بنفسج

وجوه شاحبة: يموت أطفال غزة من الجوع وسوء التغذية

السبت 06 ابريل

عظام صدور بارزة، وعيون زائغة، وجلد جاف، ووجوه شاحبة، وأفواه مفتوحة، وأجساد صفراء ذاوية، وأيد تغرزتها الإبر الوريدية التي لا مكان لها في أجساد باتت تشبة الهياكل العظمية. هذه هي المشاهد اليومية التي نراها لأطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة في غرف المستشفيات، ولا يستطيع الأطباء فعل شيء حيال ذلك، فلا يوجد غذاء مناسب بعناصر غذائية كافية لكافة الأعمار، فمستشفى كمال عدوان يفقد رضيعًا تلو آخر جراء قلة الغذاء، وتدق الساعة الأخيرة لكل واحد منهم، ويتكرر هذا في مشهد يومي تقريبًا.

وقد سُجلت أكثر من 30حالة وفاة بين الأطفال في قطاع غزة والسبب هو سوء التغذية، إثر الحصار الذي يفرضه الاحتلال النازي على غزة بأكملها والشمال على وجه الخصوص، إذ بات يحارب أهل غزة ليس بالآلات والصواريخ فيبيدهم قتلًا، بل يمنع أي مساعدات ومواد من الدخول إلى غزة فضلًا عن الشمال بعد قطع أوصال القطاع وبات النفاد بينهما مستحيلًا. وبذلك فإن إسرائيل تضع سكان قطاع غزة في مثلث الموث المتمثل بالاستهداف والمجاعة والأوبئة.

وقالت الأنروا إن السلطات الإسرائيلية لم تسهل دخول إلا 25% من المساعدات المقررة إلى شمال قطاع غزة حتى الآن، وأن 28% من الأطفال دون سن الثانية في خان يونس ووسط قطاع غزة يعانون من سوء التغذية الحاد، وأكثر من 10% من الأطفال دون سن الثانية يعانون من الهزال الشديد في خان يونس ووسط قطاع غزة. 

وفقًا لتقرير صدر قبل أسبوعين عن مجموعة التغذية العالمية، وهي شبكة من المنظمات غير الحكومية المعنية بالتغذية وتقودها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إن جميع أنحاء قطاع غزة، يواجه 90% من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرا والنساء الحوامل والمرضعات، فقرا غذائيا حادا.

وأضافت المجموعة أن ما لا يقل عن 90% من الأطفال دون سن الخامسة مصابون بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية. وأفاد ريتشارد بيبركورن ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة والضفة الغربية بأن "الوضع متفاقم بشكل خاص في شمال غزة". وقال إن طفلا واحدا من بين كل 6 أطفال دون الثانية من العمر يعاني من سوء تغذية حاد في شمال القطاع.

والمرجح أن الأوضاع ستزداد سوءًا يومًا بعد آخر. وقالت وزارة الصحة إن نصف مليون فلسطيني بشمال غزة يقاسون المجاعة التي تفتك بأرواحهم بصمت. وأن نحو 700 ألف طفل في قطاع غزة يتعرضون لمضاعفات خطيرة نتيجة سوء التغذية والجفاف وعدم توفر الإمكانيات الطبية. 

يقول عماد دردونة، طبيب الأطفال في مستشفى كمال عدوان، وهو مستشفى الأطفال الوحيد في شمال غزة، "إن الفريق الطبي لديه الإمدادات اللازمة لعلاج نحو نصف الحالات فقط بشكل مناسب. وليس لدينا ما نقدمه لهم، أقصى ما يمكننا القيام به من أجلهم هو إما إعطاؤهم محلولا ملحيا أو محلولا سكريا. وإذا طال أمد سوء التغذية فإنه سيؤدي إلى عواقب طويلة المدى مثل تقزم النمو وتراجع القدرة على التعلم وضعف الجهاز المناعي". وأضاف الأطباء أن الأطفال يتوافدون يوميا إلى مستشفى الشفاء وكمال عدوان، وهم يوعانون من الأعراض ذاتها. 

"حوصرنا في المدرسة دون أكل وشرب، وبعد ذلك فقدنا أبوهما، ثم استشهد مهند بسبب سوء التغذية، وأنا أصمد الآن من أجل طفلي الثاني الذي يعاني الآن من الأعراض ذاتها".

أنفاس قصيرة متقطعة ونظرات زائعة، ليلى، في مستشفى كمال عدوان التي ولدت خلال الحرب، تحاول الأطقم الطبية رعايتها، يقول الطبيب أنه طوال فترة عمله اعتاد على استقبال هذه الحالات بأعداد كبيرة يوميًا وهم يموتون في النهاية. وإن استمرت الامور هكذا فستؤول للأسوأ. 

تقول إحدى الأمهات النازحات، وهي والدة الطفل مهند الذي مات نتيجة سوء التغذية: حوصرنا في المدرسة دون أكل وشرب، وبعد ذلك فقدنا أبوهما، ثم استشهد مهند بسبب سوء التغذية، وأنا أصمد الآن من أجل طفلي الثاني الذي يعاني الآن من الأعراض ذاتها". وكذلك توفي محمد نعيم النجار وعمره 6 سنوات من شمال غزة بسبب سوء التغذية وعدم توافر العلاج. 

وهذه جنى عياد، من شمال القطاع تعاني من عدة أمراض بسبب سوء التغذية.رفيق ورفيف في مجمع الشفاء الطبي ويعانون من سوء التغذية وسوء العلاج، يقول رفيق: "أعاني من تقرحات وسوء تغذية، ووجع مش طبيعي، ولا يوجد دواء، ورفيف أخته كذلك، وهما ناجين من مجزرة مروعة، لديها بتر وإصابات، تقول: لا يوجد علاج لي ولا يتوافر الأكل. أما الطبيب فيعلق قائلًا: كلاهما دون غذاء أو دواء وحياتهم مهددة بالخطر في اية لحظة. 

وهذه الأم وحولها أطفالها الجوعى تقول: "نفسنا بكل إشي، لا يوجد حتى الأساسيات، لا يوجد طحين ولا بندورة ولا خيار. نحن مهددون، خلال نزوحنا من الشمال، كنا محاطين بالجنود والدبابات والكاميرات، مع إطلاق الرصاص، من الجوع شردنا هون، خمس أشهر لم نذق الخبز، أكلنا الحشائش الخضراء مع ماء. جوع لا يوصف، عشنا على الصويا والذرة، وأي نوع من طعام حيوانات الشعير وغيرها."