمة، لكنّ الله يرى، وسيأتي يوم يمر فيه أكتوبر المنتصر، أكتوبر الذي ليس من بعده ذلّ!