بنفسج

نور الهدى بدوان

الأربعاء 29 نوفمبر

جاني المخاض بشكل مفاجئ، فالوقت كان مبكرًا جدًا على الولادة، اتصلنا بسيارة الإسعاف التي استغرقت ساعة حتى وصلت ثم ساعتين إضافيتين حتى وصلنا المشفى والألم يشتد كلما مر الوقت، حتى وصلت إحدى مشافي خان يونس ووضعت طفلتي هناك. لم أجد لها ما ألبسها إياه فتبرعت مثيلاتي من الحوامل اللواتي ولدن ببعض اللباس التي تكاد تفي بالغرض.

اسمي نور الهدى بدوان، بعد تدمير منزلنا في شمال غزة  لجأنا إلى مشفى الرنتيسي في حي النصر، وكنت وقتها حاملًا في الشهر السابع، وبعد مدة نزحنا مرة أخرى إلى مدارس اللجوء هنا في رفح. قبل الحرب جهزت لطفلتي كل شيء، أحضرت زينة لكل المنزل لنحتفل بقدومها، وجهزت لها أجمل جهاز للأطفال، وأحضرت لها سريرًا مزركشًا باللون الزهري والزهور، وخططت مع زوجي الذي كان سعيدًا جدًا لقدومها، لإقامة مولد مدائح نبوية بعد ولادتها، وكذلك أسبوع وكل الفعاليات التي تُنظم لطفل حديث الولادة.

 وفجأة حدثت الحرب وذهب كل ما جهزت لها من جهاز مع ركام المنزل حتى سريرها الدافئ الصغير، ولكن بقيت متمسكة بكل بالأمل، أنها ستأتي بعد نهاية الحرب وكل شيء مادي فقدناه سنأتي بغيره المهم أن تنتهي الحرب قبل ولادتها.كان الممر المرعب الذي زعم الاحتلال أنه ممر آمن شاق جدًا، بين صوت الرصاص والدمار والقتلى والأشلاء على جانبي الطريق، وبين وعورة الطريق وطوله، اضطررت للمشي مدة أربع ساعات متواصلة، شعرت أني سأضع مولودتي خلالها، وبالفعل ما هي إلا أيام حتى وضعت مولدتي وأنا نازحة في مدارس الإيواء.

جاني المخاض بشكل مفاجئ، فالوقت كان مبكرًا جدًا على الولادة، اتصلنا بسيارة الإسعاف التي استغرقت ساعة حتى وصلت ثم ساعتين إضافيتين حتى وصلنا المشفى والألم يشتد كلما مر الوقت، حتى وصلت إحدى مشافي خان يونس ووضعت طفلتي هناك.
لم أجد لها ما ألبسها إياه فتبرعت مثيلاتي من الحوامل اللواتي ولدن ببعض اللباس التي تكاد تفي بالغرض.

كأي نفساء وضعت حملها حديثًا كنت لا أرغب سوا بفراش دافئ ومريح لي ولمولودتي،  والكثير من الخصوصية والاهتمام، ولكن هذا بالطبع ما يستحيل توفره في مدارس الإيواء، فراش قاس وأرض باردة ونظافة معدومة وحمام يحتاج ساعات من الانتظار اكتظاظ، وأوبئة منتشرة وماء ملوث وأكل شحيح لا يكفي لدر الحليب بالشكل المطلوب للرضاعة.

وفق كل هذه الصعبة التي أعيشها، كان وما زال قلبي وبالي مشغول على زوجي الذي بقي في الشمال بعد نزوحي مع أهلي لرفح، ومنذ شهر لا يوجد خبر عنه، لم أسمعه صوته حتى، ولا أعلم هل هو حي أو ميت. كان متلهفا لقدوم ابنته الأولى، وينتظرها بفارغ الصبر يحمل معه الحاجيات الخاصه بها كلما عاد من عمله قبل الحرب، ولكن اليوم ولدت ابنتي ولم تحظى حتى بأن يؤذن في أذنها أو يحملها في حضنه.كنت أقرأ في القرآن، فوقعت عيني على اية "روح وريحان"، فأسميتها ريحانة. شعرت أنه اسم يبعث الأمل في هذه الأيام الصعبة.