بنفسج

الليالي الأولى من اعتقال الأحبة

الأربعاء 10 يونيو

كمواطنة فلسطينية تعيش في ظل كيان محتل غاصب، تزيد احتمالات أن يأتيك زائرو الليل لاعتقال أحد الأحبة بتهم واهية أو لمجرد شكوك ووهم. على قدر صعوبة اللحظات التي يكون فيها جيش الاحتلال داخل منزلك، إلا أنها ستكون بداية للأصعب بعد ذهابهم، ستزورك الهواجس الكثيرة والمخاوف التي قد تتربص بكِ فتمضين أيامًا بلا نوم أو أكل، بالمختصر ستكون حياتك بلا حياة.

ولأننا مطالبون أن نكون أقوياء وعلى قدر من المسؤولية، ولأن لكل واحدة منا واجبات تجاه من حولها وتجاه نفسها، علينا ألا نسمح لهذه الفترة أن تطول عن ساعات قصار! نعم ساعات قصار.

لأنه في الوقت الذي تظنين فيه أنك تريدين الاختفاء من هذا العالم لِعِظَم مصابك، وتتمنين لو أنك وحدك في غرفة مظلمة لا أحد فيها لتبكين وتصرخين وتنهارين وتظنين أن في ذلك راحتك، يكون عليك أن تنفضي تلك الأفكار من رأسك وتتوجهي نحو كل ما هو مطلوب منك فعله وتدبير شؤونك وشؤون كل من هم تحت مسؤوليتك بكل قوة، ليس هربًا من الحزن فأنت ستعيشينه بكل تفاصيله ولن تُغرقي نفسك بالعمل لتتهربي منه.

 ضعي هذه الفكرة نصب عينيكِ، لأنها ذات قيمة مهمة جدًا، وإليك الفرق : إذا فعلت ما فعلت هروبًا من الحزن، فإنه سيباغتك شئت أم أبيت في أي وقت ودون سابق إنذار وسيكون أكثر حدة مع الضغوطات التي كلفتِ نفسك بها، ولكن إن عشت الحزن وأعطيتِ نفسك حقها في البكاء، خاصة إن كان البكاء والشكوى تضرعًا لله، فإن ذلك سيزيدكِ قوة لأنك بذلك ستُفرغين جزءًا من حِمْلٍ كان من المفترض أن يضغطك كل يوم، واعلمي أن من أكثر الأسباب التي تزيد من القوة والدافعية هي أن تشعري بداية كل صباح أن ما تقومين به يجعل أسيرك مطمئنًا في سجنه على من تركهم وراءه.

في المساء، أخبري نفسك كم أنت قوية، وحضري عبارات جميلة، احفظيها وردديها لِكَي تكون أول عهدك بالدنيا عندما تستيقظين في الصباح، مثل كلمات النبي _صلى الله عليه وسلم_ في أكثر الأيام الصعبة التي مر بها في الطائف عندما قال: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربّي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهَّمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك عليَّ غضبُ فلا أبالي، ولكنَّ عافَيَتَك أوسعُ لي ".

أو رددي: الخيرة فيما اختاره الله. أو صبّري نفسك بأن تقولي لها: لا تيأسي فإن اليأس كفر. وما رأيك بالآية الكريمة "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا "؟ تستطيعين أن تجعلي لك قاموسك الخاص من العبارات المحفزة التي تعينك كل صباح أن تتذكري كم أنت قوية، وتُذكري نفسك لماذا يجب أن تكوني قوية، ربما لأجل أسيرك الغائب أو أبنائك أو أهلك وأحبتك.

في الليالي الأولى من الاعتقال التي تكون الأساس في تحديد قوة صمودك في وجه التحديات التي لا يعلم أحد إن كانت ستطول أم لا، عليكِ أن تسعي لتكوني السبب الأول والوحيد لدعم نفسك، اجعلي من نفسكِ الكتف التي تستندين عليها بعد طلب العون الأول والأخير من الله.

وبما أن الانهزامية قرار فالتفاؤل والسعادة والصبر كذلك، وإن الدنيا تمر علينا بحلوها ومرها وقرار أن نعيشها بقوة هو الخيار الأسلم، لأنك ستكونين قادرة على أن تبتسمي وتَفرحي وتُفرحي من حولك معك.

اعلمي أنك مع الله فقط! ستسألينني كيف أكون السند لنفسي وكيف أصبر نفسي وأنا بحاجة لتصبير؟ أنت ضعيفة في تلك اللحظات، أعلم، ولكن لن يفيدك تذلل كلمات التصبير ممن قد يزيدك جزعًا، أو قد يقول كل كلمات التصبير إلا التي تصبرك أنت، غاليتي، إن لكل نفس منا مفاتحها ولا يعلم مفاتيح قلبك بعد الله إلا أنت، فأمسكي مصحفكِ واقرئيه كمن يبحث عن ثبات، وسيذهلك والله ما سيحصل.

إذا انتهيتِ، خذي كتابًا عن أسماء الله الحسنى، وفي كل اسم ستجدين ما يقوي عزمك ويشد أزرك، ويمنحك من القوة ما لا تجدينه عند البشر. اعلمي أن الصبر بالتصبر، واعلمي أن الصبر كرزق المال، علينا أن نسعى إليه ليرزقنا الله به. إياكِ والتواكل في الصبر فتزدادي ضعفًا.

بعد ذلك نمسك جهاز الحاسوب أو هاتفنا الذكي ونبحث عن كل مقاطع التصبير التي تحدث عنها العلماء، بالإضافة إلى مقاطع الأمل والعزيمة والقوة والتفاؤل التي قد تجدينها في طريقك، ولماذا لا تستمعين إلى قصص أناس أصيبوا ببلاء عظيم، فكان سبب نجاحهم وتميزهم، وكانوا سببًا في عون كل من هم على شاكلتهم ليزدادوا قوة وفاعلية في المجتمع، واحتفظي بأكثر المقاطع التي أعجبتك لكي تعودي لها عند كل انتكاسة.

وبما أن الانهزامية قرار فالتفاؤل والسعادة والصبر كذلك، وإن الدنيا تمر علينا بحلوها ومرها وقرار أن نعيشها بقوة هو الخيار الأسلم، لأنك ستكونين قادرة على أن تبتسمي وتَفرحي وتُفرحي من حولك معك. وهل إذا جزعنا سيتغير الواقع؟!بما أنه لن يتغير فعيشي كما أراد الله بالصبر والأمل، واليقين بأنه قد استجاب لأُمنياتك فعلًا، وبقي التنفيذ.