بنفسج

ماما راية: خطوات نحو طفولة سعيدة

الأربعاء 17 يونيو

اليوم يصادف توقيت كتابة هذا المقال مع ذكرى ميلاد ابنتي ومرور أربعة أعوام من الحب، التجارب، المشاركة، الضحك، والبكاء. لنعد قليلا للبدايةفي بداية حملي بطفلتي الأولى وأثناء تصفحي للانترنت للتهيؤ للمرحلة القادمة من العناية بطفل جديد، صادفت مواضيع تهتم بأنشطة الأطفال في أعمار مبكرة، بل أذهلني وجود أنشطة منذ الولادة. فالطفل كان في مخيلتي في الفترات الأولى من عمره، يرضع يبكي ينام وينظر للسقف، ثم عندما يكبر قليلا سيصفق ويأكل، يمشي ويخرّب! هذا ما يفعله جلّ وقته، لكن ما اكتشفته أن هذه ليست كل الحقيقة، وأن هناك عالما من الجمال والحياة يتخلل هذه الأفعال نصنعه نحن، وبدأت أشتاق أكثر لابنتي وأبدأ بتخيل أنشطتنا معا.

قبل أربع سنوات كان التعرف على الأنشطة يعد اكتشافاً. أما اليوم فالحمدلله أصبح هناك وعي كبير وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تمتلئ بصفحات التربية، وأنشطة لاحصر لها، والعديد من الأمهات الإيجابيات اللواتي يشاركننا رحلتهن مع أطفالهن، فيحفّزن ويتحفزن ويتبادلن الخبرات، تجربتي متواضعة خلال هذه الأربع سنوات، بعض الأنشطة والدورات، سأحدثكم عنها في المقالات القادمة علّها تشجع أماً جميلة فتنطلق معنا.

تعلمت أن شخصية الإنسان تتكون بشكل كبير في السنين الأولى من عمره، وأكثر من ذلك فإن أول سنتين هي أسرع مرحلة في التطور العقلي، وتكون التشابكات العصبية داخل المخ قد تشكّلت بنسبة كبيرة تتشابه كثيراً لدى الشخص البالغ، وكلما زادت هذه التشابكات والوصلات كان الطفل ذا قدرة أكبر على الفهم والتحليل. والمفاجأة كانت أننا نستطيع نحن زيادة هذه الوصلات والتشابكات لدى الطفل، كيف ذلك؟ عن طريق التغذية السليمة، وتعريض الطفل لخبرات حسية، حتى اللمس والأحضان والقبل تساهم في ذلك.

لقد أثبتت أبحاث حديثة أن مخ كل طفل مكوّن من نفس عدد الخلايا ويعيش حياته بنفس العدد تقريبا، 100 بليون خلية عصبية، لكن هذه الخلايا تكون غير متصلة ببعضها، ومع كل تجربة صغيرة جدا يمر بها الطفل، كأن يسمع أو يشم أو يلمس شيئا أو يحصل على حضن مثلا، تستثار المنطقة المسؤولة عن ذلك في مخه ويحصل تشابك عصبي بين الخلايا حتى أن يصل الطفل إلى عمر سنتين؛ فتكون التشابكات العصبية في أقصى عدد لها ومشابهة كثيرا لعددها لدى الشخص البالغ.

تكمن أهمية هذه الوصلات أنها تشكل أساس بنية المخ وتدعيم هذه الوصلات وتقويتها من خلال الاستخدام المتكرر للخبرات والتجارب. والفيديو القصير التالي من مركز تطور الطفل في جامعة هارفرد يوضح كيف تساهم الخبرات التي يتعرض لها الطفل في بناء مخه، ومنها يمكن أن نستنتج أهمية الأنشطة التي نقدمها لأطفالنا في عمر مبكر.

 | أشركيه

ذ26.png

مجرد سماع كلمة نشاط سيتبادر لذهن بعض الأمهات "لا وقت لدي". أعرف أن المشاغل كثيرة والمهام لا تنتهي، الأنشطة لن تأخذ اليوم بطوله، بل قد لا يتجاوز النشاط عدة دقائق في اليوم. فالمهم حقا هو جودة الوقت الذي تقضيه مع أبنائك أكثر من كمّه. وأيضاً تستطيعين تحويل يومكم العادي إلى أنشطة لا حصر لها.

منذ البداية من عمر الأيام تحدثي دائما مع طفلك، أخبريه ماذا تفعلين، ولماذا تفعلين ذلك، أخبريه عن مشاعرك، غنو معا أثناء قيامكم بالأمور وستتفاجئين من كم الكلمات المخزنة لديه فيما بعد، وقدرته على التعبير عن نفسه. وعندما يكبر قليلا ويستطيع المشي أشركيه معك في مهامك المنزلية وحوليها للحظات ممتعه مفيدة.

الطفل يحب الاستقلالية، يحب النشاط والعمل، وعنده رغبة كبيرة في الإنجاز، لديه فضول عارم لاستكشاف العالم حوله، وهذا يعد استجابة طبيعية لفطرة لديه. وهو يمر بفترات يحتاج فيها إلى تطوير مهارات ما، فإن لم يجد الطفل ما يلبي هذه الرغبات ويثيرها سيبدأ بإصدار سلوك مزعج، ثم نتهم أطفالنا بالإزعاج والتخريب.

ففي وقت جلي الصحون مثلا دعيه يقف بجانبك بعد ارتدائه لمريول بلاستيكي، أعطه بعض الأدوات صحنين عميقين مثلا وبعض الملاعق والمغارف الصغيرة واتركيه يفعل ما يشاء. سيبدأ بنقل الماء من صحن لآخر ويكتشف أن الملعقة ذات الثقوب لن تنقل الماء وهكذا، ضعي له بعض الرغوة لمتعة أكبر، ستنتهي من الجلي وابنك لم ينته بعد من الاستكشاف والاستمتاع.

وقت نشر الغسيل كذلك دعي الطفل يشارك في جلبه من الغسالة، ذكر أسماء قطع الملابس، ولمن هذه من أفراد العائلة، ووقت لمّ الغسيل تسابقي معه في وضعه في السلة، إحضار زوج الجرابات المتشابهة مثلا. وقت الطبخ أيضا، اذكروا أسماء الخضار والفواكه وعدوا معا أطلبي منه القيام بجلب ما تحتاجينه، غنوا واصنعوا الكعك واصنعوا بذلك ذكرياتكم مع أطفالكم فهي الرصيد الحقيقي للحب والمعرفة الآن وفي المستقبل. وهكذا تنجزين مهامك وتسعدين طفلك. لا تبقيه على التلفاز بحجة أنك بحاجة لوقت لإنجاز مهامك.

 | البساطة

ذ27.png
 

 البعض قد يتبادر لذهنه ايضا أن الأنشطة والألعاب مكلفة، في الواقع ياصديقتي تستطيعين عمل أجمل أنشطة بمواد بسيطة متوفرة في كل منزل، ونصيحتي إلى الفتيات والخاطبات عندما تبدئين بالتجهيز لبيتك الجديد، لاتنسي إحضار بعض الأدوات الأساسية مثل: مقص، مشرط، لاصق، مسدس شمع، بعض قطع الكرتون، والخيطان والأزرار ، أقلام وألوان لما لها من فائدة في الحياة العملية، وتشجعك على ملء أوقات فراغك حتى قبل وجود أطفال. وإن لم تكن متوفرة لديك فاذهبي اليوم واشتريها كبداية عملية للانطلاق في عالم الأنشطة الجميل، احتفظي ببعض العلب المعدنية، كراتين المنتجات، كراتين البيض، والمناديل الورقية، سنستغلها في بعض الأنشطة أيضا.

الطفل يحب الاستقلالية، يحب النشاط والعمل، وعنده رغبة كبيرة في الإنجاز، لديه فضول عارم لاستكشاف العالم حوله، وهذا يعد استجابة طبيعية لفطرة لديه. وهو يمر بفترات يحتاج فيها إلى تطوير مهارات ما، فإن لم يجد الطفل ما يلبي هذه الرغبات ويثيرها سيبدأ بإصدار سلوك مزعج، ثم نتهم أطفالنا بالإزعاج والتخريب. فلنوفّر للطفل بيئة آمنة يستكشفها ونوفّر له أنشطة تلبي احتياجات النمو لديه. تذكروا الأنشطة لا تهدف فقط لملء وقت الطفل وإبعاده عن التلفاز وحسب، بل هي تنمي مهاراته وتركيزه؛ تعلمه الصبر والمثابرة والاعتماد على النفس، اتخاذ القرارات والتكيف مع البيئة، والتعلم بشكل أسرع من أقرانه.

أتذكر أني في أول اجتماع أمهات ذهبت إليه في حياتي لأطمئن على ابنتي ووضعها في الروضة، أجابتني معلمتها "هي إللي بتفّش قلبي في الصف"- مع العلم أنها أصغر طفلة في صفها -، كانت هذه الكلمات كفيلة بإسعادي وطمأنتي عليها أكثر من لو ذكرت لي قائمة صفات تتميز بها! فقد أحسست أنها المعنى العامي لمصطلح "قرّة أعين" الذي ورد في القرآن الكريم. وأنهي كلامي اليوم وكل يوم بدعائي لله تعالى: "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما".في المقال القادم سننتقل للحديث عن أنشطة للأطفال في الستة أشهر الأولى من عمرهم وطريقة تقديمها، فإلى لقاء قريب.