بنفسج

" أنا حامل في الحرب": فهل يسمع العالم ندائي؟

الأحد 07 يناير

أن تكوني حاملًا في الحرب أمر يصعب استيعابه أو فهمه أو التعاطي معه والتكيف اتجاهه. ولكننا، في هذا التقرير نسمع من النساء الحوامل عن تجربتهن ومشاعرهن أثناء حملهن في هذه الحرب. التقينا بـ "نور عودة"، وهي امرأة غزاوية حامل في الشهر السابع، لتخبرنا عن الخوف الذي تعيشه النساء الحوامل في هذه الحرب الوحشية التي بدأت منذ السابع من أكتوبر 2023، فتقول: "الوضع مرعب للغاية، نحن نشعر بأننا محاصرون مع الأرواح البريئة التي نحملها داخلنا، ولا نعرف مصيرنا".

النساء الحومل في الحرب: ألم مزدوج

رحلة الحمل والولادة في الحرب.jpg

 تقول فاطمة أبوعودة: "سأسميها "حور" هكذا قررتُ عندما أخبرني الطبيب أني حامل بـ "بنوتة"، رسمتُ في خيالي شهور الحمل الأخيرة وأنا أمشي كالبطة، وأسمع ضحكات زوجي وأمي عليّ بعد انتظار 3 سنوات. وبدأ رأس صغيرتي يناطح بطني لتخرج إلى الحياة. خرجتْ طفلتي لكنها كانت مُختنقة جراء القنابل السامة؛ إذ كانت تطلق على مدار ثلاثة أسابيع في تل االهوى. بعد ساعتين من الولادة توفتْ حبيبتي التي لم أشم رائحتها، ولم أناديها باسمها بعد".

خلال هذه الحرب اللأخلاقية حُرم الناس من الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، وعانت الحوامل على وجه الخصوص من نقص هذه الرعاية والموارد الطبية، فضلًا عن احتياجاتهن الشخصية. تحكي نور عن ألمها الجسدي والنفسي بعدما اضطرت للانتقال من منزلها في شمال غزة إلى مدينة خانيونس جنوب القطاع، وتخبرنا: "تركنا منزلنا في الشمال وانتقلنا إلى الجنوب حسب التعليمات، لكننا لا نزال نعيش في خوف يومياً من القصف الإسرائيلي المكثف، وهذا يؤثر بشكل سلبي على حملي وعلى طفلي". ووفقًا لمركز الإعلام الحكومي في غزة، فقد ارتكب الاحتلال خلال 92 يومًا 
⭕️ 1903 مجازرة.
⭕️29,722 شهيدًا ومفقودًا.
⭕️10,000 طفلًا شهيدًا.
⭕️7000 امرأة شهيدة.
⭕️58,166 مصابًا
⭕️90 ميلون شيقل قيمة ما سرقه جنود الاحتلال من النقود والذهب.
⭕️52  وحدة صحية أخرجها عن الخدمة.
⭕️30 مستشفى أخرجها من الخدمة بشكل كامل.

وكان الاحتلال قد أبلغ سكان شمال غزة بالانتقال إلى المنطقة الجنوبية "لضمان سلامتهم"، كما ادعى، من خلال المناشير التي ينثرها في كل فترة على القطاع، خلال العمليات العسكرية على غزة، وعلى الرغم من ذلك استمرت الطائرات الإسرائيلية في استهداف المدنيين جنوب غزة، ما أثبت أن الاحتلال يكذب بشأن هذه التحذيرات وأن لا مكان آمن في غزة، بل كل ما فيها مستهدف ومعرض للقصف والقتل بما فيها مدارس الإيواء ومخيمات النازحين.

بعد عملية زراعة ناجحة وانتظار طويل: قتلنا الاحتلال 

أنجبت بعد انتظار 15 سنة وقتله الاحتلال.jpg

سمية أبو الكاس بدموع عينيها وصوت نحيبها الذي بدا واضحًا بين كلماتها تقول: " بعد حرمان 15 عامًا من الحمل أكرم الله السيدة وفاء بنجاح عملية الزراعة، لتُرزق بأربعة توائم في عملية ولادةٍ مبكرة خطيرة، عانت خلالها من النزيف الحاد، ووضِع أطفالها في قسم الرعاية، وبعد أن تعافتْ وصغارها خرجت من المستشفى رفقة زوجها، كانت فرحتهما أجمل ما رأته عيني في ذلك الوقت، لكن هذه الفرحة لم تعجب الاحتلال الهمجي، فقرر قتْلَ وفاء وأطفالها الأربعة، وبقيَ زوجها يعيش وجع الفقدِ الكبير".
أما نور الهواش فتقول: "أن طبيبتها النسائية نزحت أيضًا، ما أدى إلى صعوبة في التواصل معها للحصول على المشورة الطبية، وتضيف أنها لاحظت أن حركة الجنين قلّت في الأيام الأخيرة، وتعذر عليها تناول الدواء الضروري الذي كانت تأخذه عادة بشكل يومي، ما يزيد من قلقها بشأن استمرار الحمل بصحة جيدة."

يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن هناك 540,000 امرأة في سن الإنجاب تعيش في غزة، من بينهن 50,000 حامل، ومن المتوقع أن تضع 5,500 امرأة أطفالهن في الشهر المقبل، وقد دعت الأمم المتحدة إلى تقديم رعاية صحية عاجلة للنساء الحوامل اللاتي يواجهن تحديات هائلة في الحصول على الرعاية الصحية.

يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن هناك 540,000 امرأة في سن الإنجاب تعيش في غزة، من بينهن 50,000 حامل، ومن المتوقع أن تضع 5,500 امرأة أطفالهن في الشهر المقبل، وقد دعت الأمم المتحدة إلى تقديم رعاية صحية عاجلة للنساء الحوامل اللاتي يواجهن تحديات هائلة في الحصول على الرعاية الصحية.

وفي مستشفى ناصر الحكومي جنوب قطاع غزة، تحدثت القابلة الفلسطينية حنين عاشور عن الوضع الكارثي الذي تعيشه العديد من النساء الحوامل، مشيرة إلى أعراض صحية متزايدة بسبب التوتر والقلق الشديد منها: الولادة المبكرة، والإجهاض في أحيان كثيرة، فضلاً عن استشهاد الكثير من النساء الحوامل مع أطفالهن الذين لم يولدوا بعد بسبب القصف الإسرائيلي، كما أوضحت حنين أن الحوامل في غزة يعانين من الدوخة ونقص التغذية والتعب والإجهاد والنزيف والصداع المستمر وآلام الظهر.

كما أن تصاعد أعداد القتلى في غزة أدى إلى زيادة الضغط على المستشفيات، ما ينذر بصعوبة حصول النساء على الرعاية الطبية في حالات الولادة الطارئة، ويعرض حياتهن للعديد من المخاطر، فتقول حنين أن الموارد الطبية المتوفرة محدودة للغاية، كما أن الوصول إلى المرافق الطبية الآمنة يزداد صعوبة.

الولادة في مراكز الإيواء: قلة الموارد الطبية 

أنجبت طفلها في مدرسة النازحين.jpg

تقول علياء نسمان، 18 عامًا، وهي العروس التي تنتظر مولودها البكر: " "أنجبتُ طفلتي في مدرسة دون وجود قابلة، وتعرضتُ لنزيف حاد غبتُ بسببه عن الوعي، واستيقظت بعد فترة وزوجي بجانبي يخبرني أنهم نجحوا بإنقاذ حياتي وحياة ابنتنا "ليان"، بكيتُ كثيرًا فأنا لا أعرف مصير حياتنا باللحظة القادمة. وكيف سأرعى نفسي وطفلتي دون وجود أدنى مقومات الحياة؟!".

وبحسب موقع ReliefWeb، فإن وصول المساعدات إلى المدينة المحاصرة عبر معبر رفح المصري لم يتجاوز أربعة في المئة من المتوسط اليومي لحجم السلع التي تدخل غزة قبل الحرب الحالية - وهذا لا يشمل الوقود- إضافة إلى تأخر وصول المساعدات الطبية اللازمة لإجراء العمليات الجراحية القيصرية الطارئة  (وفقًا لدومونيك ألين، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين).

كمال نذكر أن الأدوات الضرورية لولادات الطوارئ ما زالت محتجزة في قوافل المساعدات الإنسانية في مصر، بانتظار الحصول على إذن لدخول غزة. تعد هذه الإمدادات "الملجأ الأخير" لمنع العدوى أثناء الولادة مع عدم إمكانية الوصول الآمن إلى مرافق الرعاية الصحية، حيث تشمل قطعة صابون واحدة، وغطاءً بلاستيكياً، ومقصاً لقطع الحبل السري، وثلاث قطع من الشريط الجراحي، وقطعتي قماش قطنيتين لتنظيف وتغطية الأم والطفل، وزوج من قفازات الفحص المصنوعة من اللاتكس، وكتيب تعليمات لإرشاد النساء أثناء الولادة.

تقول ريهام مسعود: " عندما أتممتُ شهر الحمل الرابع، كنتُ قد جهزت حقيبةً كبيرة مليئة بالثياب والألعاب وكاميرا لالتقاط الصور الفورية. جهزتُ غرفةً كبيرة لم أجهزها لي وأنا عروس، فكيف لي ألا أدلِّل صغيرتي وفرحتي الأولى؟! هكذا كان قلبي يريد، لكن كلُّ هذه الأحلام قُتلتْ وأنا أرى بيتي وكل ما فيه أصبح أثرًا بعد عين".

الأمومة في فلسطين: جريمة تواجه بالإبادة الجماعية

جنيها كانكل ماتملك.jpg

تقول سهيلة الزيان: "خرجتُ من بيتي وأنا لا أحمل إلا حقيبةً صغيرة من ثياب مولودي، وعندما كنا نعبر الممر الآمن المزعوم سقطتْ من يدي ولم أستطع التقاطها لأن ثمن هذا سيكون قتلي وقتل جنيني. وهكذا ارتدى طفلي أول قطعة ثياب بتبرع من إحدى النازحات في المدرسة."

أما إحدى الطبيبات المقيمات في قسم الطوارئ، في مجمع الشفاء الطبي فتقول: "جاءتني إحدى السيدات الحوامل بوضع صعب جدًا، استشهد زوجها وأطفالها وجميع أفراد عائلتها كانت قدمُها اليمنى مبتورة، وأصابع قدمها اليسرى أيضًا، ووجها مُصاب بالشظايا التي شوهت ملامحها الجميلة، كانت تتمتم بالدعاء أن يكون جنينها بخير، لكن ما تعرضتْ له من قصف كان أكبر من أن يبقى جنينها على قيد الحياة. أخبرتُها بذلك وقلبي يعتصر وجعًا عليها".

تسبب تدمير الطرق الرئيسة في قطاع غزة في زيادة الوقت الذي تحتاجه النساء الحوامل للوصول إلى المستشفيات القليلة التي ما تزال تحت الخدمة، كما تتعرض هذه المستشفيات لتهديد مستمر من الجيش الإسرائيلي وتحذيرات متكررة بضرورة إخلاء العاملين فيها، فضلًا عن عشرات الآلاف من النازحين الذين يبحثون عن المأوى والمساعدة الطبية داخل أسوار المستشفيات.

صرحت حنين قائلة: "إنهم يعتقدون أن الفلسطينيين محصنون ضد هذه الحرب الوحشية، لقد خسرت العديد من النساء أجنتهن، والكثيرات يعانين من النزيف نتيجة الهلع والهروب من القصف، كما أنهن يعانين من قلة إدرار الحليب في صدورهن، بسبب نقص الغذاء والماء، إضافة إلى الحالة النفسية المتدهورة. إن النساء الحوامل في وضع خطر للغاية، لم أر مثل هذا الوضع المأساوي من قبل طوال فترة عملي هنا".

رغم كل هذا يتمسك أهلنا في غزة بالحياة، يصمدون كصمود جنين في رحم أمه، أبى أن يموت، فثبّت أمه وقواها وصبّرها، وهذا ما حدث مع ضيفتنا الأخيرة تسنيم الهباش، فقالت: " "كان يقيني أنّي سأعيش أجمل الأيام، لكني لكن لم أكن أعرف ما سيجري لي ولطفلي الذي مازال في أحشائي. لقد شنّت الحرب أسّنتها علينا، وأعلنت سرقة فرحتنا المُنتظرة، هُدِم بيتُنا، واستشهد زوجي وطفلاي، وكان القدر أن أنجو أنا وجنيني، لقد تمسَّك بالحياة بشكلٍ عجيب، فقررتُ أن أكون قويةً لأجله".