بنفسج

على أبواب الأقصى: نعنع "تقوع" وبَركة عجائزها

الإثنين 08 يونيو

عائشة حمدان - أم محمد-
عائشة حمدان - أم محمد-

في بداية الطريق المؤدي إلى باب حطة-أحد أبواب المسجد الأقصى- يبرز حجر أثري كبير من داخل الجدار، كأنه نَفَر بغير قصد عن باقي الحجارة ليرتاح عليه قاصدو المدينة، وربما جلس عليه يوما عالم مملوكيّ قصد مصاطب العلم، أو بنّاء عثماني شارك في ترميم السور، أو جنديّ أردني استبسل في الدفاع عن القدس إبان احتلالها، أو شاب فلسطينيّ أنهك رئتيه غاز رشه جنود الاحتلال على المعتصمين في هبّة الأسباط، أما المسنة عائشة حمدان "أم محمد" (84عاما) فكانت ضيفته الدائمة منذ ثلاث سنوات.

فقد اتخذته دكانا افتراضيا لها، تجلس عليه وتفرش بضاعتها التي جاءت لبيعها في البلدة القديمة بالقدس، ويبدو أن المقعد الأثري وما حوله راق لها؛ فاستقرت فيه على الدوام، تملأ طريق باب حطة بعبق النعنع والمريمية وتحيطها بالمزيد من اللون الأخضر؛ بقدونس وملوخية زرعتها جميعها بيديها اللتان تكبدتا الكثير.

 
ولدت عائشة حمدان -أم محمد- عام 1935 في بلدة تقوع جنوب شرق مدينة بيت لحم جنوب القدس المحتلة وتسكن فيها حتى اليوم، وهي من حَمَلة هوية الضفة الغربية ولم تتمكن من دخول القدس إلا في كِبرها؛ لإجراءات الاحتلال المشددة حول المدينة.
اعتادت أم محمد أن تجلس في طريق حطة لتبيع بعض الأعشاب الموسمية لتعيل نفسها وابنتها.

تتنقل مسبحة أم محمد بين يديها، فهي لا تفتأ تذكر الله وتتفقد أعشابها الخضراء، تجلس على قارعة طريق المجاهدين، حيث يقع مفترق طرق استراتيجي يصل المارة بالبلدة القديمة والمسجد الأقصى، لأهميته وحيويته جلست فيه تنتظر المشترين.

تنتشر بائعات الخضر والفواكه والأعشاب الموسمية في زقاق البلدة القديمة، وتحديدا قرب باب العامود وما داخله من أسواق، لكن أم محمد تكاد تكون البائعة الوحيدة في طريق المجاهدين، تقول لبنفسج إنها اختارته أيضا لقربه على الأقصى فهي تحاول "ضرب عصفورين بحجر"، وتأتي إلى القدس للبيع والصلاة في الأقصى.

تختار الثمانينية يوم الجمعة لتعمل فيها؛ لكثرة روّاد صلاة الجمعة والتي تسعى أن تكون منهم، تصل إلى مكانها في السابعة صباحا، وتتوقف عن البيع مع أذان الجمعة ظهرا، تضع بضاعتها أمانة لدى إحدى المحال المجاورة وتتوجه بمشية عرجاء نحو مصلى قبة الصخرة، تستمع إلى الخطبة وتصلي من دون أن تسجد ومن ثم ترجع إلى قواعدها.

تعرج ولا تسجد؟ بررت ذلك بألم شديد في ركبتها التي خضعت لعملية جراحية مؤخرا، سألناها لماذا تصر على التكبّد والمشي وقطع المسافات، فقالت "إن هواء القدس يستحق، واللقمة الممزوجة بعرقها وجهدها تستحق أيضا!".

ولدت عائشة عام 1935 في بلدة تقوع جنوب شرق مدينة بيت لحم جنوب القدس المحتلة وتسكن فيها حتى اليوم، وهي من حَمَلة هوية الضفة الغربية ولم تتمكن من دخول القدس إلا في كِبرها؛ لإجراءات الاحتلال المشددة حول المدينة، فتمر عبر "حاجز300" العسكري الذي يتفنن جنوده في التضييق على الفلسطينيين، فتُفتش أكياس عائشة أحيانا، ويبدأ الباب الإلكتروني بالرنين بسبب خاتمها الذي ترتديه أو "حبة لوز" في أكياسها!

منذ أن توفيّ زوجها قبل 5 سنوات، قررت عائشة أن تعيل نفسها وابنتها التي تسكن معها في غرفة واحدة، وتقول إن لكل من أبنائها الخمسة مشاغله والتزاماته المادية ولا تريد أن تكون عبئا إضافيا عليه.

 
 
تتوقف عن البيع مع أذان الجمعة ظهرا، تضع بضاعتها أمانة لدى إحدى المحال المجاورة وتتوجه بمشية عرجاء نحو مصلى قبة الصخرة، تستمع إلى الخطبة وتصلي من دون أن تسجد ومن ثم ترجع إلى قواعدها.

أثناء حديثنا، رُفع أذان صلاة الجمعة، فرافقنا عائشة في خطوها نحو القبة الذهبية؛ استراحت من المشي في منتصف الطريق فتلاقت ألوان ثوبها التراثي الأزرق مع لون السماء؛ فازدادت ألقا فوق ألق محياها الذي زينته ابتسامة دائمة أحاطت بها تجاعيدُ تشكلت وفقا لها.

اقتنصنا استراحتها فسألناها عن الفرق بين عصرين عاشتهما بين الأمس واليوم فقالت، بلهجة فلاحيّة تقوعية"زمان أحسن من اليوم، كنا نرعى الغنم وناكل منهم، كنا نزرع ونحصد وندرس على المواكن، كنا نخبز على الصاج وهالخبز يبقى يشهي، زمان أحلى وأزكى".

وختنما: "طب يا حجة أنوا أحلى القدس ولا تقوع؟"، فأجابت بدون تردد: "القدس كويسة ومليحة، الله يجعلنا دايمين لبعض، القدس وتقوع زي بعض ما حدا أحسن من حدا...".