بنفسج

"عرايس تشرين": بدل البدلة لبسوا الكفن

الإثنين 13 نوفمبر

تتردد ذكرى الأعراس الفلسطينية في أذهاننا دومًا، وتعمر ذاكرتنا بالأفراح، على حس اليرغول والشبابة، على صوت أقدام الدبيكة، على لحن الدحية. تصدح الأصوات بأغانينا الشعبية ولكل جزء من العرس أغانية الخاصة؛ ابتداءً من الحنا، جيبو الحنا للعريس ومد إيدك حنيها يا عريس مد إيدك حنيها يالالا، وسبل عيونه ومد إيده يحنونة. وتُقبل أم العريس والنساء يهاهين لها وهي تجبل الحنة مرتدية ثوبًا مطرزًا تتباهى به، وليرات الذهب تغطي صدرها، ضاحكة مسرورة في زفة ابنها فلا أسعد من أيام كهذه، ويا أم العريس رشي الورد والحنا، يا أهل العريس مبارك ما عملتلوه.

ثم يتلوه حمام العريس، وطلع الزين من الحمام والله واسم الله عليه... وتتولى أيام العرس بالفرح والمسرات، يحتفل الأهالي جميعًا به، من أول المراسم إلى آخرها، تتساعد الجارات في كل التفاصيل، من احتفال وغناء وطبخ وتزيين، بل يجتمعن كل يوم قبل موعد العرس بأيام على الطبل أيام المساء، فيقلن: هوا يا هوا لا اطير قميصه، هوا يا هوا لا اطير كمامه... ياعريس فرح عماته... يا عريس فرخ خواته...ولطلع ع الطيارة فوق وحلحل براغيها والعرسان أشكال الوان يا عريس يمحليها ... لطلع ع الطيارة فوق وحلحل ماكينتها والعرسان أشكال الوان يا عريس يازينتها ...

في بيتنا عروس.. ش@يدةريم الفرا.jpg

 

والآن في بيتنا عروس، الجميلة، ست البنات، حبيبة أخوتها التي بدأت تعد نفسها للخروج من بيت أبيها، البيت الحنون الذي قضت فيه تفاصيل عمرها تعلمًا ونضجًا ومشاكسة، البنت التي درست وتعلمت اللغات والعلوم الرياضية والفيزيائية والطب، فكانت متميزة مبدعة. تطوعت في المؤسسات والمدارس والجامعات، فأبلت البلاء الحسن، حصلت على المنح المحلية والدولية وشاركت في المسابقات، فتبوأت الأماكن الأولى، تدربت وعملت في المستشفيات والعيادات فكانت بارعة ماهرة محبة للناس.

هذا حال فتاتنا العروس ريم الفرا، وعمرها 26 عامًا، جميلة مبدعة متميزة في تخصص أدب اللغة الإنجليزية، وتخرجت في جامعة الأقصى بامتياز، كان حلمها أن تحصل على منحة للدراسة في الخارج، وكانت مجتهدة جدًا، تطوعت في عدد من المؤسسات وبرعت فيها.

كانت خطوبة ريم في الثامن من آب المنصرم، ولكنها رحلت في أكتوبر، تقول إحداى صديقاتها: "كانت ريم بتحب الشاي بالنعنع كتير كانت كتير تحب أجواء الشتاء وتطلع بهاد الجو. حرفياً كانت بتقول: بحب أطلع بهالجو وأتشفشف في البرد. كانت ريم تُحب أغنية سبيستون "ريمي".. وتُردد "عبرتِ ظلّت الذكرى".

أريج عيد: طلعة العروس كانت إلى السماء

أريج عيد.jpg

وكذلك أسماء حسن عودة، عروس كانت تجهز لفرحها، وتهتم بأدق تفاصيله. كل من تعرف إلى أسماء قال إنها ودودة ولطيفة وجميلة، استشهدت عروسنا في 27 أكتوبر هي وعائلتها، إذ تكمل فرحها هناك في السماء وقد تزينت باستقبالها.أكثر ما يلفت في عروسنا أريج ما كتبه أصدقاؤها وأقاربها على صفحتها في فيس بوك، يرثونها رثاء مؤثرًا، بل إن إحدى صديقاتها جعلت من صفحتها يوميات وداع لها، تكتب لها كل يوم ما حصل، وماهي الأخبار، وكيف هي الحياة من دونها.

آخر ما كتبته أريج على صفحتها فيس بوك "الجنة أقرب من سيناء"، أجل وقد كانت كذلك، لن نرحل ولن يرحلون، هكذا قالت أريج.أريج عيد طالبة طب أسنان، في جامعة الأزهر، وهي عروس جميلة كذلك تجهز لعرسها، وللكنها ارتقت وعائلتها إلى السموات، متقبلين صابرين مرابطين.

جهاز العروس.. كان تجهيزًا للقاء الله

تقى الفرا.jpg

وهذه عروسنا تقى الفرا، تجهز نفسها هي الأخرى، ولا تعلم أنها تتجهز للقاء الله، بكفن أبيض بدلًا من فستان الزفاف، طاهرة نقية شهيدة. كانت تقى تحلم أن يسلمها أباها إلى عريسها في زفة طويلة بهية صاخبة، فذهبت هي وأباها وعائلته في ليلة قصف دامية مروعة.وعروسنا هديل أبو سعدة التي تبستم في الصورة وخطيبها، فاقت قصتها كل حدود الخيال، إذ ارتقت عروسنا في يوم زفافها ذاته، استشهدت هي وأفراد عائلتها، بتاريخ 16 أكتوبر.

هديل ونائل: زوجان أحدهما ش@يد والآخر أسير 

هنادي.jpg

هنادي النجار، العروس التي وهبتْ 12عامًا من عمرها وهي تنتظر يوم الفرحة الكبرى في الإفراج عن خطيبها الأسير نائل النجار (44 عامًا). كانت كلُّ تلك السنوات دليلًا مُطَمئنًا للقرار التي اتخذته هنادي في ارتباطها بأسيرٍ محكوم بـ 20 عامًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

27/10/2023، لم تحفظْ هنادي في حياتها تاريخًا كهذا التاريخ، فتراها عبر صفحتها الشخصية قد وضعتْ عدَّادًا يوميًا يبشِّرها بقرب اللقاء الكبير، فهذا التاريخ الذي سيخرج فيه نائل من السجن، لتستقبله عروسه هنادي بثوب التطريز الأبيض الذي أعدته خصيصًا، مع خاتم الزفاف، وأطواق وردٍ نقشتْ عليها عبارة: "وانعقد القلب بالقلب يا نائل". انعقد رباطًا أبدًا خالدًا في حلمها ورسائلها وبيتها الذي عمرته بقلبها، استشهدت العروس في مجزرة خان يونس بالأمس، قرر الغول هدم أحلامها وحكاياتها ورسائلها وشوقها وحماستها... رحلت هنادي، ورحلت كل القصص، ولم يخرج نائل من أسره في الموعد المقرر كإجراء عقابي لأسرى غزة، ولا ندري عنه شيئًا. هل وصلك خبر استشهاد حبيبتك يا نائل؟ ماذا فعلت بقصصك أنت أيضًا وما ستفعل؟ كيف ستدرك نفسك برسائلها وكلامها وحديثها... وكيف ستدخل بيتكما الذي زينته، هل تقوى وهل نقوى على استيعاب كل هذا الحزن يا نائل... وداعًا يا عرايس غزة، وداعًا يا عرايس فلسطين.