بنفسج

رانيا أبو عنزة: " الاحتلال حرمني كلمة ماما"

الأربعاء 27 مارس

"بقله أبو الورد والله...أبو الورد؟ رحت يما؟ رحت يما يا قلبي؟ رحتي يا سوسو؟ سوسو دايمًا بغنيلها: هالصيصان شو حلوين" بعد انتظار 11 عامًا من الانتظار والحرمان. رانيا يوسف أبو عنزة تفقد توأمها بعمر 5 أشهر، وزوجها وسام نعيم، (29) عامًا، في غارة جوية إسرائيلية وحشية على رفح.

فقدت رانية زوجها وأطفالها و11 من أسرتها. تقول رانيا والدموع تنسكب على خديها: "الساعة 11 ونص كنا نايمين، ولادي كانوا جنبي، حسيت في إشي ضرب زي البرميل. صرت أنادي على ولادي، أنادي عالشباب: دوروا ع ولادي...حكولي ماتوا هم وأبوهم.

رانية تتحدث في حالة من الذهول التام، ومع ذلك فهي لا تنسى أيًا من التفاصيل، تذكرها واحدة واحدة، تحملها، وتقلبها، وتضمها إلى صدرها. لذلك كان وداع رانية لأولادها مغرقًا طويلًا مفصلًا، ظلت تحمل أجسادهم، وكأنهم نائمين، تتحدث إليهم: "سوسو يما، أبو الورد رد علي!" تناغي فيهما وكأنهما حيّان، وكأنهما سيستيقظان، وكأن راينة لا تستوعب موتهما، ورحليلهما الأبدي.

كان توأمها حلمها بالأمومة، تقول: "كان نفسي يكبروا ويحكولي ماما، ويجبولي هدية؟". لم يقتل الاحتلال ولديهما فحسب، وإنما قتل أحلامها، ورحلتها الشاقة لتصير أمًا؛ إذ حاولت رانيا عبر عقد من الزمان الإنجاب عبر التلقيح الاصطناعي ونجحت المحاولة الثالثة في 2023، ظلت تقول بصوت مشدوه: "ليش قتلوا أعز الناس عليّ، ولادي، لسا ما فرحت فيهم، حرموني من كلمة ماما".

تشاهد أولادها، وتناغيهم عبر شاشة هاتفها من فيديوهات قديمة، والدموع لا تفارق عيناها: "سوسو ماما، سوسو حبيبتي، أبو الورد، اغغغغ...". وكم من هذا الحزن ثقل يحمله قلب أم مكلومة، لا تصدق أنها لن تداعب توأمها مرة أخرى، بأنها لن تسمع كلمة ماما، التي عاشت من أجلها وصبرت، ومرت في رحلة علاج طويلة.

إنها رانية يوسف أبو عنزة، زوجة وسام نعيم أبو عنزة، أنجبت بعد عشر سنوان من الانتظار والصبر والعلاج الطويل والمحاولات العديدة، تقول، وهي التي سنستذكرها دومًا ونسجلها في ذاكرتنا مهما عبرت الأيام، الأم صاحبة التفاصيل الدقيقة، تمامًا كأم يوسف التي وصفته "يوسف، أبيضاني، شعرو كيرلي وحلو"، ستبقى هذه الكلمات مسجلة في وعينا الجمعي، ليست كونها كلمات أم فارقت أبناءها فحسب، بل لأنها تحفر عميقًا في طيات السردية الفلسطينية التي عبرت عنها امرأة عن أمومتها وعلاقتها المتجاوزة لكل العلاقات البشرية الأخرى.

 حلمها بالأمومة، وولادتها، تفاصيل علاقتها بولدها، طعامه وشرابه وحركاته ونموه اليومي وملابسه ورائحتها، عن هذا تتحدث رانية كل مرة بروحها ودموعها، ملابس أبو الورد، حلق سوسو، رائحتهما، مناغاتهما: "البنت اسمها وسام، والولد نعيم، ولدت في 13 أكتوبر، هاي أواعي أبو الورد حبيبي، ريحة نتقو فيه، وهاي حلق سوسو حبيبتي، هاي سماعة جوزي، هاي ساعته عليه دمه حبيبي".

رانية أم بتفاصيلها الروحية، أم من النوع الذي يكتب قصته، ويؤرخ لها، ويحتفظ بقصاصات حياتها، وهكذا فعلت في رحلة إنجابها، تقول: "هاد الدفتر في قصتي وقصتهم، رحنا عالمركز بشهر واحد "يناير"، أعمل تحاليل، بدأت علاجي 6 شباط، بعدين كتبلي الدكتور محمد جودة، في غزة، علاج حبوب، وإبر في بطني، أروح ع غزة أسوي صور، هاي كانت المحاولة الثالثة.

في 11 مارس بلشت أعراض دوخة، وحللت، طلعت حامل. ميعاد ولاتي كان 11 نوفمبر 2023، بس أجاني وجع وولدت في 13 أكتوبر، كان يوم الجمعة أول أسبوع الحرب. ولادي أجوا ويكبروا، صاروا بحركوا إيديهم، بناغوا، بمصوا إديهم، بتحرك حالها سوسو، كأنها بدها تيجي علي، كانت أنصح من نعيم، وأجبلها أواعي وفساتين. قلت والله يا أبو الورد إلا أجبلك 3 لبسات، بس كانت حرب، وأبوهم يقلهم نفسي أطلعكم عالبحر".

هذه تفاصيل قصة رانيا مع توأمها الروحي، حملتهم طويلا وعانقتهم وهما جسدان ميتان، أو نائمان، حكت لنا، عبر فيديوهات عديدة ومقابلات، عنهما، حركاتهما، لباسهما، ورائحتهما، وأحلامها فيهما، وأشياء كثيرة، سنظل نذكرها.