بنفسج

لماذا تتزوج أو لا تتزوج النساء؟ قراءة معاصرة

السبت 11 يونيو

لا شك أن الزواج احتياج فطري أساسي للبشر منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، فعندما خُلقت حواء وجدت آدم في انتظارها، ليعمرا الأرض ويستعمراها، فكانت الوظيفة الأساسية والحصرية في بدء الخليقة للنساء هي التكاثر. وليس في هذا عيب أو تقليل من شأنها؛ فهي إنسان كامل متكامل.

تطورت الحياة البشرية عبر العصور تطورًا مذهلًا، حتى وصلت للحال الذي هي عليه اليوم؛ فمثلًا كانت المرأة في أثينا القديمة لا تُعامل على أنها إنسان كامل الأهلية، ولكن لا بد لها من ولي ذكر يزوجها (ويدفع مهرها للزوج المستقبلي أيضًا ليرضى بها، وكلما استطاع تجهيز مهر جيد استطاع الحصول على زوج أرقى. وكان الزواج بين الشاب وولي المرأة هو الطريق الرسمي لإنجاب أطفال معترف بهم يرثون مجد العائلة¹.

| لماذا تتزوج المرأة؟

يمكننا تلخيص الزواج للمرأة في إطارين؛ إطار اجتماعي وإطار مادي؛ فمفهوم المكانة الاجتماعية للأم في المجتمعات التقليدية، كان في الإنجاب، وخاصة الذكور، لتقوى شوكتها، وتزيد تلك السطوة لكثرة عددهم. وكانت قلة من النساء في ما مضي يعملن بالقدر الكافي كما يفعل الرجال، أو كن "يتكسبن" في صورة العمل داخل المنزل.
 
ورغم أهمية الزواج المذكورة أعلاه يمكننا أن نسأل: هل كانت "كل" النساء يتزوجن؟ في الحقيقة لا، فلا يمكن تطبيق قاعدة واحدة فقط على كل البشر، فقد روي حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا جاءه بابنته لأنها ترفض الزواج، ودار نقاش بينها وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قالت له: "لا أتزوج أبدًا".

يمكننا تلخيص الزواج للمرأة في إطارين؛ إطار اجتماعي وإطار مادي؛ فمفهوم المكانة الاجتماعية للأم في المجتمعات التقليدية، كان في الإنجاب، وخاصة الذكور، لتقوى شوكتها، وتزيد تلك السطوة لكثرة عددهم. وكانت قلة من النساء في ما مضى يعملن بالقدر الكافي كما يفعل الرجال، أو كن "يتكسبن" في صورة العمل داخل المنزل خاصة حرف، كالغزل والنسيج وخياطة الملابس، وأيضًا لم تكن بالقوة الكافية لدفع الضرر عن نفسها، فبات الزواج ضرورة مادية كي لا تترك معوزة ضعيفة هكذا بعد موت ذويها خاصة وإن كانوا فقراء.

ورغم أهمية الزواج المذكورة أعلاه يمكننا أن نسأل: هل كانت "كل" النساء يتزوجن؟ في الحقيقة لا، فلا يمكن تطبيق قاعدة واحدة فقط على كل البشر، فقد روي حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا جاءه بابنته لأنها ترفض الزواج، ودار نقاش بينها وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قالت له: "لا أتزوج أبدًا". فلم يقل النبي لأبيها إلا: "لا تنكحوهن إلا بإذنهن". ولم يجبرها على شيء، ولهذا ما بعده؛ فالزواج قد لا يطيقه بعض الأفراد من البشر، ولم ينكر ذلك النبي هذا الأمر على تلك الفتاة.

قديمًا، لم يكن عدم الزواج شائعًا، ولكنه كان موجودًا، وتقبَّله المجتمع لأنه كان تراحميًا ولم يلفظ تلك النسوة. هناك من لم تتزوج حبًا في العلم، مثل العالمة الفاضلة والمحدّثة كريمة² بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية (من مدينة مرو) عاشت حوالي مئة عام، وسمع منها خلق كثير. وكان يعج الاتجاه الصوفي التعبدي بمن انقطعوا للعبادة فقط، خاصة من النساء، مثل السيدة رابعة العدوية.

وفي القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي حتى القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، اشتهرت مدن مثل القاهرة والقدس ودمشق بالربط، وهو بيت يوقف لإيواء النساء سواء كن عازبات أو مطلقات، ولا دخل لهن لإيواء أنفسهن، وكن يعملن في مهن كالنسيج ليتمكن من الصرف على أنفسهن، وكان يقوم على تلك الربط نساء غنيات ويضعن له نظام صارمًا³.

| نماذج نسائية

فتحية عمر.jpg
فتحية عمر

وعلى الصعيد المعاصر ظهرت بعض النماذج عن نساء لم يتزوجن، ولكن صلحت حياتهن وأعمالهن؛ فهناك نموذج مثل الشيخة صباح (بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع الطرق الصوفية ولكنها حالة واقعية حقيقية). ولدت الشيخة صباح (نور الصباح) حوالي عام 1823 في قرية ميت سودان، التابعة لمركز طنطا، وكان والد نور الصباح (محمد الغباري) رجلًا صوفيًّا تقيًّا وتاجرًا ومالكًا. وحين كانت نور الصباح طفلة كان يُسمح لها بالمشاركة في حلقات الذكر التي يقيمها والدها، ومنعت من ذلك عند البلوغ، ثم أرادوا تزويجها لكنها رفضت، وقالت: "نحن أهل الله وأهل البيت وخدام للصوفية والأولياء، ولا أريد أن أتزوج". وبعد عدة وقائع لم تتزوج فعلًا، وقد اكتمل ضريحها في مدينة طنطا عام 1909، بعد وفاتها بوقت قصير⁴.

وحديثًا، كثيرون هم من يروون قصصًا عبر منصة الفيس بوك بشكل تستشعر صدقه عن أخوات جداتهم أو نساء من العائلة (في بدايات القرن العشرين)، ممن لم يتزوجن لأسباب مختلفة، وما جمع تلك النسوة الذكريات التي تركنها في وجدان الأجيال اللاحقة، مثل قصة فتحية عمر⁵، وقصة جدة عائشة الخولي⁶. ففتحية عمر يروي قصتها أحد أحفاد العائلة، وأنها صاحبة مدفن الأسرة، يقول: "المدفن باسم "فتحية عمر"، أو "أبلة توحة، زي ما بسمع الكبار يحكوا عنها. اتولدت في أول القرن العشرين في القاهرة لأم تركية وأب مصري، ترتيبها كان الثانية في وسط أربع بنات وولد، كملت تعليمها وقررت تشتغل في وقت كان شغل الست حاجة نادرة جدًا"

وبالرغم من أنها كانت جميلة جدًا، إلا أنها فضلت العمل معلمة في مدرسة على الزواج، لأن القانون وقتها كان يمنع المدرسات من الزواج. وقد أحبت التدريس فعلًا حتى أصبحت ناظرة مدرسة السنية. وكانت وقتها أهم مدرسة بنات في مصر. كانت سيدة متدينة ومثقفة جدًا، وكانت تنظم رحلات ثقافية لطالبات المدرسة وتأخذ بنات العائلة معها. وكانت تعتبر أغنى واحدة في العائلة، وكانت متكفلة بأمها وأخواتها اللواتي لم يتزوجن.

أما قصة جدة عائشة الخولي، كما ترويها: "عندما مات جدي شفيق الخولي، كانت جدتي في الثلاثين من عمرها. بدأت مسيرةً من الكفاح استمرت ستون عامًا، بدايةً من تربية ٤ أيتام، على أكمل وجه، أبي واثنان من أعمامي، وكلهم دخلوا كليات الهندسة بالإضافة لعمتي التي كانت معلمة لغة إنجليزية، ثم مديرة في إحدى المدارس الخاصة. جدتي ليست كأي جدة، لم تتزوج أبدًا. لم تجعل أبناءها يومًا يحتاجون أي شيء، كبّرتهم ورعتهم وعلمتهم وزوجتهم. عاشوا كما لو كان الأب حاضرًا، حيث الحزم والعطاء والتربية. والأم حيث العطف والحنان والصداقة.

قالت: "كنت أُحضر لهم كل أنواع الأجبان، ولو بكمية قليلة، حتى لا يشعروا أن شيئًا ينقصهم". كما ترون القصص الأخيرة، عظمتها في أنها شخصيات لم تذكرها كتب التاريخ، ولكن ذكرها أشخاص مثلنا تأثرت حياتهم بشكل مباشر بهؤلاء النساء. وحًقا، لنعم هذا الأثر المتروك! وأحسب أننا إن بحثنا قليلًا بجدّ سنجد تلك النماذج الجميلة من النساء العازبات في كل عائلة. إذن، فعدم الزواج موجود منذ القدم، حتى وإن لم يكن هو النموذج الأكثر انتشارًا بين النساء.

عندما خُلقت حواء وجدت آدم في انتظارها، ولكننا اليوم نُخلق جميعًا من رحم أمهاتنا ومن نطف آبائنا، فقد لا نجد من ينتظرنا، ولا يجب أن تتوقف الحياة لذلك. وقد ذكر الله صراحة أن هدف الحياة هو عبادة الله وعمارة الأرض، وأصبح لعمارة الأرض في عصرنا الحالي أشكالًا كثيرة جدًا، فقد انتفت الحاجة الرهيبة للتكاثر المحموم كما كان في الماضي، فالكثرة العددية لا زالت مهمة، ولكن ظهرت معها اهتمامات أخرى لا تقل أهمية تعبّر عن جودة البشر. وأصبحت الحاجة ماسّة لنشأة أفراد نوعيين، وليس مجرد عدد، في قدر عالٍ من العلم والثقافة والوعي بالذات والهوية والدين. كما أن التقنيات التكنولوجية قللت الهوة بين الجنسين، وجعلت قدرتهم على كسب المال متقاربة كثيرًا، فلم يعد هناك نفس الاعتمادية المادية التي كانت دافعًا لا يمكن إغفاله من دوافع الزواج في الماضي.

| مكانة المرأة الاجتماعية

الزواج3.png
كلما زاد دعم وقبول الأسرة الصغيرة للفتاة لما تختار، كلما زادت مناعتها النفسية تجاه ثرثرة المجتمع الأكبر 

لنتحدث عن مكانة المرأة الاجتماعية في عالمنا العربي اليوم، فيمكننا تقسيم المجتمعات العربية المعاصرة لجزئيين رئيسين، جزء يقطن في مدن مليونية، حيث، تقريبًا، لا يعرف الجار جاره. وفي هذه المدن تنتشر الفردية الشديدة قد تشعر المرء بالوحدة، ولكنها تتيح له حرية فردية أكبر. وقسم يسكن في مدن أو ضواحي قليلة العدد نسبيًا، وتنتج تداخلًا اجتماعيًا قويًا فيها، فقد لا يشعر المرء بالوحدة، ولكن هذا يسحب من رصيد الخصوصية الفردية كثيرًا، وتكبل الفرد كثير من الاعتبارات للمجتمع وما يقوله وما شابه.

وللأسف، النساء أكثر هشاشة نفسية في مواجهة ضغوط ثرثرة الأفراد، وقليل منهن من تصمد لما يؤمن به، بأقل قدر من التشويش الذهني والنفسي. وعمومًا كلما زاد دعم وقبول الأسرة الصغيرة للفتاة لما تختار، كلما زادت مناعتها النفسية تجاه ثرثرة المجتمع الأكبر التي تمارس لشغل الوقت لا أكثر. ربما كان وجود المرأة العزباء في المجتمع الأول/ الفردي بطبعه أسهل نسبيًا، كما أن وجود الفتيات المستقلات العازبات زاد في الآونة الأخيرة، فقد كان مقتصرًا، فيما مضى، على الطالبات الجامعيات المغتربات من مدن لا يوجد بها جامعات، ولكن اليوم زاد وجود تلك الفئة شيئًا فشيئًا، حيث أن تشارك الفتيات السكن للعمل أو الدراسة أصبح متكررًا في تلك المدن الضخمة ذات الفرص الكبيرة، وتُحقق المرأة الاستقلال المادي في ظل هذا النظام.


اقرأ أيضًا: قبل أن يبدأ: أفكار متوارثة تجعل من " الزواج" مشروعًا فاشلًا


وأصبح هناك أماكن كثيرة يمكن أن تشبع النساء اجتماعيًا، مثل الانخراط في العمل الخيري، أو حتى تأسيسه. كما أن خيار كفالة الأطفال الأيتام أصبح خيارًا متاحًا حاليًا أيضًا عند بعض النساء اللاتي حققن فائضًا ماديًا يكفيهن، ويرغبن في ممارسة شعور الأمومة مع طفل، ولم يمن الله عليهن بزوج مناسب يرضينه ليشبعن هذا الاحتياج بشكل تقليدي. المرأة العزباء في المجتمعات الصغيرة تواجه مشاق أكبر نسبيًا؛ فكثرة الحديث والقيل والقال قد تؤذيها نفسيًا جدًا، ولكن ببعض التأهيل وبعض القوة النفسية ستتعلم تجاهل ما يضايقها، وبأدبها وأخلاقها ووضع حدودًا صارمة سيتقبل الجميع الأمر، وسيبحثون عن لبانة مجالس أخرى غير سيرتها.

يقول مثل مصري قديم: "قعدة الخزانة ولا جوازة الندامة"، للدلالة على أنه لا بدّ أن يتأنى المرء جيدًا في الاختيار، لأن هذا الاختيار لن تكون تبعاته فردية، ولكنها قد تمتد لأطفال أبرياء. وكثيرات لم يحظين بفرصة لاختيار زوج جيد، فلا يجب أن نكون بقسوة الظروف التي تستطيع الفتاة التعامل معها بكفاءة.

البقاء بلا زواج ربما يكون اختيارًا من الفتاة، أو ربما لم تجد من يملأ عينها، أو تطمئن له لتعطيه قيادة حياتها. هناك أشياء كثيرة لا تحب الفتيات الحديث الصريح والجريء عنها، وكثيرات يدّعين أنهن strong independent woman كميكانزيم دفاعي لأنها لم تجد شخصًا مناسبًا لها، فحرص الفتاة على الزواج رغم تقدم السن لا يجب أن يكون محل انتقاد، مثله مثل السيدة التي تتزوج مرة أخرى بعد الانفصال أو الترمل. فقد تجد المناسب لها في أي وقت وقد لا تجد (وهذا الأكثر شيوعًا للأسف)، أو ربما هي تعبت من الوحدة أو أي شيء آخر. قرار زواجها هو قرار خاص بها ولا يجب أن يكون معيارَ حكم سلبي أو إيجابي على البشر والنساء عمومًا.

هذا ليس تشجيعًا على عدم الزواج، ولكنه دعوة للنظر في الموضوع من زاوية مختلفة؛ فالجميع يعلم أن الزواج شيء مهم، ولكن، لا يحب أن يكون هو الهدف الوحيد الأوحد من الحياة وفقط. يقول مثل مصري قديم: "قعدة الخزانة ولا جوازة الندامة"، للدلالة على أنه لا بدّ أن يتأنى المرء جيدًا في الاختيار، لأن هذا الاختيار لن تكون تبعاته فردية، ولكنها قد تمتد لأطفال أبرياء. وكثيرات لم يحظين بفرصة لاختيار زوج جيد، لأجل كل ذلك، علينا أن لا نزيد الأمر سوء، بأن ندفع الفتاة لاتخاذ قرار لا تريده ولا يناسبها، فقط لترضي الألسنة والمجتمع. كما أن تلك النماذج المختلفة المذكورة تذكرنا أن الحياة ليست لها طريقة واحدة فقط لنعيشها. وبقاء الأثر، وابتغاء وجه الله في كل ما نفعله هو الغاية الأسمى لحياة الإنسان، رجلًا كان أو امرأة.


| المراجع

[1] ¹ كتاب المرأة في اثينا - المركز القومي

[2] ² كتاب علماء عزاب

[3] وهناك فصل كامل عن كريمة المروزية في كتاب المرأة ونقل المعرفة الدينية في الاسلام بدء من ص ١٨٢ - مدارات

[4] ³ كتاب الزواج والمال والطلاق - تراث

[5] ⁴ مقال إضاءات: كيف كسرت النساء احتكار الرجال للصوفية؟

[6]قصة فتحية عمر

[7]قصة جدة عائشة الخولي