بنفسج

المرابطة زينة عمرو: عن الحياة في كنف المسجد الأقصى

الأربعاء 07 سبتمبر

"حجارة الأقصى تعرفنا.. تشعر بنا ونشعر بها، تفهمنا ونفهمها، نعرف متى تفرح ومتى يسكنها الحزن، إنها لغة لا يفهمها الكثيرون". لكن، ربما من زار الأقصى ولامست جبهته حبات ترابه وبلاط ساحاته، سيعي تمامًا تلك الكلمات التي باحت بها المرابطة المقدسية "زينة عمرو" لـ"بنفسج"، فمن زار الأقصى عشقه، ومن يعشق سيفهم تمامًا ما يختلج معشوقه دون كلام!  
ومن لا يعرف "زينة عمرو"، تلك المرابطة التي كرّست عمرها وحياتها وأسرتها للرباط في المسجد الأقصى، فلم يفلح 12 اعتقالًا بإخضاعها، ولم تكسر قرارات الإبعاد عن الأقصى عزيمتها، ولم تتهاوى همتها مع حجارة بيتها تحت معاول الاحتلال، لتنهض مع كل تكبيرة في ساحات الأقصى، تلاحق المستوطنين وحاخاماتهم، لا تخشى عتادهم، ولا تلتفت لتهديداتهم. 

| خليلية المولد مقدسية الهوى

زينة عمرو ولدت في دورا بالخليل جنوب الضفة الغربية في عام 1964م، ونزحت مع عائلتها عند احتلال الضفة إلى الأردن. قبل أن تكتب لهم الله العودة في عام 1975م إلى الخليل، حيث أكملت دراستها الابتدائية والثانوية، قبل أن تتزوج من ابن القدس والمختص في شؤونها "جمال عمرو". 

حزمت "زينة" وزوجها حقائبهما بعد الزواج وسافرا إلى ألمانيا، بهدف إكمال الدراسة الجامعية، إلا أن الانشغال بأطفالهما حال دون ذلك، ليعودا إلى القدس، ويجاورا المسجد الأقصى، ويكبر أبناءها الستة (ابنتان وأربعة ذكور) في أحضانه، فكان مدرستهم ومسجدهم وملعبهم.  

وعن قرب، نتعرف في سطور هذا اللقاء على "أم رضوان"، التي ولدت في دورا بالخليل جنوب الضفة الغربية في عام 1964م، ونزحت مع عائلتها عند احتلال الضفة إلى الأردن. قبل أن تكتب لهم الله العودة في عام 1975م إلى الخليل، حيث أكملت دراستها الابتدائية والثانوية، قبل أن تتزوج من ابن القدس والمختص في شؤونها "جمال عمرو". 

حزمت "زينة" وزوجها حقائبهما بعد الزواج وسافرا إلى ألمانيا، بهدف إكمال الدراسة الجامعية، إلا أن الانشغال بأطفالهما حال دون ذلك، ليعودا إلى القدس، ويجاورا المسجد الأقصى، ويكبر أبناءها الستة (ابنتان وأربعة ذكور) في أحضانه، فكان مدرستهم ومسجدهم وملعبهم.  

بعد عودتها من الغربة في عام 1993م، ارتبط أبناء زينة بشكل كبير بالأقصى لقربهم منه، حتى التحقت بشكل رسمي في عام 2010 بالتدريس في حلقات العلم داخله، مما زاد وعمّق ارتباط الأسرة جميعها بالأقصى، وعن ذلك تقول: "كل صباح كنت آخذ أولادي لمدارسهم داخل المسجد الأقصى، وأنا أذهب لعملي بالتدريس في حلقات العلم، إضافة لتنظيم جولات تعريفية للزائرين داخل المسجد". 

زنية وزوجها.webp
المرابطة زينة عمرو مع زوجها المختص في الشؤون المقدسية جمال عمرو وأولادهما

وتتابع: "وجودي كأم وأبنائي معي داخل الأقصى جعل هناك رابطة قوية جدًا، وخلق حالة عشق لا متناهية معه، أصبح الأقصى مقدّم على الأزواج والأبناء، بل على أرواحنا أيضًا، نفديه بأرواحنا وبأبنائنا وأزواجنا، حتى أصبحنا بفضل الله أسرة مرابطة تعمل لأجل الأقصى".

أما عن دراستها، فقد حصلت "زينة" على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة القدس المفتوحة، وأكملت دراسة الماجستير "دراسات مقدسية" في جامعة القدس، حيث كان مكان دراستها بالقرب من باب القطانين بالمسجد الأقصى، وتضيف: "كان لمجال ومكان دراستي دورٌ كبيرٌ في مسيرتي بالرباط، فكنت من أوائل المدرسات اللواتي درّسن مادة التعريف بالمسجد الأقصى وتاريخ القدس في حلقات العلم".

وتمضي بالقول: "دراستي جعلتني أفهم هذا المكان بشكل أعمق، تعمقت في تاريخه ومكانته الحقيقية، فمعركتنا معركة وعي، ومن يتخلى عن الأقصى فهو غير واع لحقيقة المكان".  رأت "أم رضوان" حجم الخطر الذي يداهم الأقصى، ما جعلها تشعر بالمسؤولية أكثر، وتقول: "حتى أبنائي بدؤوا منذ طفولتهم يفهمون ويعون دورهم ومسؤوليتهم اتجاه الأقصى، فكبروا على هذا الحب والوعي والفهم لمكانته العظيمة".
 
| بداية حلقات العلم في ساحات الأقصى

received_483214346655522.jpeg
حلقات العلم برفقة المرابطة زينة عمرو في المسجد الأقصى المبارك

حرقة وغيرة اختلجت قلب "زينة" عند رؤيتها لحلقات العلم الخاصة بالرجال في المسجد الأقصى، ما دفعها للسؤال والتواصل مع القائمين عليها بالحركة الإسلامية في الداخل المحتل، حتى التقت برئيسها الشيخ رائد صلاح وطرحت عليه عقد حلقات علم للنساء، ليخبرها أنهم عازمون على ذلك، وهو ما كان بعد ذلك اللقاء بشهر واحد، وكانت من أولى المعلمات في تلك الحلقات. 

لم تنأ نساء الأقصى بأنفسهن عما يتعرض له مسجدهن، بل اتخذن على عاتقهن اختيار أكثر الأماكن اشتعالًا واحتكاكًا مع الاحتلال والمستوطنين، ليكون مكانهن الدائم لحلقات العلم مقابل باب المغاربة الذي يستخدمه الاحتلال ومستوطنيه لاقتحام الأقصى، ما أثار حفيظة قوات الاحتلال.  أخذت المرابطات التكبير سلاحًا للدفاع عن الأقصى، وأصبح منهجًا لرفض سياسة الاحتلال داخله، فوضع الاحتلال نصب عينيه إرغامهن على ترك المكان، وبدأ يضيّق عليهن؛ فوجودهن على عتبات المغاربة "حجر عثرة" أمام مشروع تهويده للمسجد.

| رباط أبدي لا توقفه عراقيل الاحتلال

مرابطات.webp
زينة عمرو برفقة المرابطات المقدسيات

اعتقالات وقرارات بالإبعاد عن المسجد الأقصى، وحرمان من التأمين الصحي وعقوبات مختلفة فرضتها سلطات الاحتلال على المرابطات، ليكون لـ"أم رضوان" نصيب الأسد منها، فهي التي اعتقلت وأصيبت وأبعدت وهدم منزلها بقرار جائر في عام 2017، في محاولات فاشلة لاجتثاث صمودها من ساحات الأقصى. 

12 اعتقالًا تعرضت له "زينة عمرو" منها ما كان من باحات وبوابات الأقصى وأخرى من منزلها، وعن تلك المواقف تقول: "كانت اعتُقل ويفرج عني في نفس اليوم بعد التحقيق معي وتسليمي قرارات بالإبعاد عن الأقصى، حيث وصلت مدة إبعادي لأربع سنوات متفرقة، إضافة لمنعي من السفر أنا وزوجي لثلاث سنوات بتهمة التحريض على الدولة وتشكيلنا خطرًا عليها". 
الاعتقال الأول كان في عام 2013 هو الأصعب على المرابطة زينة عمرو، إذ كانت  حينها أمام خيارين؛ إما أن توقع على قرار إبعادها عن الأقصى، أو استمرار اعتقالها. 

لت لهم لن أوقع بمحض إرادتي على قرار إبعادي، ولكن سيعتقلونني، فقال لي ابني حينها "إنت اختاري وإحنا معك"، وكانت هذه الكلمة من شجعتني على رفض القرار وأن أبعد بإرادتي".

تروي لنا تلك اللحظات: "كان أمامي هاجس عما سأواجهه وعن نظرة المجتمع حولي لاعتقالي، كما أني لا أتخيل أن أوافق بنفسي على الإبعاد عن عشقي المسجد الأقصى. كنت في صراع داخلي، حتى طلبت التواصل مع عائلتي، قلت لهم لن أوقع بمحض إرادتي على قرار إبعادي، ولكن سيعتقلونني، فقال لي ابني حينها "إنت اختاري وإحنا معك"، وكانت هذه الكلمة ما شجعني على رفض القرار وأن أبعد بإرادتي".

وتردف: "هذا الاعتقال، على صعوبته، كسر صورة الاحتلال ومهابته وخشيته، كنا نحتاج لجرعة مناعة وإصرار على المواصلة، وأمضيت فيه ثلاث أيام، وفي المحكمة قُدم فيديو بدعوى أني أحرض، لكن القاضية لم تر أي مخالفة أستحق عليها الاعتقال، فأفرج عني".

| القائمة الذهبية... سيدات في وجه المحتل

 

وتعرضت "أم رضوان" للضرب والاعتداء المباشر، حيث أصيبت بكسور في الفك والأسنان وفي قدمها، إضافة لإصابة وجرح بليغ في رأسها، ولوحقت هي وزوجها وأبناؤها، لكن الأشد ألمًا، مما تعرضت إليه كم تقول هو إبعادها عن الأقصى، مضيفة: "كنت أوصل أبنائي لأبواب الأقصى ولا أستطيع الدخول". 

إلا أن المحن لدى المرابطين والقابضين على الجمر تنقلب لمنح، فرغم لوعة قلبها في الإبعاد، إلا أنها وجدت فسحة من وقتها لإكمال رسالتها الماجستير التي كانت قد انقطعت عنها فترة من الزمن، لانشغالها بالرباط داخل الأقصى وفي حلقات العلم، فعادت وأكملتها على أبواب المسجد خلال فترة إبعادها، وحصلت على شهادة الماجستير في الدراسات المقدسية. 


وتعرضت "أم رضوان" للضرب والاعتداء المباشر،  فأصيبت بكسور في الفك والأسنان وكسور في قدمها، إضافة لإصابة وجرح بليغ في رأسها، ولوحقت هي وزوجها وأبناؤها، لكن الأشد ألمًا، مما تعرضت إليه كم تقول هو إبعادها عن الأقصى، مضيفة: "كنت أوصل أبنائي لأبواب الأقصى ولا أستطيع الدخول". 

إلا أن المحن لدى المرابطين والقابضين على الجمر تنقلب لمنح، فرغم لوعة قلبها في الإبعاد، إلا أنها وجدت فسحة من وقتها لإكمال رسالتها الماجستير التي كانت قد انقطعت عنها فترة من الزمن، لانشغالها بالرباط داخل الأقصى وفي حلقات العلم، فعادت وأكملتها على أبواب المسجد خلال فترة إبعادها، وحصلت على شهادة الماجستير في الدراسات المقدسية. 

ولم تقتصر تلك المنح على ذلك، فإصرار المرابطات اللواتي وضع الاحتلال أسماءهن على قائمة أسماها "القائمة السوداء"، فيما أطلقن عليها "القائمة الذهبية" على التواجد على بوابات الأقصى، مكّن العالم من رؤيتهن ومتابعة ما يحدث هناك. 
وتقول لنا: "استطعنا أن نكشف المستور، ونوصل صوتنا للعالم بفضل المرابطات وحرائر الأقصى اللواتي تعرضن للضرب والقمع على بواباته، أصبح هناك تواصلٌ مع الإعلام، فوجودنا على بوابات الأقصى مكّن الإعلاميين عربًا وأجانب، من نقل الصورة التي كان لها تأثير كبير على حالة الوعي لدى الأمة أن المسجد الأقصى في خطر". 
 
| المكان الأقرب لقلبي في قبته الذهبية

زينة.jpg
المرابطة زينة عمرو برفقة هنادي حلواني وزميلات لهن

ولأنها تحفظ كل ذرة ترابه داخله، وتغلغل حبه في فؤادها، بات كل ركن من الأقصى جزء من روحها، وتقول في وصف حبها وتهمس لنا بأقرب الأماكن لقلبها داخل الأقصى: "هناك مكان مقرب جدًا إلى قلبي، ودعوت الله أن ألقاه شهيدة فيه، رغم أن كل ذرة تراب في المسجد الأقصى قطعة من روحي، حتى بتنا نشعر أن حجارة الأقصى تعرفنا وتحدثنا وتفهم لغتنا، نشعر بها متى تكون حزينة ومتى تفرح، هذه اللغة أصبحت بيننا نحن والمسجد الأقصى وقد لا يفهمها كثيرون. الأقصى ليس مجرد حجارة، بل روح بكل ما تحمله الكلمة من معنى روح وأنفاس الأنبياء والصحابة والتابعين، نشتم أنفاسهم داخل الأقصى".

وتتابع: "أكثر مكان يستهويني حتى بعد أن طردنا وأبعدنا عنه، وبعد أن عدت لحلقة العلم كل يوم ثلاثاء، هو عند زاوية المصلى القبلي، لأجلس مستندة على حائطه مقابل باب المغاربة، وأرقب من يدخل ويخرج من المستوطنين وقوات الاحتلال من اللحظة الأولى، هذا المكان أعشقه وأتمنى أن ألقى الله شهيدة هناك". 


اقرأ أيضًا: كيف أصبحت هنادي الحلواني المرأة الأخطر في مدينة القدس؟


وبمجرد أن تلمح المرابطات المستوطنين يقتحمون المسجد من باب المغاربة، تطوي النساء مقاعدهن في حلقات العلم، وتتحول الحلقة لجولة تلاحق المستوطنين، دون أن يستطعن التكبير، وعن ذلك تقول ضيفتنا: "من يكبّر يعرض نفسه للإبعاد، فما فائدة التكبير إذا أُبعدنا، وجودنا بالأقصى هو الأساس، الآن حرصنا على البقاء داخل الأقصى هو ما يمنعنا من التكبير، وليس خوفًا منهم ولا من ترسانتهم، ولكن خوفًا من أن نحرم من المسجد الأقصى، فحرماننا منه كارثة بالنسبة لنا، لذلك أصبح وجودنا وجود حذر، وحتى نحرص على البقاء نحاول تجنب أي صدام". 

| الأقصى أمانة.. والرباط واجب على الجميع
2-9.jpg
المرابطة زينة عمرو يكرمها الشيخ رائد صلاح

وتستطرد: "لكن في الأيام الحاسمة كيوم "ذكرى خراب الهيكل المزعوم"، والاقتحام الذي تعرض له المسجد مؤخرًا. كنا لا نستطيع السكوت حيث زلزلت التكبيرات المسجد، لقد جربنا حناجرنا مجددًا!".  ولأن الأقصى همها وقضيتها، تبرق المرابطة المقدسية رسالة لكل من يستطيع الوصول إليه، وتقول: "الأقصى أمانة في أعناقنا، معركتنا معركة وجود، سلاحنا الوحيد هو الرباط داخل الأقصى، رسالتي لنساء القدس: عليكن الوجود فيه، ولنتعاهد كأسر مقدسية أن ينوب عن كل أسرة واحد على الأقل يرابط نيابة عن الأسرة". 

وتمضي بالقول: "في ظل غياب الأمة كلها، فلو غاب الأب حضر الابن أو الزوجة، وليكون لكل أسرة حظ من الرباط، فيبارك المولى عز وجل بهم وبرزقهم وصحتهم وأموالهم، فوالله نجد أن البركة تحل علينا برباطنا وتضحيتنا لأجل الأقصى،  لن نترك المحتل يهنأ بالأقصى، ونحن على يقين أن النصر صبر ساعة، ونحن الآن في آخر الليل وأشده ظلمة، وسيبزغ بعدها الفجر". 

تهمس "أم رضوان" في ختام حديثها لـ"بنفسج" في أذن كل من لا يستطيع الوصول للأقصى، قائلة: "العمل للمسجد الأقصى مفتوح، ومن لا يستطيع الوصول بجسده ليصله بروحه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ائتوه فصلوا فيه، فإن لم تأتوه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله"، وقناديل الأقصى اليوم متنوعة، بالكلمة والوعي والفهم وحمل همه والحديث عنه".

وللنساء تقول: "كوني أنت رسالة الأقصى، تحدثي عنه في كل اجتماعاتك ولقاءاتك، هناك مرابطات عن بعد يعملن ويخدمن الأقصى أكثر ممن هم داخل القدس، وذلك من خلال المشاركة بالبرامج التثقيفية والتوعوية".  وتختم قائلة: "نحن الآن في مرحلة إعداد، كل شخص منا رجالًا ونساء يجب أن يكون له شرف بالإعداد، بالكلمة بالصورة والنصرة مهما كانت، يجب أن نعد العدة لما هو أكبر بتحرير الأقصى وتطهيره".