بنفسج

إحداها إعالة الأسرة: حروب تخوضها النساء في غزة

الخميس 03 أكتوبر

ازدياد عدد الأسر التي تعيلها المرأة في غزة
ازدياد عدد الأسر التي تعيلها المرأة في غزة

منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعاني المرأة الغزية بشكل خاص من الأدوار الاجتماعية الجديدة التي أرهقتها، إلى جانب الحرب النفسية إثر العدوان الإسرائيلي الذي لا يتوقف، فإلى جانب قلقها وتفكيرها في الموت الذي يمكن أن يسلبها أعز ما تملك، ومن الخوف من الاعتقال أو القتل، إلى ضرورة تنفيذ المهام اليومية المعتادة.

 أُضيفت على عاتقها مسؤوليات جديدة أتعبتها نفسيًا وجسديًا، ومع انعدام كل مقومات الحياة في غزة، أجبرت النساء الغزيات على التخلي عن أبسط الحقوق، فها هي تعيل أسرتها في غياب الزوج الذي قد يكون غائبًا بسبب الموت أو السفر أو الاعتقال، فمن المسؤولية الأولى عن صغارها إلى تقطيع الخشب بنفسها والطهو على النار، إلى تعبئة المياه، ومنهن من أضطررت للسعي للحصول على وظيفة ما لتشكل لها مصدر دخل في ظل الغلاء.

وهنا، في هذا التقرير، نسلط الضوء على النساء اللواتي يعلن أطفالهن، وينجزن كل الأعباء بلا استثناء، بأنفسهن، ينزحن لوحدهن، ويقمن بدور الأب والأم في آن واحد مهما بلغت مشقة ذلك.

تجربة سيدة معيلة في الحرب

عمل.jpg
تعمل النساء في غزة في مهن مختلفة لتعيل أسرتها

السيدة أسماء سليمان واحدة من النساء الغزيات التي تحمل على عاتقها مسؤولية صغارها الأربعة، تقطن في شمال غزة، ومؤخرًا بدأت العمل ومع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" كمختصة نفسية، فماذا عن العمل في الحرب في مركز إيواء من الممكن أن تطاله الغارات الإسرائيلية في أي وقت.

تقول لبنفسج: "كان خيار قبول العمل في هكذا وضع صعب جدًا مع ازدياد قصف مراكز الإيواء من قبل جيش الاحتلال، ولكن أنا لدي أطفال أكبرهم 8 سنوات وبحاجة للعمل لسد الاحتياجات اليومية في ظل الغلاء الشديد، وعلى الرغم من قلقي من الاستهداف بأي وقت إلا أنني أمارس عملي بحب، وأحاول قدر الاستطاعة أن لا أترك نفسي للهواجس والأفكار".

تقطن أسماء في جباليا إذ جرف الاحتلال منزلها خلال الاجتياح الأخير، فأصحبت تعيش رفقة أهلها في بيتهم المتضرر مع أطفالها، ما هون عليها العمل، كانت قبل أن تنتقل لبيت عائلتها تترك بناتها في بيتها لوحدهن ينتظرن انتهاء دوامها لتعود للبيت ولكن الآن أضحى الأمر أيسر عليها، بوجود الصغار مع خالاتهن.

ماذا عن العمل وسط الميدان والاستماع لهموم الناس عن قرب؟ تجيب: "حقيقة الاختلاط بالناس وهمومهم أثر فيّ جدًا، فإضافة لهواجسي الداخلية، أخالط من فقد كل العائلة، ممن كسرت فرحة عمره، من ذهب بيت العمر، كلنا بلا استثناء هنا مقهورون، أحاول شد عزيمتي دومًا لوظيفتي في الطبطبة على قلوب المكلمومين، ومن القصص التي تقويني زميلتي في العمل التي فقدت والدها وزوجها دون وداع.

 إضافة لشقيقتها التي أصيب بعد استهدافها بشكل مباشر، فاستشهد زوجها وابنها، أراها تبقى مع أختها بالمشفى طوال الليل؛ وفي صباح اليوم تأتي للعمل لتستمع لهموم الناس وقصصهم المؤلمة".

تعرضت أسماء عدة مرات وهي بالمدرسة التي تعمل بها، لقصف قريب جدًا، ما أدخلها في حالة من التوتر على عائلتها وأطفالها وخصوصًا طفلتها الأصغر التي تصاب بالهلع بمجرد سماع صوت انفجار قريب، تقول لبنفسج: "كتير بخاف على حالي وعلى البنات وأهلي لكن ما يربط على قلبي هو إيماني التام بالقدر فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك".

أما عن بناتها تخبرنا أسماء أنهن مسرورات من عمل والدتهن لكنهن يتذمرن أحيانًا من غيابها، وخصوصًا إن حدث قصف قريب منهن، وهي تحاول قدر الاستطاعة تلبية احتياجاتهن وتعويض غياب والدهن المسافر فهن دائمًا يسألن عنه ويكتبن له الرسائل على دفاترهن، ويقلن: "ياريت بابا معنا بالحرب".

تردف أسماء لبنفسج: "غياب زوجي خلال الحرب والنزوح أثر على نفسيتي جدًا، فأن أكون مسؤولة عن كل شيء أمر صعب، افتقدته جدًا عندما رأينا جرافات الاحتلال من المنزل وركضنا من خلف المنزل نهرب، فلم أعلم ماذا أفعل أمسك يدي طفلتي الصغيرة أم أغراض النزوح، فما كان مني إلا أن أعطيت كل من بناتي حقيبة لتركض بها، فمشينا مسافة طويلة جدًا سيرًا على الأقدام ونحن نحمل الأمتعة فكان يوم لا يُنسى، وحين عودتنا أيضًا كان الأمر صعبًا علينا ونحن نرى بيتنا مجرف بالكامل، بناتي لم يستطعن التحمل فبكين أغراضهن وذكرياتهن".

ماذا يعني أن تكوني أمًا معيلة في الحرب؟

معيل.jpg
تزداد عدد الأسر التي تعيلها النساء في غزة منذ الحرب بشكل مضطرد

يُذكر أن النساء في غزة عانين الويلات خلال حرب الإبادة الجماعية، إذ أجبرن على النزوح سيرًا على الأقدام من شمال غزة لجنوبها بمسافة تقدر ب 22 كيلومترًا، وعلى حاجز نتساريهم اعتقل الجيش الإسرائيلي كثيرًا منهن، ونكل بالبقية، وسط إطلاق نار كثيف من الجنود المتمركزين. وبحسب التقارير فإن للعدوان الإسرائيلي تأثيرات سيئة على النسوة الغزيات على كل الأصعدة، وهذا سيسبب خلل في التركيبة الاجتماعية الفلسطينية.

أما السيدة أماني عبدالله لم تختلف عن سابقتها كثيرًا، تعاني العبء ذاته، من مسؤولية الأطفال إلى توفير الحاجيات اليومية، من ماء وطعام، تقول: "أن تكوني أمًا معيلة لأسرة لوحدك أمر صعب جدًا، ولا سيما وقت النزوح، فأنا مع كل نزوح أحمل هم الطريق والخوف من المجهول، أولادي يساعدوني قليلًا كونهم جميهعم فوق سن التاسعة، ولكن تبقى المسؤولية ثقيلة على الرغم من مساندة الصغار".

يبدأ يوم أماني كل صباح بتعبئة المياه، ترسل طفلها الأكبر لشراء الماء فيحمله للطابق الثالث حيث مكان نزوحها، وهي تساعده برفقة شقيقاته الثلاث، وفي الظهيرة تبدأ رحلة تكسير الحطب للطهو على النار.

تضيف لبنفسج: "والد أطفالي متوفي منذ سنوات، ومن يومها لهذا الحين وأنا أتحمل على عاتقي مسؤولية الأطفال، كنت أعمل قبل الحرب مرشدة تربوية في أحد المدارس، ولكن منذ اندلاعها أبقى برفقة أطفالي، والآن أفكر  بالتقديم لعمل جديد يدر ولو دخل بسيط علي، حيث أنني لا استطيع سد كل احتياجات أطفالي اليومية".

"نساء غزة يظهرن قوة وإنسانية فائقة في كفاحهن من أجل البقاء مع تمسكهن بالأمل وسط التدمير، التقيت نساء رائعات يعتنين بأسرهن في وجه الجوع والموت والأمراض والتشريد"

واجهت أماني العديد من القصص خلال نزوحها ففي مرة التقت بالمستوصف الطبي بسيدة أخبرتها عن جارتها الذي رفض مركز إيواء استقبالهم فلجأت لمدرسة أخرى مع أطفالها وإذ بجيش الاحتلال يستهدفها رفقة أطفالها، فتستشهد السيدة ويصاب طفليها إصابات خطيرة، وهذه القصة أثرت عليها وشعرت بالخوف من أن تعمل كمرشدة في أحد مراكز الإيواء بعقد عمل مؤقت، "لمين بدي أسيب ولادي لو رحت دوامت بشغل تاني أو حتى كمتطوعة صعب جدًا أدوام بهيك نفسية".

في ذات السياق، تؤكد ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة ماريس غيمون بأنه لا مكان آمن للنساء في غزة وأن كل امرأة قابلتها هي قصة فقدان، فتقول: "إن 9 من بين كل 10 أشخاص في غزة نازحون، وحوالي مليون امرأة نزحن بدون أساسيات وبدون معرفة إلى أين الوجهة". وتضيف عن المرأة الغزية: "نساء غزة يظهرن قوة وإنسانية فائقة في كفاحهن من أجل البقاء مع تمسكهن بالأمل وسط التدمير، التقيت نساء رائعات يعتنين بأسرهن في وجه الجوع والموت والأمراض والتشريد".