بنفسج

طوفان الأقصى: ماذا تعلم أطفالنا من مدرسة الطوفان؟

الخميس 11 يناير

عندما كنت صغيرة، كنت أستمع لقصص الحروب، وألحظ اقتران تسميتها بالأجيال، فهناك جيل النكسة الذي ارتبط بهزيمة ١٩٦٧ وما لحق ذلك من خزي وعار لاحق، ليس فقط من عاش الحدث وإنما من ولدوا في ذاك الجيل، وهناك جيل النصر المقترن بالعام ١٩٧٣، حيث نصر السادس من أكتوبر على "إسرائيل"، والذي اقترنت تسميته أيضا بمن عايشه من أبناء جيله، الأمر ليس مجرد تسمية مطلقة، وإنما صفات نفسية وأحداث اجتماعية وتاريخية بل ودينية ووطنية تظل محفورة في ذاكرة الجيل الذي يتناقلها عبر الأجيال إلى يومنا هذا، والشيء بالشيء يذكر، فنحن نعاصر اليوم جيلًا مميزًا، بل ربما لم يسبق له مثيل فيما شاهده وعايشه وهو جيل "طوفان الأقصى"، فيا ترى ماذا تعلم أطفالنا من طوفان الأقصى؟ وكيف أثّر طوفان الأقصى في نفوس الأطفال وعقيدتهم ومدى ارتباطهم بالوطن؟

أطفالنا وطوفان الأقصى: التغيير النفسي والوطني والعقائدي

معلش أقوى موضوع تعبير عن الصبر.jpg

 عندما نذكر كلمة تغيير ونقرنها بالطوفان فاعلم أن الحدث عظيم، وبقدر عظمته يكون أثره، وهو بالفعل ما أحدثه طوفان الأقصى من عظمة في مناحي التغيير التى أحدثها في أطفالنا، وهي في الحقيقة كثيرة جدًا لا يتسع المقام لذكرها كلها، لكن دعونا نتطرق لمناحي التغيير النفسي، والعقدي، والوطني أيضاً.

أولاً: نفسية أطفالنا ما بعد طوفان الأقصى: اسمحوا لي أن آخذكم في جولة سريعة لإنعاش ذاكرتكم ونسترجع كيف كانت نفسية أطفالنا قبل طوفان الأقصى؟ في ما كانوا يتحدثون وما الأفكار التى تراودهم وكيف كنتم ترون انعكاس ذلك على نفوسهم؟  كثير منهم كان تعلقه ببطل خيالي ربما مثل سبيادر مان، كان لا يصلح لصنع شيء سوى نسج بيت من واهن كالعنكبوت.

 نفوس هشة ربما ضعيفة لا تقوى على تحمل الصدمات أو الآلام وتميل للدلال، ربما ليس هناك هدف واضح يسعون له، ولا بطل حقيقي يقتدون به وهكذا كان حال أغلب الأطفال، ولكن ماذا بعد طوفان الأقصى؟ طوفان الأقصى علم أطفالنا الصلابة الصمود، وعلمهم كيف يكون لهم قدوة حقيقة تنفذ ما تقول ويشهدون على ذلك بأنفسهم.

 طوفان الأقصى علمهم العزة والكرامة وأن صاحب الحق قوي لا يخشى إلا الله، صامد لا ينهزم، ولو تكالبت عليه كل الدول، علمهم طوفان الأقصى أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن للحلم واقع نحققه بأيدينا، وأن للأقصى طريق نرسمه بسواعدنا ونخطوه بأقدامنا، طوفان الأقصى علم أطفالنا كيف يكون أبي النفس، وأن يكون رقمًا صعبا يضع شروطه، ويدير معركته ولا ينحني مهما كلفه ذلك من ثمن. 
 
ثانيًا: كيف أثر طوفان الأقصى على عقيدة أطفالنا؟

لأقلام الحبر استخدامات أخرى.jpg

الجانب العقدي مهم جدًا لدى الطفل، فمن شب على شيء شاب عليه، وحينما يشب الطفل على أن الجهاد عقيدة، والقدس عقيدة، والدفاع عن العرض والنفس والأرض والوطن عقيدة، وأن كل ذلك يبذل في سبيله الأرواح والدماء وتكون رخيصة في سبيل الله، وتهون لأجل عيون القدس وتراب فلسطين، فكيف تتوقع أن يكبر طفلًا عايش وتعلم هذا الدرس بالبث الحي مع طوفان الأقصى!
 
طوفان الأقصى علم أطفالنا أن البداية كتاب الله وسنة رسوله واتباع نهجه، وطوفان الأقصى علمهم كيف يعشقون الشهادة ويؤلمون العدو قبل نيلها، وأن تحرير الأسرى ليس هدفا أغلى من الحياة الكريمة، وأن انتهاك المقدسات وخاصة الأقصى والاعتداء على النساء المرابطات وغيرهم أمر لا يقبل وليس مشهد يعتاد.

 وليست حرماتنا ومقدساتنا مستباحة وأن للحق رجاله، وللدين رجاله الذين يدافعون عنه، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم، وأن بطلهم الذي يتعلمون منه العقيدة أبو عبيدة ويكررون وراءه في نهاية كل خطاب "وإنه لجهاد..نصر أو استشهاد"، صارت عبارة تردد في لعب الأطفال، باليقظة والنوم، وصار أبطال المقاومة وعباراتهم تردد قبل كل خطوة يخطونها حتى في لعبهم وقد تعلموا منهم قوله تعالى "ومار رميت إذ رميت ولكن الله رمى"، فمن كان يسأله طفله قبل الطوفان عن معنى هذه الآية؟ ومن منكم كان يرددها طفله في لعبه قبل طوفان الأقصى؟

طوفان الأقصى علم الأطفال معنى الصبر والحمد الحقيقي لله على كل شيء في الضراء قبل السراء، حينما يرون أسرا فقدوا كل ما يملكون حرفيًا، ويرددون بكل رضا "الحمدلله،كله فدا فلسطين"، طوفان الأقصى كما ذكرت كان درس عقيدة بالبث الحي والواقع المعاصر ومدرسة يعايشها الطفل ويطبقها فيومه قبل غده، فرغم كل حملات التشويه للعقيدة والدين ودفع ملايين الملايين لإبعادهم عن الدين أو تشويهه لديهم، يأتي طوفان الأقصى، ليس فقط ليردنا وأطفالنا للعقيدة الصحيحة، بل للتمسك بها، والذود عنها، وبذل الغال والثمين في سبيلها. 
 
ثالثًا: كيف أثر طوفان الأقصى في تربية أطفالنا الوطنية؟

التربية الطونية معلها ملثم.jpg

لا ينكر أحدا أن غالب الأطفال ربما لا يعرف معنى كلمة وطن ولا الانتماء له، أو كيف نحبه ونحميه لدرجة أننا نكون فداء لترابه، كيف يمكننا تحمل القصف والدمار وكل أصناف العذاب ولا نتخلى عن شبر من أرضنا، لكن في مدرسة طوفان الأقصى كان الدرس مختلفاً، فدرس التربية الوطنية الذي تعتبر درجاته غير هامة لأبنائنا، ودرسًا ليس له فائدة يمكن استبدال وقته بالرياضيات أو العلوم، صارت التربية الوطنية أهم الدروس الواقعية، ودرجاتها صارت ترفع الجنان وليس للنجاح بالامتحان فقط.

 فمع مدرسة الطوفان عرف الأطفال معنى الوطن، ومعنى أن يستكمل المرء حياته فوق هدم بيته، وأن يدعم أبناءه المقاومين ويقف خلفهم رغم استشهاد كل أسرته، وفقده لمنزله وأعز ما يملك، مع الطوفان تعلم الأطفال معنى جديد للأمان، فرغم وجود الإنفجارات حول أطفال غزة تجدهم يرفضون الخروج من منطقتهم ويفضلون الاستمرار باللعب دون الشعور بالخوف، تدهش حين تجدهم يجيبون المراسل الصحفي أنهم لا يشعرون بالخوف ويستمرون باللعب رغم كل شئ حولهم.

طوفان الأقصى علم الأطفال أن الوطن ليس ما قسمته الحدود والسدود وإنما ما تعلقت به القلوب وغرسته العقيدة فينا، وأن فلسطين هي الوطن الأكبر الذي يشتاق لعودته وتحرير أراضيه.

 ببساطة هذا بالنسبة لنا معنى جديد للأمان الذي يشعرون به فقط في الوطن! الطفل الذي لم يكن يعرف وطنه صار يعرفه ويفخر به ويقول سأدافع عنها لو تعرضت للأذى، الطفل الذي سئم من عدم توافر بعض الخدمات ببلده صار يراها جنة رغم كل عيوبها، طوفان الأقصى علم الأطفال أن الوطن ليس ما قسمته الحدود والسدود وإنما ما تعلقت به القلوب وغرسته العقيدة فينا، وأن فلسطين هي الوطن الأكبر الذي يشتاق لعودته وتحرير أراضيه. ختامًا، طوفان الأقصى لم تكن مجرد معركة، وإنما مدرسة للتغيير، وأهم طلابها هم أبنائنا، فهل هناك من لم يلتحق بتلك المدرسة بعد وينهل من معانيها!