شفتوا البطل شفته من طلته عرفته.. واعمي اللي مش شايف.. كثيرة هي أسئلة الموت والشهادة. من أنت أيتها المنايا، ومن يجرؤ طريقًا إليك! من يحمل زاده وزواده قادمًا، مقبلًا غير مدبر، لا يتوجس من أي فكرة أو صورة أو مشاعر، حاضره ومستقبله مثبتان في الزمان والمكان والذاكرة، كل ما فيها يدفعه نحو الأمام. لله دركم أيها الثوار، تخرجون من عمق الأرض محطمين كل قيد، وكل آلة مراقبة، وكل أدوات الدولة القمعية الحديثة، من الجبال تارة، ومن تحت الأنفاق أخرى، ولا نعرفكم!
شباب كلهم، حلقاء الشعر كلهم، يلبسون أسود كلهم...فالله درهم! يبدعون أشكال مقاومة لا تخطر في بالنا ولا بال الاحتلال، وفي كل انتفاضة وهبّة، يثبتون أنهم قادرون على اختراع أدوات مقاومة، فيضيع العدو في صورهم، يتوه في أيّهم، وفي مكانهم، وفي أسلحتهم! هذا عدي الذي أبهرنا ببطولته، كان مشهدًا لربما نظنه تمثيليًا من إحدى المسلسلات الأمريكية الشهيرة، ولكن عدي كسر القاعدة وأثبت للعالم أن في فلسطين أناس تدافع عن الوطن حتى الرمق الأخير، اثنان وعشرون ربيعًا ويعرف معنى النضال معرفة حقة.
وهي ظاهرة انتفاضة جديدة لشباب اشتروا أنفسهم، تركوا الدنيا ومتاعها ووهبوا أنفسهم لله وكفى! هذا مشهد عدي؛ يخوض معركة بمسدسه، لم يسقط؛ ككل شيء فلسطيني صامد، جسده وحركته وملكيته، وأشجار زيتونه. اخترقته الرصاصات فقام، قام قيامة المجاهد حتى آخر رمق. كان في مخيم شعفاط قبل عشرة أيام بعدما نفذّ هجومًا قتل فيه مجندة صهيونية، فجن جنون الاحتلال، فبدأوا البحث عن شاب حليق الرأس، فيا تُرى ماذا فعل شباب المخيم! نعم، حلقوا رؤوسهم جميعًا وقالوا هيا أبحثوا عنه!
اقرأ أيضًا: عرين الأسود: نابلس تستعيد مجدها
قضى عدي التميمي من مخيم شعفاط مدة أسبوعين وهو مطارد، لم ندر أين! ولكنه كان بطلًا حتى حين كان مطاردًا، حمل سلاحه مرة أخرى وذهب إلى مستوطنة معاليه أدوميم ونفذ الهجوم حتى باغتوه بالرصاص، فكان بطلًا يقاتل بشراسة مؤمنًا؛ فلا تمت قبل أن تكون ندًا، "ونحن شعب لا نستسلم ننتصر أو نموت". هذا عدي التميمي الذي شاهدناه أمس مقبلًا غير مدبر، يحارب الرصاص فيقوم ويقنص، المهم أن لا يستسلم كان عنيدًا شرسًا في الدفاع عن حقه في الحياة، أبهر كل من شاهده والكل يهتف: "شفتوا البطل شفتوا"...
كان مصداقًا لما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلا سأل النبي : أي الشهداء أفضل؟ قال: " الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة، ويضحك إليهم ربك، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه". يضرب عدي لنا مثالًا في أن تموت وسط زخات الرصاص غير آبه أو خائف من الموت. إلى رحمة الله وأمنه يا عدي، أوصل سلام البلاد وأهل البلاد لرفاقك في الجهاد إبراهيم النابلسي، وإسلام صبوح، وكل الرفاق.