بنفسج

راية أبو عيشة: "روح" مركز يستنطق لغة الضاد

السبت 15 أكتوبر

بأناملها الرقيقة تحاول الصغيرة ريم أن تتماهى في كتابتها وتلوينها ورسمها على دفاترها الوردية الصغيرة مع والديها، تغرق بين رسوماتها البريئة وكتاباتها التي تسبق سنها، فقد أسمتها المعلمات ملكة الخط في المدرسة رغم أنها ما زالت في الثامنة من عمرها. في حين ظلت أختها نور ذات الست سنوات منهمكة في الرسم محاولة تقليد إحدى لوحات والدها، وإتمام المهمة التي وكلتها بها أمها في تلوين ما تبقى من بطاقات لتمنحها للمشاركين في إحدى ورش المركز. ريم ونور هن وليدات الخط العربي، ومؤنسات عائلة المهندس أيمن اشتيه وزوجه راية أبو عيشة، اللذين يديران مركزًا للخط العربي، وفنونه الجميلة في مدينة نابلس في الضفة الغربية.

| في حب الخط العربي.. بدايات القصة 

الغربة كانت البداية لها في عالم الخط العربي فهناك بدأت الحكاية تشق طريقها نحو النور، تقول راية لبنفسج عن البدايات مع رفيقها: "تعتبر السعودية من الدول الحاضنة جدًا للخط، هناك دورات لتعليم الخط تنظمها المملكة في أماكن متعددة وعامة، وليس شرطًا أن تكون في مركز خاص مقابل رسوم باهظة".
 
تكمل: "كنا نستمتع جدًا في الفعاليات مثل فعالية خطاطي الحرم المكي، لذلك عند عودتنا من السعودية أردنا أن نطبق تجربتنا في الخط وما تعلمناه في هذا المجال في فلسطين، خصوصًا أن فلسطين تفتقر لمثل هذه الورشات".

لم تكن راية تعرف زوجها أيمن قبل الارتباط به رسميًا، وهو كذلك، ولكن بعد أن جمعهما الله في ميثاق غليظ، لم تتآلف القلوب على المودة والرحمة وحسب، بل جمعتهما أشياء أخرى، لم تبن لهما منزلًا دافئًا فقط، بل مركزًا  للخط العربي،يحمل على عاتقه تعليمه والسعي لإحيائه، فراية كانت تحب الخط العربي وتهوى تأمله ولكنها لم تكن تتقنه قبل الزواج، أما زوجها أيمن فكان خطاطًا بارعًا كما عرفته راية إضافة إلى كونه مهندسًا.

 كانت ضيفتنا مبتدئة جدًا في الخط، ولكنها سرعان ما امتلكت زمام الأمر  بعد سفرها إلى السعودية في بداية زواجها واستقرارها هناك لفترة من الزمن، فعزمت الأمر على الاحتراف، فالتحقت  بدورة للمبتدئين في الخط الديواني، وبعد ذلك سعت لتطوير موهبتها عن طريق الممارسة  في المنزل، وكل ذلك بدعم من شريك حياتها الخطاط المخضرم، فكان يصحح لها ما تفعل.

الغربة كانت البداية لها في عالم الخط العربي فهناك بدأت الحكاية تشق طريقها نحو النور، تقول راية لبنفسج عن البدايات مع رفيقها: "تعتبر السعودية من الدول الحاضنة جدًا للخط، هناك دورات لتعليم الخط تنظمها المملكة في أماكن متعددة وعامة، وليس شرطًا أن تكون في مركز خاص مقابل رسوم باهظة، في مكة المكرمة، حيث نسكن ،كنا نستمتع جدًا في الفعاليات التي تُقام باستمرار، مثل فعالية خطاطي الحرم المكي، لذلك عند عودتنا من السعودية أردنا أن نطبق تجربتنا في الخط وما تعلمناه في هذا المجال في فلسطين، ونطورها أيضًا، خصوصًا أن فلسطين تفتقر لمثل هذه الورشات والتجمعات لتعلم وتعليم الخط العربي، فالاهتمام في هذا الفن ضعيف جدًا هنا".

3-10.jpg
أنشطة وفعاليات للخط العربي يقدمها مركز روح في نابلس-فلسطين

يقول المؤرخ الشهير القلقشندي: "الخط كالروح في الجسد، فإذا كان الإنسان وسيمًا حسن الهيئة، كان في العيون أعظم وفي النفوس أفهم، وإذا كان على ضد ذلك، سئمته النفس ومجّتهُ القلوب، فكذلك الخط، إذا كان حسن الوصف مليح الرصف مفتّح العيون أملس المتون، كثير الائتلاف، قليل الاختلاف، هشّت إليه النفوس، واشتهته الأرواح، حتى إن الإنسان ليقرأه، وإن كان فيه كلام دنيء ومعنى رديء مستزيدًا منه، ولو كان كثر من غير سآمة تلحقه، وإذا كان الخط قبيحًا مجتّه الأفهام، ولفظته العيون والأفكار، وسئم قارئوه، وإن كان فيه من الحكمة عجائبها ومن الألفاظ غرائبها".

تمثلا الزوجان قول القلقشندي، بأن الخط كالروح للجسد، واقتباسا منه عنوان المرحلة، فلم يفتر الزوجان عما خططاه حول الخط في غربتهما، وكانت بدايتهما متواضعة مع عودتهما مباشرة إلى البلاد، فبدأ الزوجان بمتجر إلكتروني عام 2016 لبيع أدوات الخط، وبعد ذلك عام 2019، قررا افتتاح مركز لتعليم الخط العربي، بالتعاون مع أساتذة في الخط العربي وأسمياه "روح".

وفي هذا الصدد تقول المهندسة راية:  "إن ما يهمنا من الأشياء جوهرها وأصلها، ولأن الروح هي أصل الإحساس بالأشياء، فالإنسان يشعر بقلبه وروحه لا بعقله، فتجذبك الأشياء لا لشيء إلا لمجرد أنها لامست روحك، والفن مرتبط جدًا بالروح، لأن الناس يتذوقونه بروحهم كل حسب شعوره وظروفه النفسية. إضافة إلى ذلك، فإن الكتابة بالقصب والأحبار وعلى الورق كلها أشياء من الطبيعة بعيدًا عن الحواسيب والتكنولوجيا، كما أن الخط أين ما وجد؛ في لوحة أو منتج أو غيره، يعطيه الحياة، وبمجرد النظر له يلامس روحك وعاطفتك".

| أنشطة مركز روح للخط العربي

لروح أنشطة متعددة ومتميزة يدعم كل ما يدور حول الخط، فهو مركز لخدمة الخط وأهله من توفير أدوات الزخرفة والخط جميعها، والعمل على تنظيم دورات في الخط لجميع الفئات والأعمار، وخلق أجواء جميلة وهادئة لأهل الفن ليعبر عنهم ويحتويهم، ويكون مجمعًا لهم.
 
كما ذكرنا، أن المركز يستهدف جميع الفئات، وقد تميز جدًا في أنشطته مع فئة الأطفال، فكل ورشة تحمل رسالة سامية ترقى بأفكار أطفالنا، وتطور مهاراتهم الدينية.

لروح أنشطة متعددة ومتميزة يدعم كل ما يدور حول الخط، فهو مركز لخدمة الخط وأهله من توفير أدوات الكتابة والزخرفة والمواد الخام، كما ويحرص  على تنظيم دورات في الخط لجميع الأعمار والفئات المجتمعية، وخلق أجواء جميلة وهادئة لأهل الفن، لتكون بيئة خلاقة لإبداع الجمال وإفراغ مكنون النفس، في تعرجات ترسمها أنامل تعرف طريقها جيدًا، تفضي إلى منتجات خطية رائعة. وعلى الرغم أن المركز يستهدف جميع الفئات والأعمار المجتمعية، إلا أنه تميز جدًا في اهتمامه بالأطفال، وتقديم أنشطة متعددة لهم، فكل ورشة تحمل رسالة سامية ترقى بأفكار أطفالنا، وتطور مهاراتهم الدينية، كذلك تزرع في نفوسهم قيمًا ومعانيَ كثيرة، دينية ووطنية.

IMG-20221001-WA0033.jpg
من نشاط للأطفال أقامه مركز روح للخط العربي

تخبرنا راية عن تلك الماورائيات والأهداف التي يسعى المركز لتحقيقها  فتقول: " كنّا وما زلنا في روح نحاول محاكاة القيم الدينية والفكرية والوطنية وليس فقط تعليم كيفية التخطيط، خصوصًا في أنشطتنا مع الأطفال؛ فكان لدينا مرة ورشةً بعنون أسرار غرناطة التي تحدثت عن الأندلس تاريخها وحاضرها علمائها وشعرائها وخطاطيها وهندستها العمرانية، وتطرقنا فيها أيضًا إلى أهمية تدوين اليوميات وأهمية الكتب والحفاظ عليها؛ وعلمنا الأطفال مهارات أخرى غير الخط، منها كيفية تغليف الكتب، بأغلفة قوية ليتعزز قيمة الكتب وأهمية الحفاظ عليها. وفي ورشات أخرى كنا نميل للجانب الروحاني والديني؛ فكانت إحدى الدورات تدور حول أسماء الله الحسنى؛ تحدثنا في الدورة عن الأسماء ومعانيها، وحاولنا معرفة أي الأسماء لمس كل طفل أكثر، ولماذا، ثم نطلب منه كتابته بالتذهيب، بالخط الكوفي لتدريبه على الخط".


اقرأ أيضًا: الخط العربي: عن هُوية رابضة في ديكورات منزلية


وفي ورشة أخرى اسمها "لو أرهفت" تحدثت حول بيت المقدس وصلاح الدين والمعالم المقدسية، وخصوصًا منبر صلاح الدين، وكل ما يدور حوله وعن زخرفته، حاول القائمون على الدورة التماهي مع الزخارف والكتابات الموجودة عليه. توقفت راية هنا لوهلة تستذكر تفاصيل تلك الدورة وقالت: " كانت دورة مؤثرة جدًا وجذابة للأطفال، لأننا صنعنا الزخارف باستخدام الشكولاتة لجذب تفكيرهم، وإضافة الشغف أثناء صنع الزخارف، وكل هذا بهدف تنمية مهارات الأطفال الحياتية المختلفة، والافتخار بأمتهم وحضارتهم وإرجاع روح الخط العربي والارتباط بالأمة والحضارة الاسلامية أجمع"."الخط هندسة روحانية، لذلك فإن دمج الأطفال في هذا الجانب يهذب نفس الطفل ويزرع فيه الصبر والتأمل، ويحثها على التحليل والتركيب"، تؤكد راية.

| صعوبات في عالم الخط العربي

1-17.jpg
فعاليات الأطفال في مركز روح للخط العربي

يواجه المركز عقبات عدة على رأسها العقبة المادية، فهذا الجانب من الفن غير مدعوم ماديًا في فلسطين، حيث يتطلب ميزانية كبيرة لأن الأدوات الفنية عمومًا مكلفة ويجب تجديدها باستمرار. إضافة إلى العقبات المادية هناك نقص الموارد البشرية المهتمة بتعليم وتعلم هذه الفنون، فمتعلموه قلة خصوصًا في فلسطين، وترجع المهندسة راية أن السبب يرجع إلى كوننا كفلسطينيين نعتبر أن الخط العربي والاهتمام به من الكماليات، التي يسبق الاهتمام بها كثير من القضايا الأخرى لشعب مقاوم.

يمثل الوقت تحديًا آخر لمركز روح؛ فالخط يحتاج لوقت طويل من حيث التعليم والتدريب والتخطيط للدورات تدريبية، خصوصًا تلك المتعلقة بالأطفال والتي تحتاج كثيرًا من الجهد في الإعداد، لحرص القائمين على المركز أن تكون أنشطة ممتعة للأطفال من جهة وتحمل أبعادًا تربوية وإسلامية ووطنية من جهة أخرى، فضًلا عن انشغال الزوجين بأعباء الحياة الاعتيادية.

تشيد راية بأهم الجنود في روح، والداعمين لها وهي الخطاطة رشا كببجي التي تعرفت عليها راية من خلال الخط لتكون صديقة مقربة لها، وشريكة لها في كثير من الورش التي تنظمها روح، كما أنها مسؤولة قسم الزخارف في المركز، ويذكر أنها لها الدور الكبير في التعريف عن روح عبر هذا الحوار.

تضيف راية  أن الاطفال لا تستهويهم مثل هذه الأنشطة كثيرًا، فهم مثلنا نحن أيضًا متعلقون بالتكنولوجيا والهواتف، أو تستهويهم الأنشطة الحركية التي يفرغ فيها الطفل طاقاته.

تتذلل هذه الصعوبات بدعم الأهل والأصدقاء ومحبي الخط. تشيد راية بأهم الجنود في روح، والداعمين لها وهي الخطاطة رشا كببجي التي تعرفت عليها راية من خلال الخط لتكون صديقة مقربة لها، وشريكة لها في كثير من الورش التي تنظمها روح، كما أنها مسؤولة قسم الزخارف في المركز، ويذكر أنها لها الدور الكبير في التعريف عن روح عبر هذا الحوار.

| الفن والهوية العربية والإسلامية
 
وحين سألنا راية عن علاقة الفن بالهوية العربية والإسلامية، كانت الإجابة تلامس الروح أيضًا، فروح بعضها من بعض، تقول راية: "الإنسان بحاجة دائمًا ليعبر عن نفسه وقضيته واهتمامه، وهنا يبرز الفنان المسلم في التعبير بشكل مختلف عن فناني الغرب، ففي الوقت الذي قد يعبر فيه الفنان الغربي عن حدث من خلال لوحة فنية أو مجسم منحوت، يروي الفنان المسلم كل ما يختلج في صدره بالزخارف والخط والعمارة."
 
تكمل: "يتراقص الخط بينها حاملًا معاني لا تنتهي من الحب والفكر والشوق والقيم الدينية الكثيرة، وكما يقول الكاتب التركي أورهان باموق: "ولأنني أحكي ما يشعر به قلبي وأخرجه بألوان ذكرياتي وآلامي يبدو  ما أحكيه مثل نقش يرافق ما حدث لي".

وحين سألنا راية عن علاقة الفن بالهوية العربية والإسلامية، كانت الإجابة تلامس الروح أيضًا، فروح بعضها من بعض، تقول راية: "الإنسان بحاجة دائمًا ليعبر عن نفسه وقضيته واهتمامه، وهنا يبرز الفنان المسلم في التعبير بشكل مختلف عن فناني الغرب، ففي الوقت الذي قد يعبر فيه الفنان الغربي عن حدث أو شعور معين من خلال لوحة فنية أو مسجم منحوت، يروي الفنان المسلم كل ما يختلج في صدره بالزخارف والعمارة.

يتراقص الخط بينها حاملًا معاني لا تنتهي من الحب والفكر والشوق والقيم الدينية الكثيرة، وكما يقول الكاتب التركي أورهان باموق: ’ولأنني أحكي ما يشعر به قلبي بألوان ذكرياتي وأحلامي يبدو كما ترونه نقشًا‘. إضافة إلى ذلك فإن الإرث الفني في الحضارة الإسلامية من عمارة وزخارف وخط عربي جزء لا يتجزأ من التاريخ الإسلامي".

وعن التحاق النساء بدورات الخط العربي تقول راية: " قديمًا لم تشتهر النساء في التاريخ الاسلامي مقارنة بالذكور بالتخطيط وفن الخط العربي، وربما يكون ذلك لأن الخط بحاجة إلى تفرغ تامّ له، والنساء يقع على عاتقهن أعباء كثيرة تعيق بروزهن في هذا المجال على عكس الوقت الحالي، فأغلب المترددين لتعلم الخط في المركز هن من النساء وليس الذكور، وربما يعود ذلك لكون الخط قديمًا  مهنة يمتهنها الرجال لتكون عمل يجني منه لقمة العيش، في حين أنه اليوم أصبح هواية".


اقرأ أيضًا: "عودك رنان".. ترانيم شرقية تخُط دارا للعربية


تكمل: "إن كثيرًا من النساء يلتحقن بدورات الخط العربي لتنمية مهاراتهن كونهن صاحبات مشاريع خاصة، مثل الكتابة على الأكواب والملابس والتطريز، أو محل زهور يردن أن يزين فيه الباقة بعبارات مخطوطة تزيد الورد جمالًا. كذلك أنه عبر التاريخ الاسلامي لربما اشتهر الرجال بالخط أكثر من النساء في حين اشتهرت النساء بالحياكة والزخرفة، لأنه بحاجة إلى دقة ونفس طويل وعاطفة جياشة أيضًا وهذا ما يحدث في روح مع من يرتدنه اليوم".

| هل الخط العربي بهذه الصعوبة؟!

2-12.jpg
أنشطة مركز روح للخط العربي

قد يبدو للقارئ أن هذا الفن عميق لن يتقنه سوى من يفهم معاني الخط العميقة ولديه اهتمامات وقدرات فنية ولو بسيطة، أو من كان خطه جميلًا في الأصل، ولكن على العكس، فكما تقول المهندسة راية: "إن أي شخص بإمكانه تعلم الخط حتى وإن كان خطه العادي غير منظم وجميل فالعلم بالتعلم، إن الراغب في تعلم الخط عليه أن يتمرس عدة أمور، وليس إمساك القصبة أو قلم الخط وحسب، فأولًا عليه أن يحاول باستمرار النظر للوحات بعمق والتأمل فيها، فالتغذية البصرية هي أولى خطوات إتقان الخط، وبعدها إذا سار المتعلم على تعليمات تعلم الخط سينجح بلا شك. ولا يمكن تعلم الخط ذاتيًا يجب أن يشرف عليك أستاذ أو شخص متعلم ومتمرس في الخط ليرشدك إلى الطريق الصحيح".

وعن سرّ النجاح في التخطيط تؤكد راية أن الصبر هو السر للنجاح تقول: "الصبر ثم الصبر فالخط فن متمرد إذا تركته يومًا تركك أسبوعًا وإذا تركته أسبوعًا تركك شهرًا، لذلك يجب الصبر على تعلمه والمداومة بشكل يومي على ممارسته لأن نسيانه سريع واليد تأخذ وقتًا حتى تتمرس من جديد".

وفي ختام حورانا تؤكد المهندسة راية: "مشروع روح هو روحنا التي نتمنى أن يصنعه الله على عينه، هذا المشروع الذي لا يحمل معانيَ ماديةً بل جل همه وأفكاره روحانية لنسموا بأرواحنا والخط العربي وأرواح وأفكار الأطفال، نأمل أن يكبر روح أكثر وننفذ المزيد من الورشات لتخريج خطاطين متميزين، ونسعى لتأليف كتب لتعلم الخط العربي للأطفال".