بنفسج

يا ولدي

الخميس 11 اغسطس

في عام 2017 كتبت تدوينتي الأولى "يا ولدي"، وقد نهجت حينها نهج الكاتب العربي أحمد أمين في رسائله لابنه الذي سافر الى إنجلترا في عام 1950 ليكمل مسيرة تعليمه. كنت في حينها قد رزمت حقيبة ولدي عبد العزيز، ووضعت أمنياتي وآماله فيها، وودعته في صالة يوسف النجار، حيث مكان مغادرة المسافرين في تلك الأيام.  حضنته حضنًا قويًا، أذكر حرارته جيدًا حتى زمن كتابة هذا الحرف وهمست في أذنه "خد بالك من حالك يا أمي، وأنا مش خايفة عليك لأنك...".

كنت أعلم جيدًا على قدر شغفه في الرحيل والسفر إلى خارج البلاد، أن هناك خوفًا يتربص في خلجاته فأوقعت الأمان في قلبه واليقين بأن قلبي بخير من الخوف عليه.  كنت أود أن أبثّ في روحه آخر جرعة ثقة بشكل وجاهي، فمن حاز على ثقة والديه وعائلته شعر بثقة العالم كله.

كل سنة كانت تمضي وبركة الله ومعيته معنا نراها كفلق الصبح. اتبعت، كما عادتي، ولكني زدتها بعد سفر عبد العزيز، وهي وصفة سحرية لكل محتاج لمعية الله وبركته، الدعاء والصدقات، صدقة بنية التوفيق وصدقة بنية الحفظ من كل مكروه أو سقوط، فالالتزام الأخلاقي والاعتدال الفكري أولى من التفوق العلمي.

مضى عبد العزيز في طريقه إلى جامعة كارابوك في تركيا، ومضيت أنا في واجبي الجديد من متابعة حثيثة دقيقة. عشت معه كل تفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة، تعددت مكالماتي له طول النهار ناهيك عن مكالمة الليل الطويلة للسهر والمزاح. كان من أهدافي بقاء تواصل عبد العزيز مع العائلة، أخبره بكل ما يدور في فلك عائلتنا الصغيرة والكبيرة وأدعمه للتواصل الدائم، بل أحمله دور الحديث مع إخوانه وتداول بعض خصوصياتهم، خشية من الانفصال العاطفي بينهم.

ناهيك عن الحديث عن أخبار البلدين والارتباطات السياسية والجدال الفكري في بعض القضايا هنا وهناك.  نحزن ليلة بزوغ هلال رمضان والعيدين والأفراح والمناسبات. أحبس دموعي أمام الكاميرا وأحررها خلفها، أحثه على خلق فرص الفرح له ولزملائه وخاصة في الأعياد. الانخراط في عالم جديد بكل تفاصيله أمر ليس بالهين، بلد يكثر في الضجيج ويفتح آفاقه لكل الجنسيات، وتنصهر فيه شتى الثقافات والأفكار، يحتاج لمن امتلك أمنًا فكريًا رصينًا.


اقرأ أيضًا: اصنعوا معروفا.. وادخروا لأبنائكم


كل سنة كانت تمضي وبركة الله ومعيته معنا نراها كفلق الصبح. اتبعت، كما عادتي، ولكني زدتها بعد سفر عبد العزيز، وهي وصفة سحرية لكل محتاج لمعية الله وبركته، الدعاء والصدقات، صدقة بنية التوفيق وصدقة بنية الحفظ من كل مكروه أو سقوط، فالالتزام الأخلاقي والاعتدال الفكري أولى من التفوق العلمي، وما حالنا بالعلم دون الأخلاق والاعتدال، فمن يرتحل خارج بلده يكون في معركة حقيقية والواثق بالله وقدرات ذاته، كان لا بد يكون من الظافرين.

تخرج عبد العزيز في عامنا هذا 2022،  توج أحداث العام، والذي شاب الحزن بدايته بفقدان جده من أبيه، فقدنا من كان ينتظر هذا الحدث بقلب محب للحياة والأحفاد، مات جده وبقي خلفه خلفًا نسأل الله أن يكون في موازين الخير له. وسط السرور هذا لن أفوت فرصة إرسال خطابات الشكر الطويلة لكل من وقف مع ولدي في غربته  بنصيحة صوبت اعوجاج أوشك أن يقع فيه، أو معلومة أرشدته لما هو أفضل أو كعكة عيد خففت وطأته بعيدًا عن وطنه، أو أكلة أذابت بعضًا من شوقه لأكلات أمه.
شكرًا لكم من قلبي وقلب والده، فمن أطعم أبناءنا تمرة سقطت حلاوتها في أفواهنا.

عبد العزيز ولدي: الحديث الآن لك والأحداث لم تنته بعد. أدم في روحك وقناعتك أنه لولا تيسير الله وفضله ما كان هذا التقدم، وأن كدك وجهدك فيما سبق يحتاجان إلي صيرورة للإقدام إلى ما بعد، القطار طويل والمحطات طويلة، وأنت تستطع، ونحن ووطنك نحتاج ونستحق. ولدي دمت في رعاية الله وحفظه..