بنفسج

يوميات الحرب المُهمشة: الطبخ على مواقد الحطب

الثلاثاء 21 مايو

نار ولهب أسود، حرارة من الجهات الأربع، تغذيها جيدًا شمس تعلّمت السطوع من جديد، بعد دخول فصل الصيف، وحرارة تدب في الوجه والجسد، ودموع تذرفها العيون بفعل الحرارة المنبعثة، كل هذا من أجل إطعام العائلة، وخبز الخبز، أُجبرن نساء غزة أن يجلسن أمام مواقد الحطب، يجمعن الحطب والورق والقمامة ربما لإشعال النار بغية الطبخ، ينظرن إلى أصابعهن التي اتشحن بالسواد، ويشعرن بحرقان في العين والوجه،لم يعشن أي من هذا بالاختيار بل فرض عليهن عنوة وإجبارًا.

في ظل أزمة غاز الطهو: الغزيات يطبخن على الحطب

نساء من غزة يجمعن الأوراق والمواد البلاستيكية لإشعال النار للإعداد الخبز.jpg
نساء من غزة يجمعن الأوراق والمواد البلاستيكية لإشعال النار للإعداد الخبز 

 لقد أعادت الحرب أهل غزة للعصور البدائية وذلك بعد منع دخول غاز الطهي والوقود للقطاع، وإن تم إدخاله فيدخل بكميات شحيحة لا تلبي حاجة المواطن الغزي. فاضطرت النساء  الغزيات للبحث عن حل وإيجاد البديل كعادتهم في عدم الاستسلام للواقع.السيدة أم محمد تحدثنا وهي تمسح بقعة السواد عن وجهها وتقول: "لقد سئمت من الطبخ على النار، أحمل الهم كل ليلة كيف سأستيقظ صباحًا وأشعل النار للبدء في المعركة الأشرس في يومي، حقيقة أعاني جدًا وأنا أخبز أو أطبخ، فهبوب النار في وجهي يزعجني، لا أتحمل الحرارة وخصوصًا مع دخول فصل الصيف، فلكم أن تتخيلوا نيران مشتعلة أمامك وشمس مصوبة فوق  رأسك".

ما هي الأضرار الصحية التي لحقت بك من الطبخ على الحطب؟ تجيب وهي محبطة: "وأنا أشعل الحطب أشعر بحرارة في عينيّ إذ أعاني من التهاب في العين وانتفاخ في الجفن بسبب التعرض الدائم للنار، بالإضافة إلى مشاكل في الجهاز التنفسي، لم أراجع أي طبيب فلا رفاهية كهذه لدي، لأنه حتى وإن نصحني الطبيب بالابتعاد عن مسبب المرض لا خيار متاح أمامي بالتوقف عن الطبخ على النار بسبب عدم توفر غاز الطهي".

يتشاركن الغزيات الهموم ذاتها  طبخ وخبيز على الحطب، وغسيل على الأيدي، فلم تعد مقومات الحياة المُعتادة متوفرة لديهن، أو موجودة في قاموس حياتهن، نسين حتى كيف كُنّ يعشن قبل السابع من أكتوبر، ذقن الويلات في سبيل توفير مقومات الحياة البسيطة، فأضحى الحق الطبيعي في الحياة محض ترف، ولا خيار أمامهن سوى التأقلم والعيش. 

التعّرض للنار والدخان: مضاعفات صحية 

امرأة من غزة تشعل النار وتعد الطعام على الحطب.jpg
امرأة من غزة تغطي وجهها للتقليل من آثار الدخان وهي تُعد الطعام على الحطب 

السيدة الخمسينية هيام كان قد منعها طبيب العيون من التعرض للحرارة المرتفعة بسبب حساسية عينيها، فكانت تتجنب الطبخ على الغاز في الأيام الطبيعية وتوكل المهمة لشقيقتها، ولكن في الحرب تولت مهمة تكسير الحطب وإشعاله، فتفاقمت مشكلتها الصحية، وتطبخ في غالب الأحيان ودموعها تتساقط مع احمرار عيناها.

تقول: "تعبت جدًا من الروتين اليومي للخبز على الحطب، والطبيخ اللي ريحته نار، صار نفسي أدوق طبيخ مطبوخ ع الغاز، والشاي الطبيعي بدون طعم النار، الاشي متعب جدًا من تقطيع حطب وانتظار لحد ما تولع النار، كتير بتمنى يدخل غاز للشمال ويكون سعره في متناول الكل لحتى نجيب".يُذكر أنه وبحسب أطباء فإن إشعال النار عبر الحطب والمواد البلاستيكية أدى إلى ازدياد الأمراض التنفسية، والالتهابات الحادة في القصبة الهوائية بين أهالي قطاع غزة.

"إن الاحتلال وللشهر السابع على التوالي يمنع إدخال غاز الطهي والوقود لغزة وشمالها، مما دفع الغزيون إلى الاعتماد على الطرق البدائية باستخدام الحطب والمواد البلاستيكية مما تسبب في إصابة عدد كبير بأمراض الجهاز التنفسي بفعل المواد المستخدمة في الإشعال التي تنبعث منها الغازات السامة".

"كتير بتعب مع النار كوني مريضة ربو لكن ما في قدامي خيار تاني".. هذه السيدة أم أحمد تتلفح بطرف حجابها أثناء تعرضها للنار للتخفيف من أثرها، وعلى الرغم من براعتها في إشعال الحطب بشكل سريع إلا أنها تعاني من الرائحة النفاذة للبلاستيك والكرتون المشتعل، تقول: "أعاني من مرض الربو منذ شبابي وأتجنب كل ما يهيج الجهاز التنفسي لدي، لكن مع الحرب وانقطاع الغاز اضطررت للطبخ على النار على الرغم من أثرها السيء على جهازي التنفسي، وأحيانًا مع قوة اشتعال النار لا أستطيع أن أرى وعاء الطبيخ الذي أمامي إثر تساقط الدموع".

ولم تتوقف الآثار الجانبية للنار عند أمراض الجهاز التنفسي بل طالت الجلد فأم أحمد عانت من حروق في يديها وجفاف بالجلد، وعلى الرغم من أنها تستخدم مرطبات لليدين لكنها لم تجد النتيجة المرجوة بالترطيب. وفيما يتعلق بهذا الخصوص قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف في تصريح سابق: "إن الاحتلال وللشهر السابع على التوالي يمنع إدخال غاز الطهي والوقود لغزة وشمالها، مما دفع الغزيون إلى الاعتماد على الطرق البدائية باستخدام الحطب والمواد البلاستيكية مما تسبب في إصابة عدد كبير بأمراض الجهاز التنفسي بفعل المواد المستخدمة في الإشعال التي تنبعث منها الغازات السامة".