بنفسج

" أطفال غزة غير": حقيقة أم أفيون الضمائر؟

الأربعاء 06 ديسمبر

فى تاريخ الأمم الكبرى كثير من الأحداث الدموية والحروب، تارة هزيمة، وتارة نصر وتوسعات،وكان رسول الله يوصى بالأطفال والنساء والعجائز لهول ما تفعله الحرب فى النفوس،كل آيات الحرب، وكل مفردات وأدبيات الحروب، يتصارع فيها الخوف والزلزلة مع الطمأنينة والسكينة فى نفوس المؤمنين،ونفوس من يقاتل. فما بالك بطفل صغير لا يفقه من الحياة شيئًا، لم يكبر حتى لستة أو سبعة أعوام ليكون قد استوعب فكرة أن أرضه محاصرة، وأنه في هذه البقعة لا يملك الذهاب إلى أي مكان إلا لأسباب معينة أو بتعقيدات كثيرة كأنه في سجن كبير.

أطفال غزة غير كل الأطفال!

داخلي 1.jpg

هل هذه العبارة أفيون يريح ضمائرنا، أم مدح لهم كأنهم خارقون يختلفون عن كل الأطفال، ربما تربي المحن والظروف الصعبة أطفال مختلفين يعرفون معان، ويختبرونها بشكل عملي، تتربى فيهم عقيدة الأرض والحق بشكل مختلف، لكنهم يشعرون يخافون، يحبون آباءهم وأمهاتهم يؤلمهم اليتم ويؤلمهم الشتات.

لا يمكن للسكينة التى تحاوطهم فى لحظات المحن، أن تعوضهم الفقد والوجع على مدار حياتهم دون أن يتقدم لهم الدعم الذي يحتاجونه،هم مثل كل البشر فى كل مكان يمر بظروف صعبة يتكيفون، ربما يختلفون بالقرآن الذين يحملونه فى قلوبهم الغضة، يختلفون في البيئة والمحيط والكلمات التى تتردد على مسامعهم ليل نهار.لا شيء يُعتاد، لا الألم يعتاده أطفال غزة، ولا هم ينسون آلامهم بكل تلك السهولة التى نتخيلها،لكنهم أطفال أجبرتهم الحياة على حمل قضية، ربما هي أكبر من طفولتهم.

ربما يربط الله على قلوبهم الصغيره البريئة بمدد من عنده يتجاوزون به ما لا نستطيع نحن استيعابه ونحن خارج المشهد، لكن كل ذلك لا يعني أن الحرب لن تؤثر فيهم، وأن نردد دائمًا عباراتنا المريحة لأنفسنا وضمائرنا أنهم أطفال غير الأطفال اعتادوا الحرب وأصوات القصف والانفجارات.

لا شيء يُعتاد: الاختباء خلف حيل دفاعية 

يخافون.jpg

لا شيء يُعتاد، لا الألم يعتاده أطفال غزة، ولا هم ينسون آلامهم بكل تلك السهولة التى نتخيلها،لكنهم أطفال أجبرتهم الحياة على حمل قضية، ربما هي أكبر من طفولتهم. أطفال يريدون أن يذهبوا إلى مدارسهم بأمان تام، يعودون إلى يومهم العادي، يتناولون طعام الغداء وينامون فى أحضان أمهاتهم قيلولة، ويستيقظون ليتعاركوا مع أقرانهم وقت اللعب، يتشاكسون مع أهلهم على الواجبات المدرسية والنوم وكل تفاصيل الحياة،

يريدون أن يصوروا المقاطع المصورة وينشرونها واللعب بالألعاب الإلكترونية، يريدون العرائس ويريدون اللعب. يريدون طفولة كاملة لا طفولة أنهكها الحصار والاحتلال،يريدون أن ينتهى الحصار، ولا يحد أحلامهم سقف الواقع المحاصر،يريدون الحياة العادية، مثلما اعتادوا سماع كلمة حرب وأرض وقضية يتمنون لحظات النصر والتحرر...

أبطال الحكاية: يحتاجون كنف آمن 

كنف.jpg

كأمهات، ندرك ما هو القلق الذى يجتاح نفوس الأطفال حين يتهدد روتين حياتهم اليومي، مهما كانت تفاصيل الأيام بها ما بها من ابتلاءات،لكن دائمًا في الأزمات يخبروننا أن نحافظ على روتين الطفل الذى اعتاده حتى لا يكون كل يومه غير ما اعتاد،  يخبروننا أن نخفف من وطأة ما يشعر به، ونحاول أن نخرج ما يخفى تدريجيًا، فنفوس الأطفال على قدر تهيئة الله لهم فى المواقف الصعبة، إنها نفوس تحتفظ بالكثير من الصور فى دواخلهم، كل المشاهد التى تحيط بهم يحملونها فى جعبة ذكرياتهم يتذكرونها فى وقت ما...

ربما فى لحظتها يحاولون الهرب من الواقع يضحكون يلعبون حتى لا تخنقهم الصور وتقتلهم المشاهد، عقولهم تستخدم كل الحيل الدفاعية كى تحيى وتستمر وتكون أكثر صلابة، ربما أكثر صلابة من الكبار ، لكن لا بد أن يدرك كل من حولهم أن تلك اللحظات ستأتى بعدها أوقات تحتاج كل الجهود، تحتاج مؤسسات تتبنى تهئيتهم النفسية من جديد كي تظل قضية عمرهم حية فى قلوبهم، وهم فى أحسن حال.

لذا حين تنتهى الحرب تبدأ حرب آخرى يعيشونها وحدهم، أتمنى ألا يكونوا فيها وحيدين محاطون بشعارات أنهم أطفال خارقين للطبيعة أبطال الحكاية،لكن أبطال الحكاية التى يحتاجون كنف آمن يطمئن حكاياهم ويحيط قلوبهم بأدوات تخرجهم من أزماتهم لرحابة أهم قضية فى حياتهم بقلوب ثابته وصلبة نفسيًا وجسديًا،يحاربون فى الحياة الهادئة، ينعمون بطفولتهم كأكمل ما يكون وأجمل ما يكون بلا حروب ولا وجع ولا فقد.