بنفسج

وائل الدحدوح: جبل المحامل وصوت الحقيقة

الثلاثاء 02 يناير

الصحفي وائل الدحدوح
الصحفي وائل الدحدوح

"سنعود ونعمر الديار رغم كل شيء"، قال الدحدوح هذه الكلمات بعد فقده عائلته وصديقه سامر، وإصابته في يده بعد قصف إسرائيلي استهدفه، ومثله يُستهدف بالفعل! نعلم حقيقة وواقعًا أن التاريخ يذكر العظماء، ومحركي الشعوب، والمؤثرين بأفعالهم قبل أقوالهم، وقادة الجيوش، وكل من يصدح بكلمة الحق.

ورجل مثل أبو حمزة يعي ذلك تمامًا، لذلك نجده يخرج كالعنقاء من تحت الرماد مرة وثانية وثالثة، ومثلة لن يموت، يقتل أولاده وزوجته ويخرج حاملًا المايكرفون، برباطة جأش وتماسك، يحتضن ابنه الشهيد ويقول: "معلش، بدهم ينتقموا منا في الأولاد"، والدحدوح قالها قاصدًا، فهو يعلم أن الاحتلال فعل ذلك مستهدفًا إياه وعزيمته، فهو لا ينفك عن قول الحق ولا يتوقف، بل إنه صامد، ويرسل برسائله للاحتلال عبر مراسلاته في قناة الجزيرة التي يعمل بها: سنبقى صامدين، نحن صامدون، سنعمر البلد، لن نيأس، لن يكسر الاحتلال شوكتنا. نسمع هذه التعبيرات مرارًا من وائل. وهو الذي نشأ وتربى وتررع في غزة وبين بساتينها في أرض والده مزارعًا يرعى الأشجار ويقطف المحاصيل.

من هو وائل الدحدوح؟

وائل حمدان إبراهيم الدحدوح، أبو حمزة؛ وُلد في 30 أبريل/نيسان 1970، ولد ونشأ في حي الزيتون، درس الصحافة، وحصل على الماجستير في العلوم السياسية، متزوج وله من الأبناء ثمانية. 
 
اعتقله الاحتلال الإسرائيلي بسبب مشاركته في الانتفاضة الأولى لمدة سبع سنوات ،تدرج في العمل الصحفي المكتوب والمرئي، حتى ترأس مكتب قناة الجزيرة في غزة عام 2004،وساهم من تغطية كل الحروب على غزة ابتداءً من حرب 2008. 
 

وائل حمدان إبراهيم الدحدوح، أبو حمزة؛ وُلد في 30 أبريل/نيسان 1970، ولد ونشأ في حي الزيتون في مدينة غزة، درس الصحافة وتخرج في جامعة غزة عام ١٩٩٨، وحصل على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة القدس "أبو ديس" عام ٢٠٠٧. متزوج وله من الأبناء ثمانية. اعتُقل لسبع سنواتٍ في سجون الاحتلال عام 1988 بسبب مشاركته في الانتفاضة الأولى، فحرم من تحقيق حلمه بدراسة الطب. عمل مع والده في الزراعة، وكان يعتني بالبساتين وأشجارها فترة من الزمن. عمل الدحدوح في صحيفة القدس الفلسطينية مراسلًا في غزة، وكتب في مجلات فلسطينية أخرى، ثم عمل مراسلًا لصوت فلسطين من العاصمة الإيرانيّة طهران، وكذلك لقناة سحر الفضائية مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000.

"كان محمود يحب الحياة.. وكان دائما مفعمًا بالحيوية والحياة .. في كل مناسباتنا كان محمود هو المناسبة ذاتها..وكان ينتظر أيام ميلاد والده ووالدته إخوته وأخواته ليصنع ويوزع الفرح في البيت … يصادف اليوم يوم ميلاد محمود … رحمك الله يا روح الروح وكل عام وأنت بخير…".

انتقلَ وائل للعمل مع القنوات العربيّة بحلول عام 2003 حيث أصبحَ مراسلًا لقناة العربيّة، ثم انتقل للعمل مراسلًا لقناة الجزيرة في قطاع غزة منذ عام 2004 وأصبحَ مع مرور الوقت مدير مكتب القناة في القطاع. نجح الدحدوح في قيادة فريق الجزيرة خلال تغطية الحرب الإسرائيلية الأولى على قطاع غزة كأولى التجارب الإعلامية الحربية عام 2008-2009 وما بعدها، وكذلك خلال الحرب الثانية عام 2012. لكن التغطية الأكثر تعقيدًا كانت في الحرب الثالثة عام 2014 التي استمرَّت 51 يومًا، وما بعدها من حلقات سميت بـ «غزة تنتصر".

أنتج حلقات لبرامج عدة في قناة الجزيرة وفيلمًا عن أنفاق المقاومة في غزة، وآخر عن عمليات المقاومة خلف خطوط جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب عام 2014، وهو «المجموعة رقم 9». عمل وائل كذلك مراسلًا ومسؤولًا تحريريًا في تغطية مناسك الحج والعمرة عام 2011، وكان صاحب أول تقرير على الهواء مباشرة في أولى حلقات البرنامج الجديد آنذاك «الجزيرة هذا المساء» وذلك من بلدة بيت حانون خلال تعرضها لاجتياح إسرائيلي.

وائل الدحدوح: استهداف مقصود ومحاولة اغتيال

وائل الدحدوح يحمل ابنته الشهيدة.jpg
وائل الدحدوح في وداع ابنته الشهيدة، التي استشهدت رفقة زوجته وابنه وحفيدته إثر قصف صهيوني

"رغم الوجع وألم الفقد عدنا"، لم يكن دور وائل الدحدوح مؤثرًا في نقل هذه الحرب فقط، بل كان دوره بارزا في النقل والمراسلة والتحليل على الهواء مباشرة في كل حروب غزة، ولكن، لأن هذه الحرب كانت الأعتى من بينها، واستهدفت إسرائيل الصحافيين بشكل مباشر منذ بدئها، لدورهم البارز في نقل الحقيقة، بعد أن اجتهدت في نقل الأكاذيب وقطع الاتصالات حتى تمنع العالم من الاطلاع على حقيقة الوضع، حتى أن الصحافيين الشهداء بلغ عددهم العشرات.

ومن ذلك انتقام الاحتلال من أسرة الصحفي الفلسطيني، إذ تعرضت إلى القصف الجويّ في يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر 2023، طالَ المنزل الذي نزحت له في مخيم النصيرات ما تسبّب في استشهاد زوجته وابنه وابنته وحتى حفيدته، وبعد ذلك بمدة قصيرة تعرض لقصف عندما كان يغطي مجازر إسرائلية في مدرسة فرحانة في خانيونس في ١٥ ديسمبر؛ فأصيب إصابة بالغة في يده بينما استشهد رفيقة المصور سامر أبو دقة بعد حصار دام خمس ساعات.

الدحدوح: الصحافي الذي أحبه الناس

الدحدوح.jpg
الدحدوح يؤدي صلاة الجنازة على عدد من أفراد أسرته الذين استهدفهم الاحتلال الإسرائيلي في غارة صهيونية 

لم يعد الدحدوح صحافيًا مراسلًا ينقل الحدث فقط، بل أصبح رمزًا يتقوى به الناس، فبعد رحيل عائلته واستشهاد رفيقه وإصابته، في كل مرة، كان الناس يترقبون خروجه، هل سيخرج وائل هذه المرة؟ وبالفعل، يخرج حاملًا مايكرفونه ومرتديًا لباس الصحافيين، فيشعر الناس وقتها، أن الدنيا بخير، وأنهم بخير، وأن غزة بخير. ويتداول الناشطون صوره وأقواله.

يقول الدحدوح: "الحب على طريقة الأطفال يُذهب بعض الوجع"، كثيرًا ما نشاهد أحباب وائل من الأطفال الذين يحتضونه، ومن الذين يذهبون له بالخبز الساخن والطعام. ويظهر في مشاهد إنسانية كثيرة مع رفاقه الصحافيين ينشدون، ومن قبل ذلك يغني وأولاده وزوجته وهم يتحلقون حول النار، وهاهو الآن يستذكر على حساباته الإلكترونية زوجته وأولاده الذين رحلوا، إذ نشر يقول في زوجته في ذكرى مولدها: "يا وطنا عشت فيه ، واستندت اليه … وتنسمت روحي هواه … انت وطني .. طاب يومك في يوم ميلادك".

ونشر عن ابنه محمود قائلًا: "كان محمود يحب الحياة.. وكان دائما مفعمًا بالحيوية والحياة .. في كل مناسباتنا كان محمود هو المناسبة ذاتها..وكان ينتظر أيام ميلاد والده ووالدته إخوته وأخواته ليصنع ويوزع الفرح في البيت … يصادف اليوم يوم ميلاد محمود … رحمك الله يا روح الروح وكل عام وأنت بخير…".

وقد قال لصديقه مؤمن عندما فقد عائلته: "تجمل بالصبر يا أُخيَ، فلقد أصبحنا نهباً للأوجاع والأحزان التي لا و لن تُسكِت أصواتنا ما دمنا على قيد الحياة، اليوم فقدنا يا مؤمن قلباً كان يدعو لنا في ظهر الغيب. لكنّ الرحمن الرحيم باقٍ حي لا يموت وهو أرحمُ بنا من أنفسنا".

وفي مرة قال: "ذبحتني هذه المرأة المسنة التي جاءت من إحدى مدارس الإيواء، تقدمت تجاه الخيمة وصعدت أربع درجات وبدأت بتقبيل رأسي وقالت سألت عنك كثيرًا حتى وجدتك شد حيك يا بني … هذا خبز عملته بيدي وخبزته على فرن الطين من أجلك واستحلفتني قائلة ايش في نفسك يا بني .. إيش اطبخلك يااااه الحمد لك يا…". نريد لأبي حمزة ان يبقى صامدًا حتى نصمد، نريد له أن ينتصر لتنتصر غزة كلها، وإنه لوعد قريب!