بنفسج

"صديقتي المذهلة": رواية تحكي صراح الحب والحلم

الأربعاء 07 ابريل

لِكل الذين سألوا عن رواية "صديقتي المذهلة"، وطلبوا مُراجعتي ورأيي عند البداية بقراءتي فيها. تجد نفسك بهذه الرواية مشدودًا لها قبل قراءة صفحة واحدة، الآراء حولها تنسجم وتتفق تمامًاعلى روعتها. بالبداية، يتملكك الشغف، الفضول لتنغمس بأحداث عصر قديم، حتى بالكاد ترى مُخيلتك تصنع فيلمًا سينمائيًا عالي الجودة، حددت الشُخوص، آثرت على أن تكون المُخرج وإحدى الشخصيات.

ما يُعطي الرواية وزنًا عظيمًا، أنك تبدأ بحيرة الاختفاء بِعمر الستين عامًا، لتنغمس بالطفولة، هوى الطفولة، البراءة، المواقف الصغيرة التي تُشكل شخصيةً مُستقلة، التفاصيل الدقيقة التي يُبنى عليها الكون أجمّع. تدور الرواية حول صديقتين في مدينة نابولي في خمسينيات القرن الماضي، لِتصف الطفولة، المراهقة، الهوى، تخبطات الفتيات، جهل المجتمع آنذاك، ما يُعانيه المرء من تجاهل، من صراع الطبقات، أو كما تصفه الكاتبة، انحلال الهوامش.

تتساءل وأنت في المنتصف، بعد كّم هائل من الوصف: إلى أين يتجه هذا العالم؟ وهذا الحي تحديدًا؟ أن تُخفق في الحديث بطلاقة ولا تستطيع البوح عما يدور في مخيلتك، وتعجز مراكز النطق عن التعبير. في هذا الحيّ العُمالي، صديقتان تتنافسان بِمدى القُدرة على فهم العالم، على إدراك الوجود رُبما، كُلٌ بإسلوبه، بمجال التعليم والأُخرى بالواقع المرير.

تُدرك ملِّيًا، أن الجامعة بِمثابة خديعة ليسَّ إلا، وأن العالم يحوي ألف مدرسة، بإمكانك أن تنفي الرياضيات لِتصبح من سادة الفلسفة بِعصرك! ما يُميز الفتاتان، القدرة على التكلم بالكتابة، وهذا ما يفتقره كُتاب عصرنا. أنّ المُتعة تتفاوت من شخص لآخر، من مكان لآخر، من ظروف لِأُخرى. إنّ الحياة بما فيها من تناقض وعدم انسجام بِمنظورنا، هي أشبه ما تتجه للاتزان دونّ أدنى جُهد مِنا.

يتطرق هذا الحيّ العُمالي، لنظام الشيوعية والنازية التي انتشرت في إيطاليا بتلك الحقبة، إضافة لِتحكم المال وسلطته القوية على الكبير والصغير، نُفوذه بفرض الطبقة الإجتماعية من خلال ذُل الخضوع والرجاء، وتلك العُملة التي لا تترك مجالًا ووقتًا وحقبة من إثبات أهميتها يومًا بعد يوم. ترى الحُب، ترى الصراع بالهوى، بكيفية وأحقية الغرام، تُدخلك الرواية بمونولوج واضح، كيف تختار حبيبًا، تُطلعك على عاطفة الفتيات الواضحة، تجاه أدنى اهتمام، والذي غالبًا ما يُفسر على أنه حُب.

في غُضون دقائق، تُدرك أنت ذاتك كّم كبرت! كّم دُميةً وضعت بِسرداب الذاكرة، لِتُعلق الرواية فجأة وتتجه لِجلب بعض الدُمى، لاستعراض الألم بأبهى حلله، ما جعل هذه الرواية تُحقق نجاحًا، حتى أُسميت بِتحفة هذا الزمان، أنها تُحاكي البساطة بِعظمة، السلاسة، سهولة الأفكار.

الحُب المُكافح قد لا تجده، لكنك بالتأكيد ستجِد أن الظروف هي التي تدفعك للحب، وأن هُنالك علاقة عظيمة، كُلّما زاد ضعفك، احتياجك لِعناق مُباغت؛ أنت تفتقد الحُب، فترضخ لِأول عرض ارتباط، أو قد تُقدمه أنت لِأحد المارة، فقط لأنه يُتقن حمل كوب قهوة مثلاً، أو بدى مُغريًا أثناء حديثه بفصاحة!

في غُضون دقائق، تُدرك أنت ذاتك كّم كبرت! كّم دُميةً وضعت بِسرداب الذاكرة، لِتُعلق الرواية فجأة وتتجه لِجلب بعض الدُمى، لاستعراض الألم بأبهى حلله، ما جعل هذه الرواية تُحقق نجاحًا، حتى أُسميت بِتحفة هذا الزمان، أنها تُحاكي البساطة بِعظمة، السلاسة، سهولة الأفكار، السرد السريع، والنظرة الثاقبة للأُمور. أعتقد، أن لحظة السلام تكمن بالجزء الرابع منها، هذا ما دفعني بحماسة لِمُلاحقة أحداث الفتاتين، حتى النهاية.

ستُمسك بشخصية لِتُلقي عليها الشفقة، وما إن تبلُغ ذروة الضياع، تُصوب قلبك وعاطفتك حول هذا العالم الذي ما انفكّ بفرض أحكامه علينا، جيلاً بعد جيل ترانا نُورث العادات التي تتنافى مع الأحداث الآنية سريعة التطور. تواجه إحدى الفتاتين تخبطًا دينيًا، فتجد نفسها تبني حُلم الشهرة والثراء بالكتابة مُنذ أول قُصاصة مقال لم يُنشر، ويُرفض بعد حين.

نهايةً، أنت بدوامة، لكنك تسير بثبات فيها، تتذكر الاختفاء الأول لترسم مع الكاتبة مؤشرات شخصية شكلها الزمان والحرمان، لِتلقي نظرة إلى عجائز اليوم، لِتجاعيدهن التي كانت حتمًا ذكريات طفولة ضائعة، أنّ كُل شخص فينا يحوي عالمًا يكتبه كما يراه، ويسرده بالوقت الذي يحتاج. ما نحنُ إلا صُنع الذكريات، الحرمان، الطفولة، الألم، الحسرة، الكّد، والغصة؛ غصة الهوى والتفوق! ولا ننسى أنّ الجمال ازداذ بهاء بترجمة الأُستاذ معاوية عبد المجيد. فشكرًا لِحجم إبداع الترجمة المترابطة، المُتقدة بِحماس.