بنفسج

مش مهتم: غزة أولويتي في النشر والاهتمام

الثلاثاء 05 مارس

يطل رمضان علينا وجراح غزة ما تزال تنزف، ولهذا أتيتُ لأُسرّ إليكِ ببعض الكلمات، أنت سيدة المنزل والأم الرؤوم التي تتحرق ولا شك على أهالينا.من الطبيعي والمطلوب أن نعظّم شعائر الله ونرحب بالشهر الكريم، إلا أننا أثناء ترحيبنا فقدنا البوصلة على ما يبدو ومن الواجب أن نصحح المفاهيم، فرمضان شهر عبادة ديني لا شهر شرقي يُضاف إلى العادات والتقاليد الاجتماعية بحيث يشارك فيها من هبّ ودب ناسيًا معنى الشهر الأساسي.

تقول إحداهن متعجبة من مقدمتي: "ألا يحق لنا الفرح؟".الفرح مسألة نسبية، بل إن من بالغوا في احتفالاتهم وفقدوا بوصلتهم، لم يعثروا على الفرح رغم بهرجتهم الزائدة.الفرح ليس ذنبًا، ليس ما نُحاسب عليه وليس المشكلة الأساسية، فكم سبقَ لنا أن نستقبل رمضان متظاهرين بالفرح تعظيمًا له بينما في قلوبنا غصات لأسباب عديدة! والآن هو الوقت الفعلي لنغصّ ونفرح فرحًا منقوصًا، فرحًا حزينًا ما دام إخواننا يعانون المصائب.

غزة: التأدب في حضرة الموت والمتألمين

كملي حياتك وإنجزي التزاماتك ولكن تذكري إنه الحياة مش لازم تكمل طبيعي.jpg

ما أنتقده في سطوري ليس الفرح لعلمي أن كثيرًا من المسلمين لم يتذوقوه على حقيقته منذ أعوام.فرحك الشخصي الخاص أو رضاك عن نفسك أمر منفصل، بل إنك بحاجة للاستمرار والمتابعة دون يأس لأننا بدورنا نحتاجك، نحتاج لمستك في الحياة وتربيتك للنشء وأداءك لمهمتك الحياتية بتفانٍ، وهذا لن يكون إذا ركنتِ إلى الإحباط.

لكن المبالغة في إظهار فرحٍ _قد لا يكون موجودًا حتى_ والوصول إلى تعظيم الوسيلة بدلًا من تعظيم الغاية هذا ما يُعَد عيبًا الآن بالذات، ومع أن المصائب لا تنقص المسلمين على مدار السنوات، إلا أن حجم المصاب الحالي وفظاعته واستمراره يتطلب الكثير من التأدب في حضرة التألمين.

الأمر بالنسبة للحلي والعباءة مغلوط حتى دون الحرب فما بالك، وقد فقدت السيدات بيوتهن وغرفهن الخاصة واحترقت أمتعتهن وثيابهن التي جمعنها على مدار العمر؟

"أزيّن المنزل لأحبّب أطفالي برمضان"، عبارة أخرى أسمعها، وأظن أن الجواب جليّ لمن يملك عقلًا وقلبًا.لا بأس أن تزيّني وتستقبلي رمضانك كما اعتدتِ، ومن الضروري لطفلك الذي ربما يصوم للمرة الأولى أن يُحاط بأجواء تشجعه على الصيام، ولكن هناك شرطان اثنان

الأول: أن يعرف طفلك _بما يناسب سنه_ أن أقرانه الصغار الصائمين في غزة محرومون من الأطايب، وربما لن يفطروا عند المغرب مثله، بل سيستمرون في الصيام، ربما لن يجدوا من يزين منزلهم أو لن يجدوا منزلًا ليزينوه! وإذا كان طفلك أصغر من أن يعرف فحسبك أن تتذكري أنت ذلك، وألا يغيب أطفال غزة عن ذهنك.

الثاني:  فيتعلق بطبيعة الزينة ومدى صرفك عليها وهل هو معقول أم دخلت في حالة الإسراف.الزينة المقبولة لا خلاف عليها، بل إن بعض الصور تصادفنا من قلب الخيام لأسر غزاوية أقسمت على الاستمرار في الحياة واستقبال الشهر المبارك، إسعادًا لقلوب أطفال تآكلت فرحتها طيلة خمسة أشهر من الحرب.

إذن.. ليس هذا ما نعترض عليه، ما أودّ تذكيرك به هو أن تتأملي زينتك وتسألي نفسك: أهي حقًا لائقة بشهر الصيام والامتناع عن الشهوات وضبط النفس؟ أهي لترغيب الصغار وتحبيبهم بالشهر؟ أم أنها أصبحت منافسة لفلانة وتقليدًا ووسيلة جديدة لإرهاق الجيوب والتصوير والنشر العبثي على مواقع السوشيال ميديا؟ في الإجابة عن هذا السؤال يكمن الأمر كله.

عباءة رمضان وحليه: بذخ لا في مكانه ولا زمانه

دعوة للتأدب في حضرة الموت والمتألمين.jpg

حتى قبل حرب غزة الحالية لم تكن ربات البيوت ليتمتعن بلحظة راحة في رمضان، ومن المعروف أن السيدات أكثر من يعمل في البيت خلال رمضان، وينتهي الشهر وهن مستنزفات جسديًا ليس بفعل أعباء فرضها ديننا الحنيف، بل بفعل أعباء فرضتها أوضاع كثيرة منها الاقتصادية.

أثناء ذلك كانت تطل علينا سيدات يتزيّن بعباءة رمضان وحليّه. ترف متضارب مع فكرة الشهر وعرضٌ على حسابات الإنترنت لا يليق بسيدة ملتزمة باللباس الشرعي.فالأمر بالنسبة للحلي والعباءة مغلوط حتى دون الحرب فما بالك، وقد فقدت السيدات بيوتهن وغرفهن الخاصة واحترقت أمتعتهن وثيابهن التي جمعنها على مدار العمر؟

مؤكد أنك حرة في ابتياع ما تشائين لنفسك ضمن بيتك سواء ناسب هذا قناعات الناس أم لم يناسبها، لكنّ المرفوض أن تذيعي ذلك بطريقة فجة، خصوصًا إذا لم تخصي غزة بإذاعاتك ونشرك ولم يمر في ذهنك ما يعايشونه من أهوال.

"أنا أفرّز المأكولات لأتفرغ للعبادة"

لا تعاد الصورة شارك وانشر وادعم صمود الشعب في غزة.jpg

احترامي لهدفك كبير، فإن كنت من الميسورات وتمتلكين الوقت والكهرباء والمواد الغذائية واستطعت تجهيز نفسك، وتتفرغين للعبادة، سيكون ذلك محمودًا، لكن لنا وقفة مع هذا البند كيلا ينحرف عن مساره كبقية الأمور.

بداية، لا بد أن نتذكر ونحن نفطر على أشهى المأكولات إخواننا الجوعانين في غزة. ثم علينا أن نخزن بمقدار معقول إذ أن كثرة التحضيرات توحي أننا قادمون إلى رمضان لنأكل فقط، أو أننا مقبلون على مجاعة رغم أن المجاعة الحقيقية للأسف تحصل في غزة!

أضيفي إلى هذا أن تكون النية تفرغًا للعبادة وليس للدعوات والولائم التي لا صلة رحم فيها، ولا زيارات أصدقاء أخوية إنما مجرد سباق على لقب الطباخة المسرفة التي تسعى للحصول على لقب فُلانة ذات العباءات المطرزة بالذهب والحصور المتباهي.

لمستِ مقصدي؟ انتبهت أين يكمن الخلل.. صحيح؟ وإذا تقبلنا ذلك في نطاقك المغلق فيصعب أن نتقبله وأنت تشاركين المنشورات على العام في كل مكان، وبشكل متكرر ومستفز دون إشارة إلى مصاب فلسطين من باب الوعي والتوازن.

كما يُبتلَى أهل غزة بالمحن فنحن نبتلى بالرخاء _حتى لو كان رخاء نسبيًا_ نبتلى بأننا لا نشاركهم المصيبة ليتضح أكنّا سنشاركهم إياها بإرادتنا وبفعل التزامنا بديننا وما يمليه ضميرنا علينا، أم أننا لن نتعظ إلى أن نشاركهم المصيبة فعليًا عندما تدور الدائرة؟

أنت حكيمة نفسك والعالمة بنياتك، بوسعك تحكيم ضميرك لتقرري أكان ما تفعلينه مسيء لشعب لم يبق جوع ولا عطش ولا فقد إلا عاناه أم لا؟أنا وأنت لسنا مثاليتين، لم يكتب لنا أن نكون نازحتين أو عالقتين عند المعبر، وبالتالي فشكل حياتنا لم يتغير، ونحن مجبرتان على الاستمرار بروتين الحياة المألوف، لكن من المعيب أن نظن ذلك ميزة تخصنا أو أننا حصلنا عليه لأننا الأفضل!

كما يُبتلَى أهل غزة بالمحن فنحن نبتلى بالرخاء _حتى لو كان رخاء نسبيًا_ نبتلى بأننا لا نشاركهم المصيبة ليتضح أكنّا سنشاركهم إياها بإرادتنا وبفعل التزامنا بديننا وما يمليه ضميرنا علينا، أم أننا لن نتعظ إلى أن نشاركهم المصيبة فعليًا عندما تدور الدائرة؟

لن نقول: "رمضاننا شيء ورمضان غزة شيء آخر"، إذ نتمنى أن يكون رمضاننا واحدًا، لكن إن كان ولابد فسنحترم النِعم التي بين أيادينا، لن نطغى في تسخيرها واستخدامها والأهم بألّا نسرف إسرافًا يقودنا لإلقاء كسرة خبز، فكسرة الخبز هذه كنز في غزة، الطحين الذي تحتويه قامت لأجله مجزرة عندما ذهبوا ليستلموا المساعدات فاختلط طحينهم بدمائهم! كل ما نتمناه من أنفسنا أن نحترم هذا الأسى ونخشع في حضرته.