بنفسج

الصحفية سعاد سكيك: تُصاب بجلطة وتموت قهرًا في خيمتها

الخميس 01 فبراير

في الـ11 من الشهر الجاري، كتبت سعاد عبر صفحتها الخاصة فيسبوك جل ما تطمح إليه: "باختصار بدي أروح على داري، نفسي أصرخ من أعلى جبل، حسبي الله ونعم الوكيل." يموت الغزيون تحت ضرب الصواريخ، أو في بقائهم تحت الأنقاض لأيام حتى الموت، ويموتون تحت ضرب المدفعية المتوغلة، وبإعدامات مباشرة، وتحت التعذيب والتنكيل والاعتقال، ويموتون خوفًا، وجوعًا، وبردًا، والصحافية سعاد سكيك، تموت قهرًا.

مدللة والديها تفقد حياتها في خيمة النزوح

توقف قلب الصحفية سعاد سكسك.jpg

الصحافية سعاد سكيك، زوجة وأم لطفلين، كانت تمتلك أجمل بيت في مدينة غزة، مدللة والديها، تربت في كنف عائلة ثرية، كانت تعيش حياة رغيدة في كنف عائلتها ووالديها وبيتها وأبنائها، وتعمل صحافية ومذيعة في إذاعة الإيمان، ثم معدة ومقدمة في قناة الكتاب وهي كذلك مراسلة صحافية لعدة قنوات، فما الذي حصل لسعاد؟

نظن، في أحيان كثيرة، أن الغزيين أقوياء ويتحملون أقسى الظروف وأصعبها، بقوة إيمانهم وعقيدتهم، وهم كذلك بحق، إذ إن ما يعيشونه حتى الآن يشبه معجرة يصعب تصديقها، فمع القصف والمجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال والقتل المستمر الذي يرتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية، تخرج المنظومة الصحية عن الخدمة كليًا، ويزداد الطقس شدة وبرودة، حتى أن خيام النزوج قد طفت وتسربت إليها المياه.

وتقل المساعدات إلى حد أن الأطفال صاروا يموتون جوعًا وبردًا، فالبطانية بتقاسمها كل أفراد العائلة بينما المياه تتسرب من أعلاهم وأسفلهم، فكيف إلى مثل هذ الحياة سبيل. والحقيقة أن البشر في قوتهم، والقدرة على تحمل الصعاب ومواجهتها، يقعون في درجات مختلفة، فقد شاهدنا الكثيرين ممن يصبرون ويصابرون ويثبتون إيمانًا بنصر الله، وينشبثون بحبل العقيدة، وهم كذلك يتمتعون بقدرة على التحمل والتأقلم من الظروف، بل يواجهونها بكل ما أتوا وإن قلت الأدوات والموارد وسبل الحياة.

الكلمات الأخيرة للصحفية سعاد سكيك.jpg

 ومن الناس بطبيعة الحال من يصابون بصدمة تؤثر على مسار حياتهم وحياة الآخرين المرتبطين بهم، فتتأثر صحتهم، وتصرفاتهم، وتؤدي الصدمات كذلك إلى التسبب بمشاكل على صحتهم النفسية، وقد تمتد هذه الحالة إلى مرحلة ما بعد الصدمة بحسب علم النفس.

يصيب اضطراب الكرب بعد الصدمة ما يقرب من 9٪ من الناس في وقت ما خلال حياتهم، بما في ذلك مرحلةُ الطفولة. ويستمر هذا الاضطراب لأكثر من شهر واحد.وقد يكون استمرارًا لـ اضطراب الكَرب الحادّ أو يحدث بشكلٍ منفصل بعدَ مدَّة تصل إلى 6 أشهر من الحدث، وهو ما يؤدي إلى جلطات قلبية أو دماغية تؤدي إلى الوفاة غالبًا. وقد لا يختفي اضطراب الكرب بعد الصدمة؛ ولكن في كثير من الأحيان يصبح أقلّ شدَّة مع مرور الوقت حتى من دون علاج. ولكن، يبقى بعضُ الأشخاص معوَّقين بشدَّة بسبب هذا الاضطراب.

الصحفية سعاد سكسك: مرارة الفقد أكبر من الاحتمال 

سعاد سكيك.jpg

في كل يوم تردنا عشرات الأسماء من الشهداء الذين رحلوا في مجازر جماعية، منهم من عرفناهم؛ أسماءهم، عملهم، أبناءهم، عائلاتهم، قصصهم، أحلامهم وطموحهم، ومن العشرات منهم ممن لم نتعرف حتى على أجسادهم، أشلاء، أو أطراف هنا وهناك، والآلاف يرقدون حتى الآن تحت الأنقاض، ولم نتمكن من الوصول إليهم ومعرفة من هم، لم نعرف أسماءهم أو أي شيء عنهم وظلوا مجهولين.

والآن معظم أهالي غزة، ممكن كان يمتلوكن مشاريع تجارية بمختلف أنواعها، ومراكز مختلفة ومحال تجارية، ويمتلكون بيوتًا جميلة في أحياء راقية، ويحملون شهادات علمية وتخرجوا في جامعات مرموقة، العلماء والأطباء والمهندسون ومدرسو الجامعات وأبناؤهم كذلك، فقدوا الآن كل شيء، هُددت حياتهم، وهدمت بيوتهم، وفقدوا كل شيء.

 وكانت سعاد سكيك بنت أحد هذه العائلات الثرية المتعلمة التي فقدت كل شيء مرة واحدة، لم يتبق لهم من تجارتهم ومحالهم وبيوتهم أي شيء، بل أمسوا في خيام النازحين بلا شيء. لم تستطع سعاد احتمال الأهوال التي مرت بها ومن حولها فأصيبت بجلطة قلبية أودت بحياتها وهي لا تزال في عمر صغير في داخل خيمتها التي تتسرب منها المياه من كل جانب ويضربها البرد القارس، جائعة خائفة غير آمنة. وبارتقاء سعاد سكيك يصل عدد الشهداء الصحافيون إلى 122 شهيدًا، لكل منهم عائلة وأولاد، وعمل، وحلم، وقصة وحكاية، أوصونا بأن نتذكرهم وأن لا نعدهم أرقامًا.