بنفسج

الحرب على غزة: الموت جوعًا انتقامًا من الصامدين في الشمال

الأربعاء 21 فبراير

ما يحدث في غزة الآن، وبعد ما انقضت أربعة أشهر على بدئها، أن إسرائيل استخدمت كل وسائلها لتجعل غزة مكانًا غير صالح للعيش، وهي بعد أن أجبرت السكان على النزوح إلى الجنوب، والاكتظاظ في مساحات محدودة ضيقة، تفرض حصار شاملًا وصارمًا على شمالها، وهي إنما تريد من ذلك الحصار تجويع أهل الشمال حتى الموت، فمن لم يمت بالقصف الصاروخي والآلة العسكرية مات جوعًا.

وهذا ليس بالقول المجاز، إذ كشف الاتحاد الأوروبي، أن مؤشر الأمن الغذائي في غزة يؤكد أن 100% من السكان يعانون من الجوع، معبرًا عن صدمته من هذه النتائج، وهذا لا ينطبق فقط على منع وصول المساعدات أو غلاء الأسعار، وإنما انعدام وجود الغذاء أساسًا. كما قال الاتحاد في بيان لمسؤول السياسية الخارجية جوزيب بوريل ومفوض إدارة الأزمات يانيز لينارتشيتش، إن نتائج تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي في غزة، غير مسبوقة ولم تسجل في أي مكان في العالم.

ماذا يعني أن تجوع حد الموت؟ 

ماذا يعني أن تجوع حد الموت؟.jpg

يعني موتًا بطيئًا للإنسان، إذ يؤدي عدم تناول المواد الغذائية إلى ضعف عمليات الأيض التي تمد الإنسان بالطاقة، ليمر الجسم بمرحلة من الضعف والهزال، وفقدان الوزن، واضطراب في ضغط الدم ودقات القلب، والجفاف وضعف المناعة، وتوازن الأملاح مما يؤدي في النهاية إلى الموت. 

 ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن إسرائيل تستخدم تجويع المدنيين كسلاح في قطاع غزة ما يشكل جريمة حرب، وطالبت الحكومة الإسرائيلية بالتوقف عن ذلك ورفع حصارها على غزة. ومن ذلك، يتضمّن البروتوكول، في القانون الدولي الإنساني، القاعدة 53، حظر تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. وبمقتضى تشريعات عدة دول، يُشكّل تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب جريمة حرب في أي نزاع مسلح. وتدعم بيانات رسمية وممارسة موثّقة في سياق نزاعات مسلحة غير دولية هذه القاعدة. وقد أدانت الدول حالات مزعومة لإستخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب في نزاعات مسلحة غير دولية، وعلى سبيل المثال، في الحرب الأهلية في نيجيريا والسودان[1].

وأدان، المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر في العام 1995، بشدة، "محاولة تجويع المدنيين في النزاعات المسلحة"، وشدّد على "حظر استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب". وتشكّل القواعد 54-56 في القانون الدولي نتيجة منطقية لحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. وهذا يعني أنّ مهاجمة الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وعدم تسهيل مرور الغوث الإنساني المُعد للمدنيين المحتاجين، بما في ذلك تعمّد عرقلته، أو تقييد حرية الحركة للأفراد العاملين فيه قد تشكّل انتهاكات لحظر التجويع.

تجويع المدنيين: جريمة من جرائم مركبة 

تجويع المدنيين جريمة من جرائم مركبة.jpg

منذ بداية الحرب، يفرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا شاملًا على شمال غزة، ويمنع وصول المساعدات، فأقل من 16% من المساعدات قد وصلت الشمال في يناير الماضي، مما أدى إلى ارتفاع عال جدًا في الأسعار، فإن توفر الغذاء فهم لا يستطعون شراءه!

تقول منى سلامة، وهي صحافية تسكن في حي الجرن في جباليا شمال القطاع: "لم نكن نعلم حقيقة أننا سنصل إلى هذه المرحلة في غزة، أن نتمنى تناول الخبز الأصيل بطعمه.. لقد علمتني الحرب درسًا كبيرًا في الامتنان للنعم الصغيرة. كنا أنا ورفيقاتي نحتار في أي مطعم سنتاول غذاءنا وماذا بعده من حلوى، لم نكن ندرك كبر هذه النعمة وعظمتها إلا بعد أن سلبت منا. حقيقة اشتقت إلى الخبز الأصلي بعيدًا عن خبز الذرة، والشعير المخلوط بالذرة والمغشوش بالأعلاف الخاصة بالحيوانات. رائحته سيئة وشكله الغامق يدفعني إلى التقيؤ..تناولته مرتين فأصابني المغص فأعلنت الإضراب عنه.. قلت حسنًا فلنجرب طحين الذرة المفترض أنه مخصص للحمام، لكن في شمال غزة يتناوله الناس.

لا يتوفر عندنا بالشمال بندورة وخيار والخضار، مؤخرًا توافرت البطاطا، وذلك بعد انسحاب الاحتلال قليلًا من المناطق الغربية إلى قطاع غزة فأزلت الشوق الكبير للبطاطا المقلية.. أي نعم، تناولتها بدون خبز، لكن لا بأس كما يقال "ريحة البر ولا عدمه".

خفت وتيرة القصف في الشمال، لكننا انشغلنا في كيفية تأمين الطعام وماذا سيحدث بعد.. اضطررنا مؤخرا بعد نفاد الأرز لدينا أن نشتري الكيلو الواحد ب40 شيكلًا والآن زاد سعره أيضًا.. بعد أن كنا نشتري في الأيام الطبيعية الكيلو الواحد ب6 شواكل. أشتاق لطعم الطعام الدجاج المتبل في مطعمي المفضل.. لرائحة الخيار قبل أن أقضم القضمة الأولى.. لحبة البندورة بجانب ساندويش الجبنة وكوب الشاي الساخن.. للمعكرونة بشاميل، لم أكن أتخيل يومًا أن تنقلب حياتنا هكذا.. لم نعد بعد نهاية الحرب إن انتهت أصلًا فقد فقدت أمالي بكل شيء كما كنا أبدًا شيء سحق منا لا أدري ما هو".

"لا يتوفر عندنا بالشمال بندورة وخيار والخضار، مؤخرًا توافرت البطاطا، وذلك بعد انسحاب الاحتلال قليلًا من المناطق الغربية إلى قطاع غزة فأزلت الشوق الكبير للبطاطا المقلية.. أي نعم، تناولتها بدون خبز، لكن لا بأس كما يقال "ريحة البر ولا عدمه".

وقد قالت منظمة الصحة العالمية إن "93 في المئة من سكان غزة، وهو رقم غير مسبوق، يواجهون مستويات عالية من الجوع مع عدم كفاية الغذاء وارتفاع مستويات سوء التغذية. وتواجه أسرة واحدة على الأقل من كل 4 أسر ظروفًا كارثية؛ إذ تعاني من نقص شديد في الغذاء والجوع، وتلجأ إلى بيع ممتلكاتها وغيرها من التدابير القاسية من أجل توفير وجبة بسيطة. إنه الجوع والبؤس والموت بكل وضوح". وقد أعلن برنامج الأغذية العالمي في 20 كانون الأول/ ديسمبر2023 أن غزة على حافة الهاوية، حيث يواجه واحد من كل أربعة أشخاص الجوع الشديد.

إن الإحصاءات اليومية تمثل دليلًا واضحًا على الضرورة الملحة، وخطر حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه، حيث يقتل في المتوسط 247 فلسطينيًا ويجرح 629 ويتضرر أو يدمر 3900 منزل فلسطيني كل يوم. علاوة على ذلك، فإن الفلسطينيين في قطاع غزة، يتعرضون لـ "خطر الموت الفوري بسبب الجوع والجفاف والمرض نتيجة للحصار المستمر الذي تفرضه إسرائيل، وتدمير المدن الفلسطينية، وعدم السماح بوصول المساعدات الكافية إلى السكان الفلسطينيين، واستحالة توزيع هذه المساعدات المحدودة أثناء سقوط القنابل".

الصامدون في الشمال: كيف يواجهون الجوع؟ 

كيف يواجهون الجوع.jpg

يتبع أهالي شمال غزة طرق بسيطة وبدائية لمواجهة جوعهم، منها الاعتماد على  الخبز المصنوع من أعلاف وتبن الحيونات والذرة، طعمه سيء ويسبب المغص والتلبك المعوي. وضع حجر على المعدة؛ وهو توجيه نبوي في لجأ إليه النبي في حالات الجوع الشديد. 
تركيب المحاليل المغذية؛ لجأ بعض الأهالي إلى المستشفيات لتركيب المحاليل المغذية لإمداد الجسم بالطاقة وإنقاذهم من الموت. طبخ وأكل الأعشاب: بعضها يؤكل في العادة كالخبيزة، وبعضها لا يؤكل. البحث عن باقيا الطعام تحت ركام المنازل، مما قد يعرض حياتهم للخطر.
تقول أحلام، وهي من سكان الشمال، وأم لستة أطفال: "نأكل الأرز منذ فترة تزيد عن الثلاثة أشهر، وقد تضاعف سعره، ولم نعد قادرين على شرائة، ودقيق القمح مفقود ودقيق الذرة والشعير مرتفع الثمن بشكل كبير وطعمه سيء".

يكلف شراء 3 كيلوغرامات من الدقيق الفرد الواحد يوميًا 50 شيكلا (نحو 14 دولارًا)، وهو مبلغ مرتفع بكل الأحوال، وقد كانت الأسر الكبيرة تعتمد وجبة الخبز والشاي منذ بدء الحرب.

يكلف شراء 3 كيلوغرامات من الدقيق الفرد الواحد يوميًا 50 شيكلا (نحو 14 دولارًا)، وهو مبلغ مرتفع بكل الأحوال، وقد كانت الأسر الكبيرة تعتمد وجبة الخبز والشاي منذ بدء الحرب.أما سوسن فتقول: "بينما تدخل الشاحنات بشكل شحيح إلى مناطق جنوب قطاع غزة، فلم تصل أي من تلك الشاحنات إلى محافظتي غزة والشمال. لقد بتنا نأكل الحشائش وطعام الحيوانات في الشمال ولا توجد مياه نظيفة كذلك".

محمد حمادة صاحب مطحنة للحبوب في مخيم جباليا، يؤكد نفاد الدقيق الأبيض من الأسواق بشكل كامل، ويشير إلى أن ما يوجد في السوق الآن دقيق الذرة فقط. ويشير إلى أنهم كانوا يطحنون الأرز، ولكن بسبب ارتفاع أسعاره توقفوا عن ذلك وبدؤوا بصنع الدقيق من الذرة وحبوب الشعير المخصص لأعلاف الحيوانات.

أما إيمان فتقول: "لم أعد أستطيع الإجابة على أطفالي عندما يقولون إنهم يشتهون الدجاج، من أين آتي به؟ كل ما أستطيع طهيه هو حساء العدس، أو المعرونة إن توافرت، أو ماء مع بصل. وإذا حالفنا الحظ نؤمن علبة بازيلاء تتقاسمها عائلة من 6 أفراد".


هوامش 

[1]يحظر القانون الدولي الإنساني الحديث، تجويع المدنيين – أي حرمانهم من الطعام عمدًا – بوصفه أحد أساليب الحرب. ترد هذه القاعدة، المستمدة من مبدأ التمييز المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني، للمرة الأولى في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 (المادة 54(1) من البروتوكول الإضافي الأول، المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني) واليوم تعتبر قانونًا عرفيًّا في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية (دراسة القانون الدولي الإنساني العرفي، القاعدة 53). وينص نظام روما الأساسي على أن «الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين باعتباره أسلوبًا من أساليب الحرب» يعد جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية (النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 (2) (ب)(25).