بنفسج

الحيض والنفاس: خصوصية النساء يسلبها الاحتلال

الثلاثاء 19 ديسمبر

الحرب والنفاس في الحرب
الحرب والنفاس في الحرب

هل يعلم الاحتلال الإسرائيلي، ومن يقف وراءه، بكل ترسنانتهم العسكرية وكراسيهم السياسية، أن فسيولوجية المرأة لا تعترف بالحرب، وأن الحيض والنفاس ليست محطًا للمساومة الرخيصة؟ هي حرب إبادة متوحشة لا أخلاقية، لا تعرف ما يعرفه بني البشر... كل ما فيها غريب عنا؛ ذبح الأطفال، تحويل الأجساد إلى فتات، تناثر الأجزاء في كل مكان، تعفن أطراف الجريح، خروج الدود من أطراف مبتورة، قتل عائلة بأكملها، قتل عروس لم تفرح بزواجها بعد، اغتيال جنين لم ير النور، لم يأت على الحياة بعد، استهداف المكان والمكين في غزة، كل شيء، الإنسان، ومسكنه، ومشربه ومأكله، ومسكنه، وبيئته، ومشفاه، ومدرسته، وشارعه، ومنفسه، وبحره، وكرامته.

حرب لا تعرف صحيح الجسد من ذوي الإعاقة، لا تعرف صغيرًا من كبير، ولا رجلًا من امرأة... امرأة ونساء، وهن ذوات الخصوصية في الحياة العادية، ربات البيوت، وأمهات، وذوات حيض وولادة ورضاعة ونفاس. هل نعي معنى هذه التفاصيل: هل نعي ما يعني هذا؟

في غزة: لا فوط صحية في الأسواق 

في غزة لا فوط صحية في الأسواق

رغم خصوصية هذا الموضوع، وحساسيته المفرطة في المجتمعات العربية، والفلسطيني تحديدًا خرجت الفتيات لتقول، نريد فوطًا صحية، وكتبت أخريات على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت القليل جدًا الذي تعود فيه الاتصالات: " لفيت كل السوق وما لقيت فوط صحية"، وكتبت أخرى: " لمّا أجتني، اضطريت استخدم قطع قماش أيًا كانت، المهم انستر!".

والحال أن لا فوط صحية في الأسواق، وإذا توافرت فإنها تباع بأضعاف الأثمان التي لا تستطيع الغزيات ابتياعه. حيث تفقد النساء والفتيات أدنى مستويات العناية الشخصية، نقص شديد في الفوط الصحية، فضلا عن رفاهية توفر الملابس الصحية والنظيفة.كل فتاة عزباء، أو امرأة متزوجة، أو امرأة عجوز، لها خصوصية من بين أفراد العائلة، واحتياجاتها تختلف عن الرجال؛ فهي بحاجة إلى نظافة شخصية باستمرار، وبالتالي مياه نظيفة، وقيامها بذلك أكثر صعوبة من الرجال.

 ذلك أنها لا تستطيع ممارسة ذلك في أماكن مكشوفة كالرجال في غزة، فهم يستحمون في مياه البحر، أو المطر. وينطبق ذلك على استخدام دورات المياه، إذ تحرص المرأة على استخدامها بخصوصية عالية، بينما لا يهتم الرجال غالبًا خصوصا في ظروف كظروف الحرب. والحقيقة أن الكثير من النساء نزحن من منازلهن ويقمن الآن في مراكز اللجوء في المدارس، التي تفتقر فيها الحمامات لأدنى مستويات النظافة، مما أدى إلى ظهور العديد من الأمراض المعدية بين النازحين.

الولادة تحت القصف

حوامل.jpg

وكيف نستطيع تخيل تسعة أشهر من الحمل تحتاج رعاية خاصة، وتغذية صحية، وراحة وهدأة نفس؛ والحوامل في غزة بالكاد يجدن الخبز، وينمن ويستيقظن على صوت الصواريخ، والدوي الذي لا ينقطع. وكيف إذا علمنا ان الولادات لم تعد برعاية المستشفيات، وأن العمليات لم تعد تجرى، وإذا احتاجت إحداهن إلى قيصرية، تجرى دون تخدير، وربنا تموت أثناء ذلك، بسبب الألم أو النزف، أو تفقد جنينها لأحد تلك الأسباب، أو كلاهما...

وإن مرت هذه المرحلة وعاشت الأم وطفلها فإن مرحلة أصعب بانتظارهما، الرضاعة والعناية بطفلهما ونفسها أيضا، وتغذيتها. وهي تحتاج لفوط صحية لها ولطفلها، وأدوات نظيفة للرضاعة إذا لم تكن طبيعية، في حال توفر الحليب بالأساس. وهذه خصوصيات بديهية يسلبها المحتل؛ إذ إن 5000 امرأة وضعت مولدها تحت القصف، وأكثر من 690 ألف حائض شهريًا، وهن أكثر عُرضة اليوم للنزيف الحاد لأسباب الخوف والتوتر والحزن والضغط النفسي، الأمر الذي قد يعرض حياتهن للخطر.

ملابس الصلاة: الزي الرسمي للحرب 

ملابس الصلاة.jpg

كما تظهر أغلب النساء الغزيات اليوم بملاس الصلاة اللواتي لا ينزعنها أبدًا، ينمن بها خوفًا من القصف الليلي، حتى تحافظ على نفسها حتى وهي ميتة، ولأنها لم تأخذ من احتياجاتها شيئًا اثناء النزوح، غادرت بملابس الصلاة وأهلها فحسب، تقول إحداهن: " نحن متعودين في كل حرب بنلازم أواعي الصلاة، الوحدة منّا عندها أكثر من وحدة لأنه هي اللبس الرسمي للحرب، مريح وستار، وسريع الارتداء والخلع، وكمان خفيف بتلبسيه صيف أو شتاء، وبتنامي فيه، وما بعيق النوم، بتقدري تنامي براحة في ملابس الصلاة، أو بجوز نحن تعودنا عليها، حتى بعض غير المحجبات بحرصوا على ارتداءها وقت النوم، لأنها ساترة، في حال لا سمح الله صار في قصف على البيت، وإجوا شباب يطلعونا أو كنا جرحى، أو حتى شهداء، بنلاقي ربنا مستورين على الأقل". 

حرب لاأخلاقية ضد المرأة في غزة

المراة.jpg

وكل ذلك والمرأة في غزة لا تبكي؛ تلد، وتربي، وترضع، وتكبر، وربما تودع المجاهدين، وتودع الشهداء، أو تستشهد، وربما تطبب الجريح، أو تبقى مرافقة في المشفى، أو جريحة متعبة مثقلة، أو تخترع لقمة خبز لأطفالها، أو إخوتها، فتخبز في عرض الشارع، وفوق ركام البيت، وكل ذلك بملابس صلاتها. هذه المرأة في غزة، الأم، الابنة، المتعلمة، مصانة كريمة، تواجهها حرب لا أخلاقية لا يعرفها بني البشر، ولا نعلم حربًا مرت في التاريخ كهذه، لم نقرأ أو نشهد ما يشبهها حتى لو باليسير، ونحن نعلم أن النساء في غزة يحتملن الآن ما لا يحتمل، ويحاولن التكيف في هذه الظروف المستحيلة ويهون على أزواجهن وأبنائهن، ولكنهن يخفن بمجرد التفكير في ما بعد ذلك... فكيف ترمم الأيام هذه الذكريات...