بنفسج

كليتان لتأهيل المعلمات في فلسطين

الأربعاء 05 يناير

نعلم أن فلسطين التاريخية منطقة تعددت فيها أنواع السيطرة، فبعد سيطرة السلطات العثمانية أرخى الانتداب أدوات سيطرته في مناطق نفوذها مستغلًا التنظيمات العثمانية، وهذه الأخيرة تركت البلاد في حالة متردية؛ الأحوال السياسية والاقتصادية والصحية ونظام التعليم.

في هذا المقال نتناول الحياة التعليميّة للنساء في فترة الانتداب البريطاني، على وجه الخصوص، ونخص بالذكر أهم المؤسسات التعليميّة التي أهّلت ودربّت جيلًا من الطالبات الفلسطينيات لخوض تجربة التعليم، مثل: دار المعلمات في القدس، ودار المعلمات القرويّة في رام الله، والدور الذي لعبتاه في تأسيس كليّة تعليميّة تربويّة متقدمة لتأهيل فئة من النساء الفلسطينيّات القادرات على الانخراط في المجتمع. من خلال الصحف والأرشيف والأدبيات المتوافرة. وذلك بالاستعانة بأرشيف الصحف الفلسطينية، كمواد أولية، لتناول الإشكالية، ومحاولة قراءتها، وتحليلها، والتعليق عليها. 

| حال التعليم في فترة الانتداب البريطاني

مدرسة بالقدس 1910.jpg
مدرسة لتعليم البنات  في القدس عام 1910

كانت الدراسة زمن الانتداب البريطاني تبدأ في صف بستان الأطفال ومدته سنة واحدة، ثم تتدرج إلى المرحلة الابتدائية ومدتها سبع سنوات، ثم الثانوية ومدتها أربع سنوات. وكان عدد الطلبة الذين يتممون المراحل الدراسية جميعها صغيرًا جدًا. وبعد إنهاء المرحلة الثانوية يلتحق بعض الطلاب بأحد المعاهد العالية، وهي اثنان للبنين واثنان للبنات. أما معهدا البنين فهما: الكلية العربية والمدرسة الرشيدية.  ومعهدا البنات هما: كلية المعلمات في القدس، ومركز تدريب المعلمات الريفي في رام الله. وقد برز من المدارس الوطنية الأهلية مدرسة النجاح الوطنية في نابلس، ومدرسة روضة المعارف الوطنية في القدس. وكانت كلتا المدرستين تتبع منهاج دائرة المعارف.

ويتقدم الخريجون بعد إنهاء المرحلتين الابتدائية والثانوية إلى فحص الدراسة الثانوية الفلسطينية. وكان المعهدان يهتمان اهتمامًا خاصًا بتدريس اللغة والتاريخ العربيين والديانة الإسلامية. كما اشتهرت من بين مدارس القدس كل من مدرستي النهضة والأمة وتميزتا بمستواهما العلمي والوطني.

كانت إدارة المعارف تضطر إلى تعيين معلمين ومعلمات غير مؤهلين ومؤهلات للتعليم. ثم أن البلاد كانت تفتقر إلى دور متخصصة للمعلمين، كما كانت تفتقر إلى المدارس الزراعية والصناعية التي أقيمت صفوفها الأولى في طولكرم وحيفا ويافا.

بشكل عام، عاني التعليم في هذه الفترة من قصور من نواحٍ عدة، في مراحله كلها، وقد كان نظام البلاد  يقوم على دراسة سنتين  فوق التعليم الثانوي، ضمتا أعدادًا ضئيلة من الطلاب والمعلمين أيضًا، وفيها مشاكل جمة؛ فلم يكن عدد خريجي الكليات العربية ودور المعلمات كافيًا لمواجهة حاجات المدارس أو لسد الفراغ.

وكانت إدارة المعارف تضطر إلى تعيين معلمين ومعلمات غير مؤهلين ومؤهلات للتعليم. ثم أن البلاد كانت تفتقر إلى دور متخصصة للمعلمين، كما كانت تفتقر إلى المدارس الزراعية والصناعية التي أقيمت صفوفها الأولى في طولكرم وحيفا ويافا. كما أن الحكومة المنتدبة لم تعمل على تيسير التعليم الثانوي في مدارس القرى؛ إذ كانت تطلب من أهالي القرية أن يتعهدوا خطياً بالقيام بجميع النفقات المطلوبة للصفوف الثانوية قبل إنشائها.

|  الصحف وما قيل عن التعليم في عهد الانتداب

دار المعلمات.jpg
فريق كشافة كلية دار المعلمات في الصورة: جميلة حنا ميخائيل (الثانية في الصف الثاني من جهة اليمين) تتوسطهم مديرتهم الإنجليزية وتدعى ردلر

إن مطالعة سريعة لما كتب عن واقع التعليم العربي في فلسطين تكشف لنا طبيعة القيود التي كانت تفرضها سلطة الانتداب على العملية التربوية العربية بغية وضع العراقيل أمام تطورها، وبالتالي إجهاضها، الأمر الذي ظهر جليًا من خلال تعاملها مع العملية التربوية وإشرافها المباشر عليها بعكس ما كانت إزاء العملية التربوية الصهيونية، حيث كانت تطلق يدها في كل منحى أو توجه علمي، مما يدل على الترابط العضوي بين الصهيونية والاستعمار مقابل الموقف العدائي الذي أرادت سلطة الانتداب من خلاله سلب مقومات العملية التربوية كافة بهدف طمس ركائز الحضارة التاريخية العربية في فلسطين.

وكما جاء في وثيقة نُشرت عام 1947 تناقش فيه العملية التعليمية في ظل الانتداب البريطاني أكّدت فيها على تواطؤ الانتداب البريطاني مع الحركة الصهيونية في إضعاف العملية التعليميّة، ومما جاء في هذه الوثيقة التي أعاد نشرها الدكتور سميح حموّدة وعلّق عليها: "...في سنة 1918 خضعت فلسطين للانتداب البريطاني وبقيت تحت الحكم العسكري حتى عام 1920، وعندها بدأت الإدارة المدنية. وقد أظهر الإنجليز سياسة مساعدة اليهود منذ البدء فقد سمحوا لهم بالاستقلال في تعليم أبنائهم وأما التعليم العربي فقد وضعت الحكومة يدها عليه. وفيما بعد سنرى النتائج التي ترتبت على استقلال اليهود بمعارفهم وسيطرتها (الحكومة) على معارفنا".[1]


اقرأ أيضًا: قُلن في سلواد: دور المرأة الريفية في الانتفاضة الأولى


وجاء في الوثيقة أيضًا ما يثبت ضعف التعليم في فلسطين الانتدابية: "..وقد أظهرت الحكومة الانتدابية في أول الأمر اهتمامًا بتعليم العرب. ففتحت عددًا أكثر من المدارس في العهد التركي وفتحت دارًا للمعلمين- الكلية العربية اليوم- ولكن تبين فيما بعد أنّ هذا الاهتمام كان خداعًا للعرب. وكلما مرت الأيام تبينت نوايا الحكومة ظاهرة جلية".

كانت إدارة المعارف بيد مدير مسؤول أمام السكرتير العام لحكومة فلسطين عن الشؤون الخاصة بالتعليم، وكان هذا المدير يبت في السياسة العامة والتعيينات والترقيات وفصل المدرسين والمصادقة على فتح المدارس، كما كان يمارس الإدارة بشكل مركزي بمعاونة نائب بريطاني وخمسة مساعدين. لم يكن في فلسطين سوى دارين للمعلمين العرب؛ واحدة تابعة للكلية العربية منذ 1929 في فلسطين والثانية في المدرسة الرشيدية وكلاهما في مدينة القدس، وفي عام 1946 بدأت مدرسة خضوري الزراعية تخرّج المعلمين الزراعيين. 

| كلية دار المعلمات

رحلة دار.jpg
رحلة لطالبات كلية دار المعلمات
 أُسست في القدس عام 1919 في بنايات مستأجرة غير مناسبة وظلت فيها إلى نهاية الانتداب. القسط السنوي لدار المعلمات 24 جنيهاً فلسطينياً مثلها في ذلك مثل الكلية العربية، تستغرق مدة الدراسة فيها أربع سنوات ثانوية وسنة خامسة لإعداد المدرسات للتدريس في المدارس الابتدائية. وكان فيها 23 طالبة في عام 1920، وفي عام 1924-1925 ضمت 54 طالبة، ثم زاد العدد إلى 104 طالبة في العام الدراسي 1945-1946، منهن 15 طالبة في السنة الأخيرة. وكان منهن 70 في القسم الداخلي والباقي خارجية.
وكانت دار المعلمات، شأنها في ذلك شأن مدارس البنات، تعلم التدبير المنزلي وأشغال الإبرة والخياطة. وكانت مجهزة بما يلزم من أدوات الطبخ والخياطة وغيرها، وأما مديرة الدار، وهي إنكليزية، فكانت في الوقت نفسه مفتشة مدارس البنات في البلاد. وفي عام 1946 بلغ عدد من تقدم منها إلى امتحان المتريكيوليشن 20 طالبة، نجحت 9 منهن وحصلت 10 على شهادة المدرسة الثانوية. وفي العام المذكور بلغ عدد الخريجات في الصف الخامس الثانوي 19 خريجة، وبلغ عدد خريجات كلية دار المعلمات منذ تأسيسها حتى عام 1945-1946 أكثر من 300 خريجة يشكلن معظم معلمات مدارس البنات في المدن.
 

| دار المعلمات القروية

شميدت بالقدس.jpg
طالبات كلية شميدت في القدس

 أسست هذه المدرسة في تشرين الثاني/نوفمبر  1935 في مدينة رام الله، وكانت تعد طالباتها للتدريس في مدارس البنات الريفية وتقدم لهن التعليم والمسكن والطعام بالمجان. وكانت في الأصل تشمل سنتين دراسيتين بعد مرحلة التعليم الابتدائي، فكان يقبل فيها من أتممن دراستهن الابتدائية. وقرر في عام 1945-1946 أن تكون الدراسة فيها أربع سنوات. وبلغ عدد طالباتها في ذلك العام الدراسي 34 طالبة. وبلغ معدل الخريجات من هذا المعهد في كل سنة نحو 12 خريجة.

وكانت لغة التدريس في هذه المعاهد هي اللغة العربية. وهناك دور معلمات غير حكومية نذكر منها كلية البنات في القدس التابعة للبعثة الأنجليكانية، وكان عدد خريجاتها في عام 1945-1946 تسع معلمات، وكلية شميدت للبنات في القدس التابعة لبعثة الألمان الكاثوليكية، وبلغ عدد خريجاتها عام 1946 عشر معلمات. وبالإضافة إلى ذلك فإن إدارة المعارف اهتمت بالصفوف الثانوية لحاجتها للمعلمين، فزادت الصفوف في المدارس الثانوية لسد حاجتها للمعلمين، وكان خريجوها يعينون بصفة معلمين إضافيين، ولا بد من الإشارة إلى أن هؤلاء المعلمين الإضافيين، كانوا بصورة عامة أقل مستوى من زملائهم خريجي المدارس الثانوية ودور المعلمين كما كانوا غير مطمئنين على مستقبلهم الاجتماعي والمالي.[2]

إدارة المعارف اهتمت بالصفوف الثانوية لحاجتها للمعلمين، فزادت الصفوف في المدارس الثانوية لسد حاجتها للمعلمين، وكان خريجوها يعينون بصفة معلمين إضافيين، ولا بد من الإشارة إلى أن هؤلاء المعلمين الإضافيين، كانوا بصورة عامة أقل مستوى من زملائهم خريجي المدارس الثانوية ودور المعلمين كما كانوا غير مطمئنين على مستقبلهم الاجتماعي والمالي

وفيما يلي أبرز الأخبار والقصص التي جاءت في الصحف الفلسطينية الصادرة في الفترة الانتدابية، إضافةً إلى أرشيف مأخوذ من المتحف الفلسطيني يوّثق بعض المحطات لكلية دار المعلمات. خبر جاء في صحيفة ⁨⁨الجامعة الإسلامية⁩⁩، الصادرة في 30 تمّوز /يوليو 1934، مما ورد فيه: "دهش المسلمون لعدم إدخال تلميذتين مسلمتين لمدرسة دار المعلمات في القدس هذه كما هو المقرر والمعتاد عن قضاء بني صعب وللآن لم يجر إدخال أية تلميذة مسلمة…".

وفي صحيفة مرآة الشرق، الصادرة في تاريخ 29 أيّار/مايو 1937، ⁨⁨جاء في العنوان تلميذات مدرسة الفرندز يتغلبن على طالبات دار المعلمات، في التفاصيل تبارى يوم الأربعاء من هذا الأسبوع فريق من تلميذات مدرسة الفرندز برام الله المبتدئات مع فريق من طالبات دار المعلمات بالقدس في اللعبة المسماة" نت بول".

تولت سلطات الاحتلال البريطاني مسؤولية التعليم وخلفت في ذلك الحكم التركي، وورثت عنه ما كان موجودًا من مدارس وأجهزة ونظام. وقد تركت معظم ما كان موجودًا على حاله التي كان عليها قبل الحرب، وهذا يبرر الحالة المتردية التي كان التعليم عليها. إذ أن حكومة الانتداب البريطانية لم يكن يعنيها تطور منهجيات التعليم، لا على مستوى البنية التحتية ولا الموارد البشرية ولا على المستوى الفكري والثقافي أو المناهج عمومًا.  بل إن سياساتها كانت ترمي إلى التجهيل ووضع العراقيل أمام التعليم. كما تثبت الوثائق أنها كانت متواطئة مع الحركة الصهيونية بغية تحقيق هذا الهدف. 


| المراجع

[1] وثيقة نشرت عام 1947 تحت عنوان" نشرة الدراسات القومية: إدارة معارف فلسطين"، إعداد وتعليق سميح حمودة.

[2] صالح عسول، التعليم في فلسطين أثناء فترة الانتداب البريطاني، (مجلة العلوم الاجتماعية والانسانية، العدد التاسع، 2014)، 243-270.