بنفسج

ثلاثينية: العمر في ربيعه الدائم

الخميس 02 ديسمبر

"تغيَّرتِ كثيرًا"، قالتها لي صديقةٌ لم ألتقِ بها منذُ سنواتٍ، تخرّجنا من الجامعة، أخذتْنا الحياةُ بمحطاتِها المتنوعةِ. كُنا نتحدثُ عبرَ (الفيس بوك) بالسؤالِ الاعتيادي: "كيف الحال، والأولاد، والشغل". وتنتهي المحادَثةُ، إلى أنْ قابلتُها في أحدِ الأماكنِ، ودارَ الحديثُ بينَنا، فشعرتُ أنها تتفحصُ طريقتي وأسلوبي، لتُخبرَني أنني أصبحتُ أكثرَ نضجًا واتزانًا وحكمةً.

 رجعْنا بذاكرتِنا لمواقفَ مضحكةٍ وبريئةٍ، مواقفَ مشاكساتِنا لأستاذِنا، واستهتارِنا هنا، واستخفافِنا هناكَ، كيف كانت ردّةُ أفعالِنا عفويةً وتلقائيةً ومتسرّعةً! ضحِكنا على شريطٍ مرَّ أمامَنا بلَمحِ البصرِ، وتركْنا بعضَنا على أملِ لقاءٍ قريبٍ، ذهبتْ كلُّ واحدةٍ مِنا، وفي رأسِها شريطُ العشريناتِ المَليْء بالذكرياتِ والمواقفِ والتصرّفاتِ والمشاعرِ .

 

هذه المرحلةُ تقودُكِ إلى المعرفةِ والثقةِ والإقبالِ على الحياةِ بحُبٍّ وشغفٍ، لأنكِ تُصغِّرينَ الأمورَ التي ليس لها قيمةٌ، وتتعاملينَ مع مُعترَكِ الحياةِ بنضجٍ أكثرَ بساطةٍ، نحن نحتاجُ إلى النفَسِ الطويلِ الممزوجِ بالتوازنِ .

تذكّرتُ كيف كنتُ أشعرُ بالهيبةِ عندما اقتربتُ من أواخرِ العشرينياتِ، كنتُ أظنُّ أنني أودِّعُ الشبابَ بدُخولي عُمرَ الثلاثينياتِ، لم أكنْ أعرفُ جمالَها ونضوجَها واستقرارَها! اختلفتُ كثيرًا في تفكيري وتعامُلي، أصبحتُ أقيسُ الأمورَ بِتَرَوٍّ. لم أعُدْ أعطي تفسيراتٍ عن الأشخاصِ من مُجردِ ملامحِهم، لم أعُدْ أهتمُّ كثيرًا بِقولِ الآخَرينَ، وماذا يَقصِدونَ؟ ماذا سيقولونَ؟ بالفعلِ، تحوّلتُ لإنسانةٍ أكثرَ قوةً في اتّخاذِ قراراتي. أَكرهُ أنصافَ الحلولِ التي تَضعُنا في منتصفِ الطرُقِ.

وأنا أعيشُ مرحلةَ الثلاثينَيات؛ تعلّمتُ النضجَ على أصولِه، واتّسعتْ دائرةُ تفكيري في التعاطي مع تجاربِ الحياةِ، لم يَعُدْ أيُّ موقفٍ يؤثّرُ في شخصيتي، ويأخذُ مني وقتًا طويلًا من التحليلاتِ، وامتلكتُ زمامَ أموري بكُلِّ التفاصيلِ، برغمِ كُلِّ المواقفِ التي تمرُّ بينَنا ونحن نعايشُ الحياةَ، هذه المرحلةُ تقودُكِ إلى المعرفةِ والثقةِ والإقبالِ على الحياةِ بحُبٍّ وشغفٍ، لأنكِ تُصغِّرينَ الأمورَ التي ليس لها قيمةٌ، وتتعاملينَ مع مُعترَكِ الحياةِ بنضجٍ أكثرَ بساطةٍ، نحن نحتاجُ إلى النفَسِ الطويلِ الممزوجِ بالتوازنِ .

في ربيعِ العمرِ، ستَصِلينَ إلى مرحلةِ ألّا تنتظري شيئًا من أحدٍ، فالثقةُ بالنفسِ، والاعتمادُ على نفسِك، أوصلتْكِ إلى طريقٍ تستطيعينَ أنْ تحدّدي مصيرَكِ، وتتألّقين، وتخوضين الحياةَ راسِمةً طريقَكِ، ومتوقّعةً نتائجَكِ. أنتِ مَن تُحدّدينَ ماذا تريدينَ؟ وإلى أين سوفَ تصلينَ؟ قد تتعثّرينَ أحيانًا، وتتألّمين في مواقفَ. وستَضَعُكِ الحياةُ في محكّاتٍ لم تتخيَّليها في الكوابيسِ، وهذه طبيعةٌ مشترَكةٌ في كلِّ المراحلِ العمريةِ، ولكنْ في عُمر الثلاثينياتِ ستكونينَ قادرةً على التحكّمِ والتصرفِ، لأنّ العقلَ هو الذي يقودُكِ.

الثلاثونَ هو بالفعلِ ربيعُ عُمرِكِ الذي تزهو فيه روحُكِ وشبابُكِ وقلبُكِ، تُصبحينَ أكثرَ إحساسًا بالمسؤوليةِ تجاهَ نفسِكِ وبيتِك وأطفالِك وحتى مشاعرِك، ستَزهين بكُلِّ الألوانِ الجميلةِ، وسوفَ تعيشينَها بالأحمرِ والأخضرِ والبنفسجي والبَمبي، ستَصِلينَ إلى مرحلةٍ من الاستقرارِ الذاتي في كلِّ شيءٍ، وإيّاكِ أنْ تنطَفِئي في ربيعِ عُمرِك، مَهما حاولتْ الظروفُ والأشخاصُ أنْ تُضعِفَكِ. فلا تَضيِّعي سنواتِ شبابِك بدونِ فائدةٍ، وعيشي كُلَّ اللحظاتِ، فأنتِ صاحبةُ القرارِ والمصيرِ.

اهتمّي بنفسِكِ كثيرًا ودلِّليها، فلنفسِك عليكِ حقٌّ، لا تَنسيها في مَعمَعةِ الانشغالاتِ، أعطيها فترةً من الراحةِ والهدوءِ والسكينةِ، اجلِسي معها وتَحدّثي إليها كما تفعلينَ مع زوجِكِ وأولادِك وصديقاتِك، اهمِسي إليها: هل أنتِ راضيةٌ عمّا وصلتِ إليهِ؟ هل حقَّقتِ أحلامَكِ وأهدافَكِ؟ قوِّميها وطوِّريها وعاتبيها عندَ إخفاقِكِ، بِخُطوةِ الوقوفِ مع النفسِ سوفَ ترتقينَ وتستطيعينَ الوصولَ إلى الرضا والسعادةِ، حاوِلي أنْ تبتعدي عن ضوضاءِ الأشخاصِ واحتياجاتِهم، لا تُجبِريها على الأُعطياتِ المفتوحةِ، والتنازلاتِ غيرِ المُبرَّرةِ، كي تُرضي الآخَرينَ.. هذه المرحلةُ هي لشبابِكِ، لحياتِكِ، لتألُّقِكِ، لإبداعِك، لاستقرارِك، لتحقيقِ أهدافِك.