بنفسج

عن غزة وحربها وش@دائها ... يتساءل أطفالنا

الأربعاء 08 نوفمبر

اصطحبت أطفالي قبل أيام لاعتصام خاص بالأطفال في عمّان احتجاجًا عاى المجازر التي ترتكب بحق أطفال غزة، وكان بعضهم يوزع منشورات المقاطعة، تبرز أهم الماركات العالمية والمؤسسات التي يجب مقاطعتها، تناولتها ابنتي الكبرى ألين (10) سنوات وبدأت تقرأها باهتمام…

عندما عدنا انشغلتُ بأعمال أخرى بينما شهقت ألين "دوريتوس وليز يدعمان الاحتلال، هدول أزكى شيبسات عندي"، تدخلت الصغرى وهي إيلياء (7) سنوات "يا بنت في ملان بدائل مش زاكي كثير بس عادي". علمت إذن أنهما لم تعرفا بالمقاطعة من منشور الاعتصام، ولهما علم سابق بها من المدرسة. استمر نقاشهما حول ماركات الملابس التي يجب مقاطعتها والأطعمة وأبرزها ماكدونلادز  وهما تتنهدان… تارة تتفقان حول الحسم في قرارهما للمقاطعة وتارة تعبران عن انزعاجهما… 

في مساء اليوم التالي، جاءتني إيلياء، وهي بعادتها كثيرة السؤال، تهتم بالتفاصيل، وتود لو تعرف أصل الأشياء، ولديها فضول لمعرفة الغيبيات: أين الله؟ كيف يرانا.. وهكذا. سألتني: كيف يلملم الله الأشلاء؟ تدورت عيناي وبدت علي ملامح الصدمة! لا أعرف كيف أجيبها، كيف يبعث الله الأشلاء التي يلملها الناس بعد القصف ويضعونها في أكياس بلاستيكية! 

وهل تكمن الأهمية في الوحشية التي أحالتهم إلى أشلاء، إلى الماكنة البربرية التي هشمت أجسادهم! أم إلى شكلهم في البعث، إنهم يعودون كما كانوا.. عيون جميلة، وقلوب خافقة، وشعر منسدل، وأحلام واعدة، يتكلمون ربما! تخيلي قطع البازل، رتبيها ثم أعيدي خلطها ثم رتبيها ثانية، العملية سهلة، أليس كذلك.. وكذلك يفعل الله! 

 عادت وسألت سيعيد الله أفواههم ويتكلمون؟ صح؟ هل سيتذكرون الألم؟ لقد وقع عليهم السقف، خنقهم الغبار وثقل الحجارة، لقد اخترقت وجوههم، إنني أتألم من حرق بسيط فكيف يشعرون هم، هل سيخبروننا كم تألموا؟  "راح يكونوا زعلانين لأنه ما حدا أنقذهم وهم يصرخوا تحت الأنقاض، ومحداش سمعهم، أكيد لما الدنيا عتمت خافوا، وجاعوا وعطشوا، وبعدين ماتوا، ماتوا جوعانين وعطشانين وموسخين وبردانين وخايفين"!

أوافق إيلياء وأخاف على عقلها الصغير من عالم الكبار المخيف، هذا العالم الذي أصبح الأطفال مادته الانتخابية، ودعايته الإعلامية، وبنك أهدافه العسكرية، وعنصر ضغط وتهديد، كل هذا وهم أطفال صغار منهم أجنة لم يتجاوز حجمهم الكف! 
وهؤلاء أطفال غزة، لم يروا شيئًا من الحياة بعد، لم يذهبوا إلى المدرسة كما ينبغي، لم يلعبوا في حدائق ملائمة، لم يتصرفوا كالأطفال، لم تمهلهم الحياة حتى أخذتهم الصواريخ. 

وقفنا وقفات احتجاج في ساحة المدرسة، فلماذا نقف يا أمي "هل يدري بوقفتنا واحتجاجنا أحد؟". نعم يا إيلياء نستمر في ذلك عسى أن تتوقف الحرب وتحقن دماؤهم

تسهب إيلياء في الحديث: "نصلي صلاة الغائب في المدرسة على أرواح الشهداء الأطفال صباح كل يوم في الطابور، لقد تعلمتها من معلمة التربية الإسلامية، وندعوا جماعة للأحياء. ووقفنا وقفات احتجاج في ساحة المدرسة، فلماذا نقف يا أمي "هل يدري بوقفتنا واحتجاجنا أحد؟". نعم يا إيلياء نستمر في ذلك عسى أن تتوقف الحرب وتحقن دماؤهم، "بس الكبار ما بردوا يا ماما"… 
علينا أن نقاطع وندعوا ونحتج ولا عليك من الكبار.. "بنوكل ونشرب ونروح مدرسة ونتحمم ونلبس بجامة نضيفة وبنام بتخت حلو ودافي.. عادي؟ وهم؟". 

بالله عليك لا تصعبي الأمر عليّ، فأنا أفكر في ذلك كلما وضعت أبنائي في الفراش وقت النوم، أقص عليهم قصة ما قبل النوم وقتما كان طفل يصرخ من تحت الأنقاض مرتعبًا مناديًا… احتضنتها وبكينا سويةً.. فاللهم فرجًا عاجلًا يارب.