بنفسج

طوابير الموت: مرضى السرطان في قطاع غزة

الجمعة 29 ديسمبر

مرضى السرطان في غزة
مرضى السرطان في غزة

تقول صديقتي تحرير (أم لثلاث بنان من غزة)، وهي المصابة بالسرطان، بأنها تجهل ما يفعله السرطان الآن داخل جسدها، وتضيف بالقول إن هذا الموضوع كان مهمًا لها قبل الحرب الأخيرة على غزة، ولكن الآن، المهم هو النجاة من قصف قد يحول أجساد بناتي الثلاث إلى أشلاء.

وحين سألت تحرير، وهي التي لا زالت تتلقى علاجها من مرض السرطان حول متابعتها للعلاج، ترد بالقول: "لم يعد هناك مكان معروف لنا، لقد تم دُمر مستشفى الصداقة التركي وتوقف عن العمل، والآن، اتصلوا بي وطلبوا مني التوجه إلى عيادة في مدينة خانيوس، ولكن كيف لي أن أذهب إلى هناك، بينما لا أستطيع التحرك بين المدرسة التي أنزح إليها وبيتي الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المدرسة، لا أستطيع فعل ذلك!"

وتضيف، : "هل هذا مهم، لا زلت أملك بعض الأدوية، ولكني لا أستطيع تناولها، إن هذه الأدوية يجب أن أتناولها على معدة مليئة بالأكل، ومعدتي دومًا فارغة، إنني لا أجد شيئًا لأتناوله، وإذا وجدت شيئًا فإنني أفضل أن أعطيه لبناتي بدلًا من تناوله، إنني أموت من الجوع ومن الخوف ومن السرطان."

إذًا، إذا نظرت إلى واقع مرضى السرطان يجب أن تنظر له من جانبين، ما قبل السابع من أكتوبر وما بعده، إن النظر إلى ذلك يعني سياقين للموت، سياق للموت من خلال طابور التصاريح قبل السابع من أكتوبر، وسياق للموت من خلال الجوع والخوف وتفشي المرض بعد السابع من أكتوبر.

قبل السابع من أكتوبر: شهادات حية لمريضات السرطان 

مرضى السرطان 1.webp
إحدى مريضات السرطان في مستشفى الرنيسي في قطاع غزة- المصدر الجزيرة

في التقرير الصادر عن مركز الميزان لحقوق الإنسان نشر في العام 2021 أوردت النتائج أن 70 شخصًا رفضوا، 1087 لا يوجد رد، 4239 تحت الدراسة، وأشخاص طلبوا للمقابلة وعددهم 2، وانتظار للمقابلة وعددهم 14، وموعد جديد وعددهم 59، وفي كل هذا يجري تشكيل طابور من الانتظار.

ولكن ماذا كان يحدث مع النساء اللواتي كنّ يحصلن على تصاريح، كانت تتم عملية تأخيرهن، تعريتهم، مفاوضتهن على إعطاء معلومات مقابل علاجهن، تقول دعاء: "لما وصلت حاجز إيرز، وكنت نفستي تعبانة وبناتي بعيطوا وراي، وطول الليل أطلع عليهم كيف بدي أتركهم 45 يومًا، بنتي الصغيرة تسألني وين بدك تروحي، لما وصلنا إيرز، معاناة في كل ما كان، في صالة الإسرائيلية، ولما وصلت لاحظوا عند اليهود إنو في إشي بجسمي مش مزبوط، لاحظ إنو في ثدي أكبر من الثاني، في إشي مش طبيعي

فأنا بحكيله أنا ليش طالع ما عشان أتعالج، وظلوا شاكين وحكوا لازم تروحوي عند المجندة تفصحك فحص كلي، مش فاهم شو هذا الفحص، وبعدها رحت ع المجندة وحكتلي ترفعي كل إشي عنك، أنا خجلت وخفت كأي ست، وبيني وبينها حاجز قزاز، وصارت تحكيلي لفي وألف، أول مره حدا يشوفني بدون شعر بدون أي إشي، يعني هذه اللحظة مش قادر أنساها، يعني العلاج كوم وإني أقف بهاي الحالة كوم ثاني".

إذًا، إذا نظرت إلى واقع مرضى السرطان يجب أن تنظر له من جانبين، ما قبل السابع من أكتوبر وما بعده، إن النظر إلى ذلك يعني سياقين للموت، سياق للموت من خلال طابور التصاريح قبل السابع من أكتوبر، وسياق للموت من خلال الجوع والخوف وتفشي المرض بعد السابع من أكتوبر.

أما عالية تقول:" المعاملة الزفت الي أنا بتعاملها عشان خاطر ولادي، هاي بتكفيني....أنا عملت مع اليهود مقابلة، قابلت عند المخابرات الإسرائيلية، حوالي أكثر من ست شهور وأنا أطراد على التصريح، أكثر من ست شهور، بعدين طلبوني للمقابلة، الجميعات الحقوقية، أنا بدي أطلع أتعالج، ما بدي أروح أزور، المخابرات الاسرائيلية قالتلي الك مقابلة، خلوني نص ساعه وأنا قاعدة في الممر لحالي، بعدين دخلوني على الضابط، كان ضابط وفي مجندين اثنين، جابولي صور، وصاروا يحكولي بتعرفي هذا، بتعرفي هذا، إيش علاقتك فيهم، من وين بتعرفيهم، ليش بترددي عليهم، حاجات زي هيك، أنا كنت خايفة، من الساعه سبعة الصبح وأنا قاعدة عندهم، أنا قلت اعتقلوني، مع إني أنا لا بطلع ولا باجي، الي سألوني عنهم علاقتي".

وهذا يعني، أن الفلسطيني "الجيد" بالمنطق الاستعماري فإنه يحصل على تصريح، ويخضع لكل السياسات الاستعمارية على الأرض (التعرية والتحقيق، التأخير)، أما إذا كان الفلسطيني "غير جيد" بذات المنطق الاستعماري فإنه يحصل على ما يسمى بـ"المنع الأمني"، ويمنع من الحصول على تصريح، ويتم تحقيق الموت له بصورة عاجلة.

بعد السابع من أكتوبر: الموت العاجل لمرضى السرطان 

الآن نحن في بعد السابع من أكثوبر، في المرحلة التي يتم فيها تحقيق الموت العاجل لجميع مرضى السرطان، فقد قصف مستشفى الصداقة التركي ودُمر، ووضع كافة المرضى في مساحة الموت العاجلة.
 بمعنى الآن، عليكم أن تموتوا بشكل عاجل، وعاجل جدًا، فالمستشفى الذي يزود 9 آلاف مريض حتى بداية الحرب بالعلاج الكيماوي توقف.

الآن نحن في بعد السابع من أكثوبر، في المرحلة التي يتم فيها تحقيق الموت العاجل لجميع مرضى السرطان، فقد قصف مستشفى الصداقة التركي ودُمر، ووضع كافة المرضى في مساحة الموت العاجلة، بمعنى الآن، عليكم أن تموتوا بشكل عاجل، وعاجل جدًا، فالمستشفى الذي يزود 9 آلاف مريض حتى بداية الحرب بالعلاج الكيماوي توقف.

فمنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وانقطاع المواصلات في القطاع، لم تتمكن وسام القاطنة في مدينة خانيونس من قطع الطريق إلى وسط غزة حيث مستشفى الصداقة التركي في منطقة الزهرة جنوبي المدينة، وهو المستشفى الوحيد لعلاج الأورام في القطاع حيث قصفته إسرائيل ثلاث مرات، ثم حولته إلى ثكنة عسكرية.

تقول وسام وهي أم لخمسة بنين وابنة واحدة لـ«القدس العربي»: «عندي أمل أن أتعافى من هذا المرض، أنا هنا لأسلم أوراقي لإدارة مجمع ناصر الطبي لاستكمال إجراءات السفر للعلاج في المستشفيات المصرية كما قالوا لنا». وتتنهد وسام وتكمل حديثها «الذي يهمني أن تتوقف الحرب، لأنني سأغادر إلى العلاج ويبقى أولادي هنا، قلبي عليهم، هذا قدرنا وأملي أن أستكمل باقي علاجي في مستشفى الأورام بغزة وتتوقف حرب الإبادة».[1]

حتى هذا اليوم لم تتوقف حرب الإبادة، ومع حرب الإبادة لا يجد آلاف مرضى السرطان من غزة علاجهم الكيمائي، بل إن المهم هنا هو أن هذا العلاج لم يعد أولوية بالنسبة للعالم في ظل الموت السريع والكبير، فقد أخذت منظمات حقوق الإنسان نحو توفير الطعام لأهل غزة، وفي ظل ذلك يعيش المرضى الجوع وتفشي المرض والخوف من القصف.

إن هذا الثالوث، ثالوث (المرض، الخوف، الجوع) ستتكشف تفاصيله في المرحلة التالية، فحرب الإبادة السريعة لا زالت تنفذ موتها في تعتيم كبير لما يجري إلا باستثناء ما تنقله وسائل الإعلام.


 

[1] القدس العربي 8/11/2023.