بنفسج

ملتقيات الزواج: ماذا بعد حديث المنصات؟

الخميس 18 يونيو

أتاحت لي السنوات القليلة السابقة المشاركة في تنفيذ أو الاطلاع بشكل مباشر على عدة ملتقيات أقيمت في الضفة الغربية؛ رام الله والخليل. كان هدفها الرئيسي تقديم مادة تثقيفية لمئات من الشباب والفتيات المقبلين على الزواج أو المتزوجين حديثًا، تؤهلهم إلى حدٍّ ما للدخول إلى عالم الحياة الزوجية وهم يحملون ثقافة جيدة تجاه تجربة الزواج.

والواقع أن سؤال الجدوى من هذه الملتقيات كان ولا يزال حاضرًا في ذهني وهو من أكثر الأسئلة التي أستمع إليها وأجري حولها المناقشات. فهل تفيد هذه الملتقيات بما فيها من محاضرات ولقاءات وأنشطة وفعاليات الشاب المقبل على الزواج؟ وهل فعلًا حققت فائدةً لأولئك الشباب والشابات الذين حضروها أثناء الزواج وبعده؟ وهل فعلًا تمثِّل هذه الملتقيات نموذجًا يستحق التكرار في مناطق أخرى؟ وهل استطاع القائمون على هذه الملتقيات فعلًا تقديم مادة يحتاج إليها الشباب؟

أسئلة كثيرة ومحقَّة يجب أن يتم طرحها عقب كل نشاط ثقافي، تعليمي، تربوي. والواقع –من وجهة نظري- أن الفعل الثقافي في هكذا أنشطة لا يمكن قياس أثره بتلك السهولة، فهو عمل ممتد، والمفترض أن تتسرب فائدته بين الناس بنعومة وهدوء ويظهر أثرها على سلوكهم مع الوقت، فقد يستفيد الإنسان من جملة أو موقف أو معلومة في هذا الملتقى، وقد لا يجد في كل ما يقدَّم له أي علاقة بطبيعة حياته الخاصة وضمن ظروفه وسياقه الشخصي. ويظل أولئك الشباب الذين حضروا هذه الفعاليات هم الأقدر على الإجابة عن كثير من تلك الأسئلة، وإثراء النقاش حولها بعد أن استمعوا إلى الكثير من الكلام النظري، ثم خاضوا التجربة فعلا بخصوصيتها لكل واحدٍ منهم.

من البساطة للتعقيد

لتسكنوا.jpg
مشاركين في ملتقي لتسكنوا إليها "رحلة شريكين" 2019

في الواقع يمكن أن نخوض نقاشًا طويلًا حول كل الأسئلة التي طرحناها ويطرحها الناس عقب الأنشطة الثقافية وجدواها، ولكنَّ الحقيقة الماثلة أمامنا أن هناك حالة ضعف ثقافي عام نعاني منها جميعًا؛ سواء على صعيدنا الشخصي، أو ما يمكن ملاحظته بشكل طبيعي لكل من يخالط الناس ويناقش قضاياهم المتعلقة بالزواج والطلاق.

مشكلات متعلقة بالشباب والشابات وطريقة اختيار شريك الحياة، ومشكلات متعلقة بأسلوب ووسيلة الارتباط، ومشكلات أخرى متعلقة بطبيعة العادات والتقاليد الاجتماعية التي عقَّدت أمر الزواج بكليته، ولاحقًا طريقة التعامل الصحيحة بين شريكين أتى كل واحدٍ منهما من عالم مختلف، وكيف يمكن أن تدوم هذه الحياة.

ولكن، لماذا وفجأة وجدنا أنفسنا مضطرين للإجابة على هذه الأسئلة أصلًا، ولماذا لم يكن هذا الموضوع مطروحًا ضمن أسئلة جيل أمهاتنا وجدَّاتنا؟ وفي الواقع إن أسئلة كل مجتمع هي صورة عن ثقافته، تطوره، نضوجه، تغيُّره، أو تراجعه.

وفي محاولة سريعة لتحليل غياب هذا السؤال وحضوره، يمكن أن نقول: أنه ولدى الجيلين السابقين (الأمهات والجدات) كانت ثقافة المرأة والرجل المتعلقة بالزواج تحصل بشكل طبيعي ضمن السياق التربوي الخاص الذي كان يحكم المجتمع، فالجدة تنقل للأم والأم تنقل للابنة محصلة خبرتها.

وهكذا كانت ثقافة المجتمع تجاه الحياة الاجتماعية المرتبطة بالزواج، وما يحيط به من عادات وتقاليد وقضايا تربوية وعلاقات تحصيلًا حاصلًا ضمن سياق العائلة، يورثة كل جيل للجيل الذي بعده، بصرف النظر عن صحة هذه الثقافة أو خطئها، والأهم من كل هذا بساطتها، بساطة المعلومة، بساطة العلاقة، وبساطة التكاليف من الطرفين ضمن ظروف حياة أبسط من كثير من حالة التركيب التي نعيشها اليوم.

اليوم ومع توسع مصادر التلقي –سلبًا وإيجابًا- ومع تركيب العلاقات الاجتماعية وتعقدها في كثير من المناطق، ومع توسع رقعة المشاكل الناتجة عن غياب الثقافة، والعلم، والتربية الفعالة في مؤسسة الأسرة، صار السؤال حاضرًا بقوة، سؤالٌ كبيرٌ حول كل ما يتعلق بأمر الزواج ابتداءً من مرحلة الاختيار وصولًا إلى مرحلة بناء علاقة سليمة مع الشريك تفضي إلى ديمومة الحياة واستمرار العلاقة بشكل صحيح لخلق أسرة قابلة للاستمرار.

هكذا صارت المساهمة في أي فعالية ثقافية -مهما كانت بساطتها- ترفع من مستوى الأجيال الحالية تجاه قضية أساسية ومركزية من قضايا المجتمع، وهي مسألة ملحَّة اليوم لغياب دور الأسرة الذي كان يتكفل بهذه المهمة على نحوٍ مرضٍ إلى حدٍّ بعيد.

ملتقيات تثقيفية

خلال سنوات قليلة ماضية بدأت فعالية الملتقى السنوي (لتسكنوا إليها) في مدينة رام الله والذي تقوم عليه مجموعة عمل من المتطوعين/ات بجهدٍ ذاتي تمامًا، مدعوم من رسوم الحضور وبعض التبرعات الأهلية. وملتقى (البيوت السعيدة) في مدينة الخليل الذي تقوم عليه جمعية البيوت السعيدة للثقافة والتنمية، وتدعمه الجمعية كمؤسسة من حيث التخطيط والتنفيذ وتعتمد في تغطية نفقاته على تبرعات أهلية إضافة إلى رسوم المشاركين. والطرفان –حسب علمي- يعملان حاليًا على تنفيذ الملتقى السنوي للمرة الثالثة على التوالي.

خلال الملتقيات الأربعة التي نفذها الطرفان؛ اعتمد فريقا العمل على المحاضرات كوسيلة أساسية للتثقيف والتوجيه، واختار الطرفان للعمل شخصيات من ضمن المجالات الآتية: أساتذة جامعات في المجالات: التربوية، الشرعية، النفسية، الطبية، متخصصون عاملون في ميدان الأسرة في مؤسسات حكومية وغير حكومية في المجالات: النفسية، الجنسية، المحاكم الشرعية، مدربون في مجالات التنمية البشرية، ناقشوا مسألة أنماط الشخصية والاختلافات النفسية بين الزوجين وكيفية التكيف معها بعد إدراكها، وتجارب شخصية لأزواج/ات حملت تجربتهم عبرةً تستحق الإشارة في إقامة علاقة زوجية ناجحة، أو فشل استطاع الطرفان التغلب عليه.

ضمن هذه المجالات كان الحديث عن ميدان اختيار شريك الحياة، الحب، أنماط الشخصيات، الجانب الجنسي في العلاقة الزوجية، التخطيط المالي للأسرة، نظرات تاريخية في مسألة الزواج في السياق الفلسطيني، إضافة إلى طرح العديد من القضايا الحسَّاسة ومناقشة المفاهيم السائدة كالطلاق والعنوسة وغيرها.

تكاتف الجهود

ملتقى11.jpg
صورة من ملتقى أيادي صغيرة في فعالية خاصة عن تربية الأبناء

كل القضايا السابقة –برأيي- مهمة، وذات علاقة مباشرة بقضايا الزواج في مجتمعنا الفلسطيني، والأثر الذي تتركه في ذات المتلقي كبير على المستوى المتوسط والبعيد. وأريد أن أختم كلامي هنا ببعض الملاحظات المستقبلية التي أرى بأنه من الضروري الأخذ بها أثناء الإعداد لمثل هذه الملتقيات:

| برأيي فإنَّ هذه الملتقيات ضرورية ويجب العمل على استثمارها، واستمرارها، وتوسيعها لتشمل كل المناطق الفلسطينية.

| لا يمكن الاستمرار بهذا الجهد والإحساس بأثره على صعيد المجتمع بشكل منفرد، وإنما يجب توسيع دائرة العمل وضم الجهود، واستثمار مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات القائمة، كونها الأقدر والأكثر تنظيمًا وقدرةً على تأمين الفعاليات ماليًا ولوجستيًا.

| يجب العمل على تحويل فكرة الملتقيات إلى مشروع متكامل، يغطي الجوانب التي يحتاجها الشباب بشكل منهجي علمي، بحيث يصبح المشروع دورة علمية معتمدة بشهادة عالية الكفاءة، واعتمادها من مؤسسات أكاديمية، كما يمكن تطوير هذا المشروع ليكون دورة تدريبية ضمن مستويات تؤهل البعض ليكونوا مدربين في هذا الميدان.

| على الأقل –في الوقت الراهن- يجب على الجمعيات المنتشرة في الضفة الغربية والمهتمين من كل المناطق حضور هذه الملتقيات، والسعي في تشبيك العلاقات بين العاملين في ذات الحقل من أجل الخروج بأفضل صيغة يتم من خلالها تحقيق الغاية المرجوه من هذا العمل.

أخيرًا، فإن الشباب الذين استطاعوا المبادرة بهذا العمل الثقافي النوعي، مثلوا نموذجا يحتذى لكل شاب وفتاة يحملون أفكارًا ومبادرات، يسعون من خلالها إلى خدمة مجتمعهم. الطريق أمامكم ليس معبدًا تمامًا، ولكن إمكانية تحقيق هذه المبادرات ونقلها من طور الحلم والفكرة إلى الواقع ليست مستحيلة. وعلى الرغم من الواقع الذي نحياه فإن تيار الأمل سيظل متدفقًا في قلوبنا، وعزيمة العمل وانسياب الأفكار ونحتها للناس وعاداتهم وتقاليدهم يجب أن تظل ماضيةً حتى نصل جميعًا، وننجوَ بأنفسنا وأبنائنا إلى برِّ مستقبل أجمل.