بنفسج

تكايا توزيع الطعام: أماكن ضيافة وتكريم الفقراء

الأربعاء 27 ديسمبر

تتفاقم أزمات الغذاء والحصول على وجبات الطعام التي تسد رمق الإنسان النازح الجائع الآن في القطاع، بعد أكثر من ثمانين يومًا من الحرب والقصف، وتدمير المخابز والمصانع والمحال والبيوت، وتسوية المنازل وأماكن الإيواء بالأرض، واعتماد سياسة التجويع والتركيع عبر منع المواد الغذائية والصحية الأساسية من الدخول للقطاع، وتوقف المصانع عن إنتاج المواد الغذائية المختلفة، يقبع آلاف الغزيين بفعل الحرب الأخيرة في مراكز الإيواء في المدارس، في ساحات المستشفيات، بدون حد أدنى من المواد الأساسية والصحية، بعضهم التحف ببطانية وبعض خرق ليقي نفسه من البرد.

 وبعضهم خرج بحقيبة يدوية لا طعام فيها ولا دواء، يعتمدون بشكل أساسي على الفتات المقدم من بعض الجمعيات أو من المساعدات التي يتبرع بها الناس، قلصوا حصصهم الغذائية ووجباتهم اليومية إلى حدها الأدنى معتمدين على ملئ قدورهم من ما يسمى (بالتكيات)، لتلبية حاجاتهم الغذائية وسد رمقهم ورمق أطفالهم.

التكية: أصلها ومعناها 

التكية.jpg
التكية:  المأوى أو المكان الذي يتم فيه تجهيز وتحضير الطعام للفقراء والمحتاجين والمسافرين مجانًا

التكيات: ما هي وما أصلها؟ وكيف ساهمت وساعدت على سد رمق المحتاجين والفقراء والمسافرين عبر عقود؟ وكيف ساهمت برفع جودة حياة النازحين في أيامنا هذه في قطاعنا الجريح؟ تعرف التكية لغةً على أنها من الفعل اتكئ، أي استند، أما اصطلاحًا؛ فهي المأوى أو المكان الذي يتم فيه تجهيز وتحضير الطعام للفقراء والمحتاجين والمسافرين مجانًا، أسست التكية في العصر العثماني واشتهرت وازدهرت في الأناضول، وتعتبر التكايا إرثًا عثمانيًا تاريخيًا، وإن اختلفت أشكالها المعمارية ووظائفها على مدى القرون والعقود الماضية، فإنها بشكل عامّ كانت مراكز ومباتًا للمتصوفين والدراويش وملجأ للفقراء والمحتاجين وملاذًا للمسافرين والمقطوعين.

 وكانت تقدم الطعام والشراب للمحتاجين، بشكل مجاني. والتكايا في العالم العربي في الوقت الحالي تُعتبر بشكل كبير مراكز لتوزيع الطعام والمساعدات الغذائية على العائلات الأشد فقرًا، أحيانًا تكون مدعومة من قبل جمعيات خيرية، أو متطوعين من عامة الشعب يأتون بشكل فردي كل فترة ويتبرعون بذبائح يطهونها ويوزعونها، أو تكون تبرعًا سخيًا من أشخاص وعوائل يملكون المال من الأغنياء.

عرفت التكايا: كأماكن لضيافة الأشخاص الذين كانوا يعيشون في عزلة ولمساعدة المحتاجين والفقراء، انتشرت في مدن عديدة كبغداد ودمشق والسليمانية ومكة والحجاز وغيرها، أما في فلسطين عرفت التكية لأول مرة عام ١٢٧٩م في عهد صلاح الدين الأيوبي، وكانت التكية الأولى في مدينة الخليل أطلق عليها اسم تكية سيدنا إبراهيم حتى عرفت مدينة الخليل عبرها ابتداءً بأنها المدينة التي لا ينام فيها جائع.

 ويوجد في فلسطين عشرات التكيات موزعة في عشرات المدن والقرى المختلفة، كالتكية النقشبندية في القدس، التي كانت تستضيف أهالي القدس وجميع الزائرين الذين يزورون المدينة لسنوات على موائد مجانية تقدم الطعام بشكل يومي. خفت هذه الظاهرة حتى اختفت في عشرات المدن والقرى، وكانت تنشط بشدة في شهر رمضان المبارك. وكانت تظهر عند اشتداد الأوضاع الاقتصادية الصعبة للناس، فمثلًا انتشرت عندما اكتسح العالم فيروس الكورونا، وأصبح كثير من الناس يعيشون بدون عمل وفي حالات اقتصادية صعبة.

في فلسطين عرفت التكية لأول مرة عام ١٢٧٩م في عهد صلاح الدين الأيوبي، وكانت التكية الأولى في مدينة الخليل أطلق عليها اسم تكية سيدنا إبراهيم حتى عرفت مدينة الخليل عبرها ابتداءً بأنها المدينة التي لا ينام فيها جائع.

في ظل الأزمات الاقتصادية والحروب الأخيرة والحصار الاقتصادي وإغلاق المعابر الذي يعاني منه قطاع غزة نشطت هذه التكايا بشدة، وبعد الحرب الحالية والأزمات المتعددة التي يعاني منها القطاع ونزوح الآلاف من الشمال إلى الجنوب، نشطت هذه التمايا أو التكيات حتى باتت الآن الملاذ الوحيد تقريبًا للجائعين والنازحين بفعل الحرب في قطاع غزة في كثير من المناطق.

قطاعنا الحبيب يُعتبر من المناطق الأشد فقرًا في العالم، تنتشر فيه عشرات التكايا في الأحياء والمخيمات بمبادرات شخصية وعائلية ومؤسساتية وحتى مبادرات شبابية، وتقوم فكرتها ببساطة على جميع التبرعات من الميسورين، سواء أشخاص أو مطاعم أو شركات أو هيئات محلية ودولية إغاثية داعمة، وتُعِدّ الطعام يوميًا وتوزّعه على عشرات آلاف الأسر الفقيرة.

وتحمل هذه التكايا أسماء مختلفة، منها تكية "فاستبِقوا الخيرات"، وتكية "إبراهيم الخليل"، وتكية "مبادري رفح"، وتكية "عزة هاشم"، وتكية "عباد الرحمن"، وغيرها.بعد الحرب الأخيرة توقفت كثير من هذه التكايا عن العمل، واستبدلت بتكايا أخرى من متطوعين شباب قاموا أدوا المهمات على أكمل وجه، وأظهرت مدى أهمية التكافل الاجتماعي لسد حاجات الناس وإطعامهم.

للأسف رغم وجود الكثير من المبادرات الشبابية وتوفر الكثير من التكيات، إلا أن كثير من الناس يقفون بطوابير طويلة لمدة زمنية طويلة ولا يحصلون على طبقهم اليومي بالنهاية، بسبب نفاذ الطعام من القدور للأسف. فحتى هذه التكيات لم تعد قادرة على توفير احتياجات الناس المتزايدة يومًا بعد يوم بسبب استمرار الحرب والضائقة وشح المواد وغاز الطهي والحطب والمواد المشتعلة. معاناة الغزيين تتفاقم يومًا بعد يوم وحتى هذه المشاريع الفردية الشبابية لم تعد وحدها قادرة على إغاثتهم وسد رمقهم، وتوفير الطعام بشكل كافي لهم.